الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

المرأة والأخلاق

منى زيدو

سؤال يراودنا كثيراً منذ مئات السنين وحتى الآن لم يتم الإجابة عنه بشكل نهائي ويريح الانسان من عناء البحث والدراسة حوله. ما هي الأخلاق وما علاقة الاخلاق بالمجتمع والانسان أو بالأحرى هل الأخلاق أمر مطلق أم أنه نسبي يختلف من منطقة لأخرى ومن زمان لآخر؟ وهل الأخلاق مرتبطة فقط بالمرأة أم أن للرجل نصيب منه؟ وكيف نوفق بين الاخلاق والقانون وما هو الفرق بينهما؟ وكثير من الاستفسارات التي ما زلنا نبحث لها عن أجوبة، لأن ما نعلمه أو نقرأه لم يعطنا الرد الشافي للكثير من الأسئلة التي ما زالت تداعب مخيلتنا وأفكارنا.

منذ القدم بحث الانسان عن قوانين أو ما يمكن تسميته بقوانين لتسيير حياته اليومية بطريقة تضمن للكل أن يعيش بشكل جماعي وبنفس الوقت يصون ويحترم خصوصية الفرد والكل ضمن الجماعة أو القبيلة التي يهيش فيها. وأن تلك القوانين المجتمعية والتي ظهرت بشكل تراكمي على مرّ مئات السنين باتت تشكل عصب الحياة المجتمعية والتي تحدد لكل فرد ضمن الجماعة دوره وحدوده التي يمكن العيش فيها ولا يمكن تخطيها، وفي حال تخطيها كانت العقوبة هي الرادع لإعادة التوازن لحياة تلك المجموعة إن كانت قبيلة أو قرية أو حتى فيما بعد المدينة.

وحتى بمقدورنا القول أنه في تلك المرحلة كان للمرأة دوراً مفصلياً في تحديد تلك القواعد التي كانت أساس التعامل بين أفراد المجموعة التي تعيش مع بعضها البعض، ونتوصل لهذه الحقيقة من خلال توصلنا لمعرفة مكانة المرأة في تلك الحقبة من الزمن ودورها كآلهة ومنتجة للكثير من نواميس الحياة. وإن كان الوعي في شكله البدئي بعد إلا أن تلك القواعد تطورت بتطور الحياة وأدوات ووسائل الإنتاج بنفس الوقت، والتي كانت العامل الهام في تشكل الطبقات والفصل فيما بينها، إن كان من ناحية الزراعة أو تربية الحيوانات وتسييسها. فالمرأة كانت هي المحور الذي تدور حوله مفاصل الحياة بكل تنوعها وتشابكها وتعقيداتها.

الأخلاق بشكل عام كانت تدور حول تقربات الفرد ضمن المجموعة وواجباته تجاهها وخاصة من ناحية العمل وعدم الاتكال على جهد الآخر من جهة، وكذلك الصدق في كافة مقارباته اليومية مع باقي أفراد المجموعة. إذاً، العمل والصدق كانا جوهر الأخلاق في المجتمعات القديمة وكل من لا يبدي الاحترام لهاتين القاعدتين كان يعتبر منبوذاً اجتماعياً من قبل معظم أفراد المجموعة.

بعد ذلك ظهرت القوانين بشكل الوضعي كما نعرفه الآن وإن كنا نعتقد أن حمورابي الملك البابلي هو أول من سنَّ تلك القوانين، وبتطورها حتى راهننا باتت هي المحدد لمعظم قواعد حياتنا. مع العلم أن القوانين وإن لبست أو تقمَّصت بعض الأحيان الأخلاق، إلا أنه ليست لهما علاقة ببعض مطلقاً. حيث القوانين تم وضعها لحماية السلطة والزعيم – الإله منذ حمورابي واستمرت حتى حاضرنا مع بعض التغيرات الطفيفة التي حصلت عليها. ولكن تبقى الأخلاق الشفهية هي المحدد الرئيس في تعامل الناس مع بعضهم البعض أكثر من القوانين المكتوبة. ومع ظهور الأديان التوحيدية التي اعتمدت كثيراً على الأخلاق ليغدو الدين وكأنه هو الأخلاق بحد ذاته. وهذا له دراسته الخاصة فيما بعد حول علاقة الدين بالأخلاق وكيفية تطورها؟

في الوقت الحاضر ثمة الكثير من الأمور التي ينبغي التوقف عندها ومعرفة جوهرها وعلاقتها بوعي الانسان وإدراكه وطريقة تفكيره. حيث أن الأخلاق ليست آيات قرآنية منزلة من السماء لا يمكن المساس بها، فكيف أنه لكل مجتمع في كل زمان ومكان نواميسه الخاصة والتي تتغير مع تطور الوعي والفكر، كذلك الأمر له علاقة وثيقة بالأخلاق أيضاً. فالأخلاق كظاهرة هي نسبية وليست مطلقة وتتغير من مجتمع إلى مجتمع آخر وكذلك تتغير بدرجة تطور وعي الانسان وعلمه وثقافته. وهذا ما علينا أن ندركه ونتقبله بصدر رحب بعيداً عن المغالاة والتقربات الفظة التي لا تفيد إلا بردة الفعل تجاه من نريد فرض الأخلاق عليهم.

والأمر الآخر الهام هو علينا أن ندركه هو أن الأخلاق له علاقة بكل أفراد المجتمع من دون تفرقة بين رجل وامرأة، وأنه ليس محصور فقط بالمرأة وشرفها كأن نحدد بأنها على خُلق أم لا بنظرة ذكورية بطرياركية بحتة. وثمة الكثير من الأمور التي نفرضها على المرأة تحت مسمى الأخلاق ومعظم الرجال لا يتقيدون بها، وكأن هذه القواعد الأخلاقية فقط المرأة هي الملزمة بتطبيقها، متناسين أو يتناسون أن على الكل أن يكون ملتزم بالأخلاق لأنه بها فقط يحيا المجتمع أو يفسد.

كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ*** فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا

صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ*** فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

وَإِذَا أُصِيـبَ القَـوْمُ فِـي أَخْـلاقِهِمْ*** فَأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمـاً وَعَـوِيـلاَ

to top