ثمة إشكالية كبيرة ما بين مفهوم الإدارة والسلطة والتي باتت متداخلة لدرجة صعوبة الفصل بينهما، رغم تطور علم الاجتماع المعني بالمصطلحات قبل العلوم الأخرى. وهذا التداخل ربما كان أحد الأسباب التي تؤدي لاستفحال المشاكل والقضايا وعدم حلها بأسلوب راقي بعيداً عن استغلال القوة. حيث أن السلطة تعتمد على عناصرها من القوة والصلاحيات لتستمر في مكانها، بينما الإدارة تعتمد العلم والفن في عملها وهدفها. إذاً، شتَّان ما بين المصطلحين من حيث التطبيق العملي وما سينتج عنهما في تسيير أمور المؤسسة أو الشركة أو العائلة حتى الدولة.
من المعلوم أن السلطة تتمركز في المدينة أكثر منها في القرية وإن كانت بسيطة ومخفية فيها وغير مرئية لتغلب الحياة الطبيعية فيها، بعكس المدينة وزخمها وكثرة المؤسسات فيها بدءاً من أعلى الهرم وحتى القاعدة حيث تتجلى السلطة بكل وضوح. ودائماً ما يتم استغلال السلطة من قبل الأشخاص ليفرضوا آرائهم وقوانينهم الخاصة على المجتمع تحت حجة الاستقرار والأمن ليستمروا في فسادهم وسرقتهم لقيم الانسان من الكد والجهد.
الإدارة عبر التاريخ ظهرت بشكلها البدئي مذ كانت المرأة بيدها تسيير أمور الحياة في العائلة والمجتمع الذي تكون هي فيه الإدارة. حيث أن للمرأة طبيعتها الخاصة في الالتزام والتشارك والتشاور في أمور الحياة لإيصال المجتمع لأبهى صوره. وأن الطبيعة المتواجدة عن المرأة تخولها أكثر من الرجل في أن تكون إدارية ناجحة نظراً لتمتعها ببعض الخصائل يفتقرها الرجل.
واضحٌ بما لا يقبل الشك بأن نجاح أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع ابتداءً من أصغر مؤسسة وهي العائلة، وانتهاءً بأكبر مؤسسة وهي الدولة، مرتبط بنجاح إدارة تلك المؤسسة. إن البقاء والنجاح يتوقف على الإدارة ومهارة المدير/ة؛ فكفاية المؤسسة وحسن المستوى الاجتماعي وتقدم الاقتصاد وما أشبه كلها تقع على عاتق الإدارة.
والإدارة الناجحة ليست عملاً سهلاً بل هي على جانب كبير من الصعوبة؛ إذ الأمر ليس فقط الابتداء في المؤسسة بل يجب معرفة كيفية استمرار نجاح تلك المؤسسة، لأن الإدارة علم وفن فأيهما بدون الآخر يكون ناقصاً؛ فالعلم عبارة عن مجموعة قوانين ونظريات ومبادئ يلزم على المدير استيعابها سلفاً حتى يضع كل شيء في موضعه، ثم يأتي دور الفن الذي يعتمد على الموهبة الشخصية والخبرة العلمية والمهارة الفردية واستنباط طرق حل المشكلة وما إلى ذلك.
فالإدارة تعبر عن حالة النظام والتنظيم في المجتمع وبعيداً عن الفوضى والتشتت. وأي عائلة أو مجتمع يفتقر إلى الإدارة سيكون معرضاً لجميع أشكال التفرقة والفوضى والتفكك، والعكس صحيح حيث المجتمع الذي يمتلك إدارة ناجحة سيتوجه نحو هدفه بخطى ثابتة وسيكون مجتمعاً يحتذى به وغير معرض للاستغلال من قبل أي سلطة كانت مهما امتلكت من أدوات قوة. وبنفس الوقت يعتبر من المهام العاجلة هي أن يصل المجتمع والانسان إلى أن تكون له إدارة أخلاقية، لأن الإدارة لوحدها لا تكفي في تسيير أمور أي مجتمع إن لم يحصينها بالأخلاق التي ستكون الرادع لأي شخص يستفيد من الإدارة لمنفعته الشخصية والعائلية.
من هنا يمكننا القول أنه لا إدارة من دون رادع أخلاقي تحدد رؤيتها وطريقها وأسلوب تطبيقها لحماية المجتمع من النزعات الفردانية، وهي تشبه تماما السلطة التي لا قيمة لها من دون قوانين تحتمي بها؛ وهذه القوانين هي بحد ذاتها تكون لحماية السلطة أكثر من المجتمع، لأن من سنّ هذه القوانين هم من يتربعون على كرسي السلطة.
المرأة الناجحة هي التي تعرف كيفية إدارة أمور مؤسستها بدءاً من البيت وحتى الشركة وغيرها بكفاءة عالية، مع العلم أن فقد إدارة أية عائلة يعتبر من أكثر الأعمال صعوبة، وهذه المؤسسة الصغيرة تعتبر من المحك الذي يصقل مواهب المرأة وتطورها في إدارة الأعمال. فتربية الأطفال وإدارة شؤون المنزل هي بحد ذاتها مدرسة كبيرة وعظيمة لأنه من هنا تبدأ شخصية الانسان بالتشكل والنضوج والتوجه نحو المستقبل. فإن لم تكن هذه المدرسة جيدة والإدارة فيها ضعيفة حينها سيؤثر ذلك على المجتمع برمته وكذلك تطور ومستقبله. وحينما نعطي مثال البيت هذا لا يعني أننا نقول أنَّ المرأة هي فقط للبيت وعليها الطبخ والنفخ فقط، بل لأن هذه المؤسسة التي تعتبر أصغر خلية في بناء المجتمع ومؤسساته تعتبر من أصعب الأعمال الإدارية والتي إن نجحت فيه المرأة، فأنها حتماً ستكون امرأة ناجحة ومتميزة في أية شركة أو مؤسسة أخرى مهما كان حجمها وعدد العاملين فيها.
طبعاً، لو نظرنا للمرأة بشكل عام الآن لرأيناها ضعيفة وواهنة لدرجة أنها تبكي لمجرد أي مشكلة تعترضها، وهذا ناتج طبعاً عن الهجمات التي تمت على المرأة عبر الزمن وإخراجها من حقيقتها الأم المنتجة وتحويلها إلى المرأة السلعة والمستهلكة والإتكالية على الرجل. ومن هنا ينبغي القول أنه على المرأة أن ترجع لحقيقتها وتبتعد عن حالة الاغتراب الذاتي التي تعيشها والتي تم إقحامها فيه وتمتلك ناصية الإدارة، حينها فقط يمكننا القول أنه بمقدور المرأة أن تبني مجتمعاً منتظماً محمياً من أية هجمات فكرية وثقافية.