هل المرأة هي التي تخلق الثورة أم الثورة تخلق المرأة؟ حالة تغيير ديمقراطية تحدث في مرحلة الثورات يكون للمرأة الدور الأعظم فيها، أحيانا تكون هي العنصر الفاعل فيها، وأحياناً تكون العنصر المفعول به، وفي كلا الحالين يظهر وضع جديد في المجتمع، أي أنَّ المجتمع ينتقل من حال لأخرى.
وبكل الأحوال للمرأة الدور المحوري في المجتمع بدءاً من الأسرة إلى ساحة الحياة العامة. وأقصد من كلمة المحور ليس بالضرورة أن تكون الرائدة في عملية التغيير هذه، فعدم فاعليتها أيضا له دور محوري في إحداث عملية التغيير الرجعية في مجتمع ما، عدة نماذج موجودة حالياً في الواقع السوري والتي نشهد صورها بشكل واضح، فالثورة التي بدأت بملامح غير واضحة، وعملية تغيير لا استراتيجية لها، استغلتها التيارات الدينية وبدأت فيها عملية تغيير حاصرت المرأة من كلِّ الجوانب. سابقاً عندما كان النظام هو الحاكم على كامل البقعة السورية، ولم يكن للمرأة المتدينة دورٌ في الحياة سوى إدارة منزلها من خلف ستارها الأسود، بينما كانت المرأة الريفية تبني شخصيتها من خلال مشاركتها الزوج في الحياة بمجالات عدة، أيضا كانت تعمل بصمت، وتصبُّ مجهودها في قناة سلطة الرجل، أما المرأة من الفئة المتعلمة والبرجوازية والتي قطعت شوطاً في مجال حق التعلُّم وحصلت على جزء بسيط من الحقوق، اِعتقدت نفسها متحررةً ودارت في فلك الشرك الذكوري ولم تغير في الحياة إلا الجزء البسيط جداً وأحياناً أعطت مفهوماً خاطئاً عن الحرية.
أما الآن، وبعد مرور سبعة أعوام على عملية التغيير في المجتمع السوري، نرى أن المرأة قطعت أشواطاً لتنتقل من حالة إلى أخرى، ففي جزء غير بسيط من الجغرافية السورية وفي المناطق ذات الصبغة الدينية، لم تبقَ المرأة تعتنق الإسلام كدين وتعبد ربَّها فحسب، إنَّما أصبحت تستخدمه كوسيلة لإحداث تغيير جذري في شكل الحياة وفي مجال الحقوق والحريات، أي أنَّ الدين لم يبق كدين عبادة، إنَّما تحول لدين سياسي يفرض سيطرة أيديولوجيا معينة على شكل الحياة من خلال المرأة، والمرأة التي كانت تخدم زوجها ومنزلها، أصبحت تلعب دور المنظِّر في الفقه والدين وترسم شكلاً جديداً لحياة المرأة من خلال وضع قواعد جديدة لا تحصر المرأة وتكبِّلها مثل، عفة المرأة، صفات المرأة الفاضلة، الخلوقة والمحتشمة، إلى ما هنالك من صفات تُقيِّد المرأة وتجعلها تدور في فلك الذكورة، وفيها تكون المرأة نفسها هي الفاعلة ولها دور المُنظِّر وتعمل بقناعتها بعدما تفرض عليها العبودية الطوعية. وهذا النموذج يعتبر من أخطر الطرق التي يسلكها الرجل لاستغلال المرأة وطاقاتها في سبيل تثبيت نظامه الذكوري وفرض سلطته على كامل مرافق الحياة.
النموذج الثاني وهو ما تبقى من الفئة التي تنادي بالعلمانية كطريقة وحيدة للتخلص من المظالم كافة، وتعطي حيزاً من الحرية والحقوق للمرأة كي تشق طريقها نحو التغيير. لكن؛ هذا أيضا حدث بشكل جزئي وبسيط لم يتجاوز حدود الحريات الفردية، والمعارضة التي ادعت العلمانية لم تتجاوز حدود الطرائق الدينية بنظرتها ومواقفها الدونية من المرأة، والمرأة أيضا لم تنقذ نفسها من شرك الحرية الفردية التي فصلتها عن المجتمع وقطعت روابطها الاجتماعية، والنظام أيضا استغل طاقاتها في مجال الدعاية والإعلام، والعسكرتارية.
في جزء آخر من الجغرافية السورية وبالرغم من تنوع وتعدُّد الثقافات فيها، إلا أنَّ المرأة لعبت دوراً عظيماً في إحداث الثورة الحقيقية في سوريا، فعندما نتحدث عن الدور المحوري للمرأة، إنما نقصد به هذه المنطقة التي بالفعل أصبحت المحور الأساسي لعملية التغيير الديمقراطي، والأصح عندما ترسم المرأة خارطة طريقها بنفسها، وهي التي رسمت المستقبل، وساهمت بشكل فعال في رسم مستقبل البلد بأكمله، ووضعت النموذج الصحيح للحياة، والمبادئ الأساسية التي ستسير عليها حياة الناس بالكامل، فهي وضعت النهج والخطة وقامت بالعملية من ذاتها دون الاعتماد على الرجل، حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن محور الذكورة، وساهمت بخلق حياة ندية وشراكة حقيقية مع الرجل في مجالات الحياة كافة.
ووضعت أسس الحياة الجديدة بدءاً من تكوين شخصية المرأة ككيان مستقل بذاته ومتكامل مع العناصر الأخرى في الحياة. لذلك؛ اضطرت على أن تُقدِّم التضحيات الكثيرة في سبيل الوصول لهذا المستوى من الوعي. احتاجت لتنظيم نفسها في مجالات الحياة كافة، ولم تفصل بين العمل في المنزل والعمل في السياسة، حتى أصبحت عظيمة؛ لعبت دوراً في تغيير ذهنية وثقافة الرجل الذي ما كان يرى فيها سوى جانب الجنس، وغيَّرت من تصرفاته وتعامله وتناوله للمسائل والنظرة للحياة بالكامل، فرضت عليه احترامها، جعلته شريك حياتها بحكم الواجبات، أصبحت شريكته جنباً إلى جنب في السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والدفاع.
تلك هي المرأة ذات الدور المحوري التي تفرض وجودها بعملها وذكائها وتعاطفها مع كل من حولها، ورغبتها وجهودها في سبيل ضمان حياة حرة وكريمة، أي أنَّها خرجت من حالة كونها سلعة وتحولت لتكون هي الفاعل الأساس في رسم معالم الحياة الجديدة، تلك هي المرأة الكردية التي كانت مزارعة تعمل في الحقل جنباً إلى جنب مع الزوج، وتلك الجهود فتحت أمامها المجال لتنخرط في مجالات أخرى عندما تحوَّل تفكيرها إلى وعي منظم ومدروس، وهكذا أيضا المرأة السريانية والعربية والتركمانية اللواتي وحَّدْنَ جهودهن في سبيل إحداث عملية تغيير ديمقراطي جوهرية في الحياة. إذاً لعملية التغير أشكال ومحاور.
– روناهي