الإثنين 30 ديسمبر 2024
القاهرة °C

المرأة والثورة على الذات

منى زيدو

بعد كل الذي حصل ويحصل في مجتمعاتنا من حالة الاغتراب عن الذات والهرولة نحو التقليد الأعمى لكل ما هو غريب عن حقيقتنا ومجتمعاتنا وثقافتنا، لا بدَّ لنا من وقفة نراجع فيها سلوك حياتنا وشخصيتنا التي باتت لا تعي ماذا تريد من الحياة. هذه الوقفة ينبغي ان تكون موضوعية وبعيدةً عن الاتكالية وعدم المبالاة التي باتت شعار أيامنا وكذلك تربيتنا لأطفالنا. عدم المبالاة هذه أوصلتنا لكثير من الأمور نحن بغنى عنها بكل معنى الكلمة من كافة النواحي، إن كانت الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأهم السياسية أيضاً.

“وأنا مالي”، “مفيش فايدة”، “فخار يكسر بعضه”، “يغورو في ستين دهية”، كلمات حفظناها عن ظهر قلب ونضحك حينما نتفوه بها، لكننا لا ندرك معناها ومدى تأثيرها على تكوين شخصيتنا وكذلك أفراد عائلتنا التي نحن النساء المسؤولات في الدرجة الأولى عن تربيتهن وإعدادهم للمستقبل على أساس أنهم جيل المستقبل. عدم المسؤولية هذه جعلتنا نعيش الأنانية بكل معناها وتفاصيلها والتي بدت واضحة على شخصية أطفالنا وأولادنا الذين ينظرون إلينا بكل تفاصيلنا ويقلدوننا، حتى أنهم في النهاية يكونوا نسخة مننا طبق الأصل.

عدم المسؤولية والجدية هذه بالإضافة لعدم المبالاة جعلت من المرأة التي هي نصف المجتمع كما ندعي نحن النساء، لا قيمة جوهرية لنا بسبب تعنتنا وإصرارنا على السلوك وأسلوب تنشئتنا لأطفالنا. وكل ما يهمنا تحول إلى ماذا نأكل؟ وماذا نلبس؟ وغير ذلك أصبح من الثانويات التي قلّما نفكر بها وخاصة في أصول تربية أولادنا وسلوكهم مع الآخرين إن كانوا في البيت أو المدرسة أو حتى في الشارع أو النوادي.

الاهتمام المفرط بالذات وعدم إيلاء الأهمية الحقيقية بأولادنا يشكل بين الطرفين هوة تتوسع مع مرور الزمن حتى نصل لمرحلة لم تعد لنا أية سيطرة على أولادنا، لنبدأ بالشكوى منهم ونفكر بألف وسيلة في كيفية السيطرة عليهم ولكن بعد فوات الأوان. هذا التناقض يمكن ارجاع سببه الرئيس لنا كأمهات وعدم اهتمامنا أو إدراكنا بجوهر العملية التربوية التي تكون فيها المرأة هي المدرسة الأولى فيها ومن بعدها تأتي مؤسسة التعليم. علينا نحن كأمهات أن نبدأ من ذاتنا وأن نجعل من أنفسنا معلمات حقيقيات ونعلم فن التربية على أساس أنه أعظم مهمة نقوم بها في حياتنا.

إن كما مهتمات ومنشغلات بذاتنا على حساب أولادنا فحينها يجب ألا نلوم الأطفال على سطحيتهم وسذاجتهم، أننا نكون نحن هنا السبب في ذلك وليس كائن آخر نلومه. من هنا ينبغي علينا كنساء أن نعلن الثورة على ذاتنا ونتخلص من الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد التي جعلتنا أسرة لها وحتى أنها صيَّرتنا نساء مستهلكات نهتم بالكماليات على حساب الأساسيات من الحياة. الثورة تعني فيما تعنيه هي ليس فقط نظرياً وشكلياً بل من الناحية العملية وبشكل موضوعي. وأن نحس بالمسؤولية والجدية تجاه أنفسنا أولاً وأفراد عائلتنا في الدرجة الثانية. وغير ذلك مهما قلنا وتكلمنا أننا سنعمل كذا وكذا، فأننا لن نخرج من مستنقع التكرار والتلفظ و “الكلام يللي ملهوش فايدة”.

الثورة على الذات ينبغي القيام بها بشكل منطقي وبإرادة قوية لأنه تلزمها إصرار على مقاومة كل ما هو غريب عن ثقافتنا ومجتمعيتنا وحقيقتنا التاريخية. وينبغي بكل تأكيد أن نعلم أنه إن لم نصل لهدفنا، فهذا لا يعني أن نغير الهدف، بل علينا تغيير الطريقة والأسلوب الذي اتبعناه من أجل الوصول لهذا الهدف. الهدف إن سامياً فتغيير الأسلوب يُعد شيئاً أساسياً من أجل الوصول له. وأن القلق والانزعاج والتخوف من عدم الوصول للهدف، ين يحقق لنا ما نريده بقدر ما سيؤثر على نفسيتنا وسلوكنا لنصل مرحلة أن نبحث عن طبيب كي نعالج نفسنا عنده. مع العلم أن سبب مرضنا هو نحن بحدِ ذاتنا وليس السبب خارجي كما نظن. وللخروج من هذه الحالة ينبغي علينا أن نفهم بشكل جيد مقولة سقراط “اعرف نفسك، بنفسك”. لأنه بمعرفة النفس والذات نكون قد حققنا نصف النجاح في تغلبنا على ذاتنا، والذي منه سنبدأ في تغيير الخارج. أساس التغيير يبدأ دائماً من الداخل ومنه يتم الانطلاق نحو الخارج، والتفكير بعكس ذلك كالذي يريد أن يربط العربة أمام الحصان أو الحصان خلف العربة ويُجهد نفسه على أن يسير الحصان بشكل سليم. وما أكثرنا نحن اللواتي نقوم بهذا الفعل إن كان بوعي أو بدونه. وهو نتاج تفكيرنا ونمط حياتنا الذي اعتدنا أن نتعايش معه مع الأسف.

to top