الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

المرأة والمسئولية الوطنية

منى زيدو

منذ القِدم وحتى الوقت الراهن لا يمكن تجاهل دور المرأة في كافة مجالات الحياة ضمن المجتمعات التي تتشكل منها الأوطان والأمم والشعوب. فبقدر ما قيل أن المرأة هي نصف المجتمع والذي أثبت سطحيته على أرض الواقع الذي نعيشه، والذي لا يمت لجوهر المجتمع بأي صلة وهذا نتيجة غياب أو ضعف دور ومسؤولية المرأة تجاهه. تغييب دور المرأة عن عملية بناء المجتمع إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل المنتفعين من هذا الأمر، وخاصة القوى التي من مصلحتها تفكيك المجتمعات وإضعافها بغية تسهيل السيطرة عليها وتوجيهها وفق ما ترغب أجندات تلك القوى.

وأولى خطوات تغييب المرأة عن دورها المنوطة به في بناء المجتمع هو العمل على تفكيك الأسرة والعائلة التي تعتبر أصغر خلية في بناء أي مجتمع أينما كان. البدء في تمييع العائلة وزيادة التفكك فيها من أهم الأساليب التي تعمل عليها القوى المنتفعة والتي تسعى دائمًا إلى الربح الأعظمي من خلال تقرباتها تلك. وهذا ما نراه بكل وضوح خلال نشاطاتنا اليومية من الاهتمام الكبير لأي عائلة أو أسرة بالأمور المادية والاستهلاكية على حساب التقربات المعنوية والإنتاجية من صغائر الأشياء حتى أكبرها ضمن العائلة. الاعتماد الكلي على السوق في تأمين كل احتياجات العائلة وكمية الضخ الإعلامي التي تجعل الحياة ميّسرة أكثر، جعلت ثقافة الجهد والكد عند المرأة في المراتب الأخيرة وتقدمت الكماليات والشكليات والموضة على الاهتمام ببناء شخصية الطفل الذي يعتبر أهم عمل تقوم به المرأة في حياتها.

تسليع المرأة وتبضيعها وتشييئها، جعلها مادة استهلاكية بامتياز في عصر التطور التقني والمعلوماتي الكبير الذي نعيشه بدءًا من أصغر الأشياء حتى أكبرها. الاهتمام بنوعية الهاتف والأزياء والمأكولات السريعة وعملية الشراء من مولات التريند والماركات والاهتمام بالمدارس الأجنبية لتعليم الأطفال ونوع السيارة وحفلات السهر والسفر وغيرها الكثير من الأمور، جعلت من المرأة كائنا لا يفكر إلا بنفسه وبفردانيته وأنانيته المفرطة والتي أثرت على عملها في تنشئة الطفل ورعايته وتكوين شخصيته ووعيه وثقافته. وبهذا الشكل كي تهرب المرأة من هذه الوظيفة فإنها تعمل كل ما في وسعها لإرضاء وإسكات الطفل في أن تعطيه الهاتف كي يلعب به ما يشاء وكيفما يشاء أو وضعه أمام شاشة التلفاز مع أفلام الكرتون كي يأخذ الثقافة من الهاتف والشاشة، وبهذا الشكل تتحول شاشتا التلفزيون والهاتف للأم البديل للطفل التي تمنحه الثقافة والشخصية الرقمية والافتراضية الاستهلاكية والتي يكون من نتائجها بناء مجتمع خامل عقليًا ومشلول فكريًا وقزم من الناحية الشخصية والإرادة.

طبعًا هنا لا ندَّعي الابتعاد عن التطور التكنولوجي التقني والرقمي بل على العكس من ذلك تمامًا. حيث يمكن الاستفادة منه كثيرًا فهو سلاح ذو حدَّين وينبغي على الأم معرفة كيفية توجيهه نحو أطفالها وكذلك المرأة نحو أبنائها ومجتمعها، وذلك في توجيههم نحو زيادة المعرفة وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا ايجابيًا بعيدًا عن الأمور الاستهلاكية وألعاب التهور التي لا فائدة منها سوى التحكم في الشخص وتوجيهه وفق أجندات خاصة للشركات المصنعة.

هذا هو الواقع الذي نعيشه بشكل عام مع الأسف والذي أدى بالمجتمع بأن يصل حافة الانهيار المجتمعي وحتى الروابط العائلية ضعف بنيانها. وللخروج من هذه الحالة ينبغي وضع برنامج عام له أهداف في إعادة بناء المجتمع من جديد والذي يبدأ من عودة المرأة لحالتها الطبيعية ولثقافتها الإنتاجية وأن لا تقبل على نفسها أن تكون سلعة تباع وتشترى بالمادة. بل على المرأة أن تعرف أنها هي الأساس في تشكل المجتمع وهي التي تعطيه لونه ورونقه الجمالي وتضفي المعنى لحياة المجتمع. لأن المرأة ليست فقط هي نصف المجتمع بل هي المجتمع بأكمله إن هي كانت لذاتها أولًا وتعرف نفسها وتكون منتجة وذات ثقافة عالية في حماية المجتمعات من أي هجمات ثقافية مهما كان مصدرها. وإلا ليس خطًا حينما نقول بأن الهجمات الخارجية لأية قوة تبدأ في اقصائها المرأة ومن المرأة بالذات تبدأ عملية هدم أي مجتمع كان ومنها أيضًا تبدأ عملية بناء أي مجتمع.

من هنا بمقدورنا القول أن زرع الثقافة الوطنية وحماية الوطن هي من الأدوار المهمة التي تقع على عاتق المرأة، لأنها أي المرأة والأم هي الأخت والحبيبة والأم والوطن. والوطن الفاقد لثقافته وترابطه يعني بكل معنى الكلمة بأنه في هذا الوطن لا وجود لدور المرأة والأم، والعكس صحيح!.

to top