منى زيدو
لطالما كان المجتمع المنظم محصناً ضد الكثير من الهجمات الداخلية منها والخارجية مهما كانت قوة هذه الهجمات، إلا أن آليات الدفاع في المجتمع المنظم تبقى هي دائماً العامل الحاسم ضد أية مخاطر ربما يتعرض لها. لذلك هذا المجتمع الذي كان قد حافظ على ذاته آلاف السنين وكان مهداً للحضارة الانسانية في اكتشاف الكثير من الحكمة والفكر والتطور في الزراعة وأدواتها وآلياتها، لا يمكن غض الطرف عن دور المرأة الرئيسي ضمنه. إذ، كانت هي المحدد والمعين في تحديد مسار الحياة برمتها وتنظيم دور كل شخص فيه وفقاً للأعمال والمسؤوليات والواجبات المطلوبة من الكل.
هكذا اخبرتنا به كتب التاريخ المليئة بهذه الأمثلة والتي تؤكد أنه كان للمرأة دوراً رئيسياً في القضاء على أية فوضى قد نحصل ضمن أي مجتمع، وحتى تحدد سبب الفوضى كان يتم التعامل معه بشكل مباشر إن كان عن طريق الأعراف والتقاليد والتي تحولت فيما بعد إلى أخلاق أو بعد ذلك عن طريق القوانين التي كانت تحدد مستوى مسؤوليات كل فرد تجاه الآخر ضمن هذا المجتمع.
لذلك كانت المرأة في المجتمعات التي اغتربنا عنها هي الآلهة التي كانت تعبد لأنه بيديها كانت تُسير شؤون المجتمع بكل حساسية بين أفراده من دون تمييز أو تفرقة. والتاريخ حافل بمثل هؤلاء الآلهة من قبيل (ستار أو ستيرك في الثقافة الآرية) أو (إنانا في ثقافة السومريين) أو (تيامات في ثقافة بابل) أو (عشتار في ثقافة مملكة أوغاريت)، وكذلك كانت (ايزيس وماعت في ثقافة مصر القديمة) و (افروديت في الثقافة الاغريقية) و (هيلين في الثقافة اليونانية)…. الخ. كل هذه الأسماء من الآلهة المرأة لم تكن مصادفة في أن تعتلي هذا المركز والمستوى إن لم تكن المرأة بحد ذاتها هي التي تمتلك الحكمة والمعرفة والاكتشافات والزراعة، لأن هذه الأشياء بالتحديد هي التي منحتها القداسة وأعطت الحياة معناها.
الآن وبعد ظهور المجتمع الطبقي وسيطرة العقلية الأبوية البطرياركية على السلطة وتفرد الرجل الداهية بالحكم والنفوذ تم ابعاد المرأة إلى أدنى مستوى لها ولم يعد بها ذاك الشأن في ترتيب شؤون الحياة. بهذا الشكل فقدت الحياة معناها بمقدورنا القول لأن المرأة بحد ذاتها وصلت لمرحلة هي بحد نفسها قد اغتربت عن ذاتها تنتظر ما سيمنحه سلطة الرجل لها، بعد أن تم تحويلها إلى مجرد سلعة أو آلة لإنجاب الأطفال والاهتمام بالجانب البيولوجي فقط وسرقة الجانب العاطفي والانتاجي منها وتركها مستهلكة لما ينتجه الرجل فقط وتسويقه له.
الآن ونحن نعيش أزمة عالمية كبيرة بسبب الجشع الذي أصاب القوى المهيمنة على العالم والتي لا يهمها سوى الربح على حساب المجتمعات والشعوب، نرى أن المجتمع يعيش حالة من الفوضى بكل معنى الكلمة ولا يستطيع أحد من تحجيم هذه الفوضى بالرغم من النداءات المتكررة من قبل السلطات والدولة، إلا أن حالة الفوضى هي السائدة ضمن المجتمع.
وهذا ما يعنيه أنه ينبغي على المرأة أن تقوم بوظيفتها الأساسية وتعود إلى ذاتها لتكون هي القوة الديناميكية والمحركة للمجتمع وخاصة تنظيمه لمواجهة أية أخطار تحدق به. لأن مسؤولية حماية المجتمع تقع على عاتق المرأة في الدرجة الأولى قبل أية جهة أخرى. المرأة التي يكون بمقدورها تنظيم أفراد العائلة وضبطهم تكون بنفس الوقت تحديد نسبة الأخطار المحدقة بالمجتمع. لأن هذه الأخطار هي مخاطر عامة وليست مسؤولية طرف بعينه.
من هذا المنطلق وفي هذه المرحلة الحساسة ينبغي على المرأة أن تقوم بأقدس واجباتها ومهامها وهي الحفاظ على المجتمع وصون صحته ولامته من الفيروسات المنتشرة إن كانت البيولوجية منها مثل كورونا أو المسرطنات أو الايدز أو حتى الثقافية منها وخاصة الجهل الذي بُعد أخطر داء يصيب المجتمع وأيضاً بمقدورنا تعداد مسؤوليات المرأة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يعني حماية وصون المجتمع تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على المرأة الكادحة والمرأة المقدسة المجتمعية وليست المرأة الفوضوية والاتكالية والفردانية والتي لا تفكر إلا بنفسها، والتي تكون سبب تشظي المجتمع وعُقمه ومرضه.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت