الأحد 17 أغسطس 2025
القاهرة °C
آخر الأخبار

المفكر الكردي الكبير محمد ارسلان علي يكتب : الديمقراطية ما بين صمت السلطة وصوت المجتمع

الحدث  بغداد

طبيعة السلطة المستبدة وأزمتها في سوريا منذ تسلمه السلطة في دمشق بحكم الأمر الواقع والذي حصل وفق تفاهمات إقليمية ودولية، وجاؤوا به من أجل تلبية مصالحهم واطماعهم في الجغرافيا السورية، وتحويل هذه الجغرافية لمنطلقات لتغيير شكل المنطقة والتدخل في دول الجوار تحت ذرائع وحجج سيتم خلقها في سراديب الاستخبارات الدولية.

السلطات المستبدة، مثل تلك التي يفرضها “الجولاني” أو غيره من القوى المسيطرة في سوريا، تعتمد على مركزية القرار وإقصاء الآخرين لضمان بقائها. هذه الذهنية الاستعلائية تؤدي إلى تفجير الصراعات، كما حدث في الساحل والسويداء، حيث أدى فرض الرؤية الأحادية إلى مقاومة شعبية وعنف مضاد.

السؤال المطروح عند الكثير من أصحاب الرأي والمحللين هو؛ كيف يمكن إجبار هذه النخب الحاكمة على التخلي عن استبدادها والاستماع إلى صوت الشعب؟  

بكل تأكيد ثمة الكثير من الأساليب التي ينبغي اتباعها للوصول لهذا الهدف. ومن أهمها هو الضغط الداخلي. وتعبئة القوى الشعبية والمجتمع المدني. حيث يعتب أحد أهم الأدوات لمواجهة الاستبداد هو تعزيز المقاومة المدنية المنظمة، ويتم ذلك عبر الاحتجاجات السلمية والحشد الجماهيري، والحركات الشعبية المستمرة، مثل الاحتجاجات المنظمة والإضرابات، يمكن أن تُضعف شرعية السلطة.

كذلك ينبغي العمل على بناء شبكات التضامن والتحالف الشعبي المحلي الداخلي. والعمل على تعزيز التنسيق بين المكونات المختلفة الكرد والعرب والأرمن والآشوريين والتركمان والدروز والعلويين وغيرهم من (العشائر، الطوائف، النخب المحلية) لخلق جبهة موحدة ضد السياسات الإقصائية. والعمل على إبراز الأزمات الناتجة عن الاستبداد (مثل انهيار الخدمات، الفقر، المجازر، القتل، النهب، السبي)، لفضح فشل السلطة في ضبط الجيش والأمن المرتبطين بهم، والإثبات على أنهم حثالة من المتطرفين غير الأخلاقيين. لن أقول إنهم متطرفون دينياً. لأنه ذلك يعتبر خطأ وأكبر جريمة نرتكبها. لأن التطرف في الدين والذي ذروته هو الأخلاق، نراهم أن هؤلاء الحثالة ليس لهم أي علاقة بالأخلاق لا من قريب ولا من بعيد. حيث كل أعمالهم في السويداء وقبلها في الساحل وباقي المناطق، من قتل وحرق واغتصاب وسبي ونهب وتدمير ونفاق وكذب، تثبت أ، هؤلاء ليس لهم أي علاقة بالدين، بل هم عبارة عن وحوش متخفية وراء عباءة الدين، الذي منهم براء.

لذلك ينبغي العمل على فضحهم أكثر وأكثر وكذلك مشغليهم من الإقليميين والدوليين، الذين يغضون الطرف عن أعمالهم، كرمىلمصالحهم وأطماعهم في المنطقة. لذلك ينبغي بناء صحافة وإعلام بديل واستخدام منصات التواصل لنشر انتهاكات السلطة وكسر احتكار الإعلام الرسمي. بالإضافة إلى توثيق القمع ورفعه إلى منظمات دولية لزيادة العزلة السياسية للنظام.  

النقطة الأخرى المهمة هو الضغط الخارجي وايصال كل ما يحدث في الداخل لهم، من أجل فرض العزلة الدولية والعقوبات على هذه السلطة المؤقتة التي لا تستمع إلا لصوتها النشاز.

السلطات المستبدة غالبًا ما تعتمد على الدعم الخارجي أو غياب المحاسبة، لذا فإن الضغط الدولي ضروري عبر العقوبات المستهدفة. وفرض عقوبات على قادة الفصيل المسيطر وشركائهم الاقتصاديين لتضييق الخناق المالي. والعمل على تجميد الأصول الخارجية للحد من قدرة النخبة الحاكمة على التمويل.  

والخطوة الأخرى المهمة هي العمل على مسار الدبلوماسية والإدانة الدولية، وذلك لكسب تأييد دولي عبر منظمات مثل الأمم المتحدة لفضح انتهاكات السلطة. وذلك من أجل دعم تقارير حقوق الإنسان التي تسلط الضوء على القمع والتمييز.

ويجب التأكيد على العمل من أجل دعم المعارضة السياسية الموحدة. وتعزيز البدائل السياسية المعتدلة التي تمثل مصالح جميع السوريين، وليس مصالح فصيل واحد. والعمل على تغيير البنى الثقافية والسياسية في المنطقة. نشر الفكر الديمقراطي في المجتمع تعتبر من أولى المهام التي ينبغي العمل عليها بجدية ومسؤولية كبيرة. حيث أن افتقاد المجتمع لثقافة الاعتراف بالآخر يمثل الأرضية الخصبة لانتشار خطاب الكراهية والضغينة بين أفراد الشعب، مثلما نرى الآن في الجغرافيا السورية.

بناء السلام والمجتمع الديمقراطي، لا يكون فقط بالشعارات والأمنيات، بل عن طريق أناس مؤمنين بروح الديمقراطية على أنها ثقافة وسلوك ينبغي أن تعاش، وليس أنها فقط صناديق اقتراع أو رفع الأيادي. فالديمقراطية هي ثقافة جدية ومسؤولية كبيرة جداً، لهذا نرى هذا الكم الهائل من القطيع (فزعات العشائر وممن يدعون بقوات الأمن والجيش)، الذي يتهرب من الديمقراطية، لأنهم يتهربونمن المسؤولية والحساب والكد والجهد. هم يبحثون عن العيش الرخيص عن طريق سرقة كل شيء تطاله أيديهم. لذلك نراهم أينما يحلون يبدأون السرقة والحرق والاغتصاب والسبي، ويحولون هذه المدينة أو القرية إلى مجرد أطلال. فالديمقراطية دائماً وأبداً تكون الصوت الآتي والصادر من المجتمع، وليس من السلطة، التي لا همَّ لها سوى السرقة والفساد.

حيث أن الاستبداد لا ينهار بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى تحول تدريجي في البنى الفكرية والاجتماعية. فعن طريق التعليم وبناء الوعي، يمكن تعزيز قيم المواطنة والتعددية في المناهج التعليمية والخطاب الديني. وكذلك مكافحة خطاب الكراهية الذي تروج له السلطات لتبرير استبدادها. ومن جهة أخرى العمل على تمكين المجتمع المدني. وذلك من خلال دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على بناء السلام والحوار بين المكونات. وإنشاء منصات للحوار المحلي تضم ممثلين عن جميع الفئات لطرح مطالب مشتركة.  

حيث أن التجربة التاريخية تثبت أن المستبدين نادرًا ما يتغيرون طواعية، لكنهم قد يتراجعون تحت ضغط داخلي وخارجي متراكم. في سوريا، حيث تتنوع مكونات الشعب وتتصارع القوى المسلحة، فإن الحل يكمن في توحيد المقاومة المدنية، وتعزيز البدائل السياسية، واستخدام الضغط الدولي. بدون إرادة شعبية منظمة وبدون عزل النظام دوليًا، سيستمر الاستبداد في توليد الأزمات كما حدث في السويداء والساحل.  

لربما يكون الطريق طويل، لكن التغيير يبدأ عندما يرفض الشعب أن يكون صوت السلطة هو الصوت الوحيد المسموع.

to top