السبت 4 يناير 2025
القاهرة °C

المنطقة بين القومويين والإسلامويين: هل من طريق ثالث؟

الحدث – القاهرة

مع الأحداث الأخيرة في سوريا والمنطقة، وأمام فشل الأنظمة والتيارات القوموية والإسلاموية، تظهر الأمة الديمقراطية كطريق ثالث للخلاص وبناء الحياة الحرة والديمقراطية يمكن أن تسلطها شعوب المنطقة.

بعد الأحداث الأخيرة في سوريا ودخولها لمرحلة جديدة بعد 61 سنة من حكم حزب الواحد، وقبلها ما حصل مع أنظمة المنطقة وسقوط الواحد تلو الأخرى، من المهم إجراء قراءة نقدية صحيحة للثقافة السياسية، وعقلية السلطة والدولة القومية، وأنظمة الحكم وطبقاتها، والتيارات السياسية والثقافية، التي تتحمل المسؤولية إلى حد كبير عن الأوضاع الراهنة، إضافة إلى التدخلات الخارجية ومخططات قوى الهيمنة العالمية.

الثقافة الأحادية واللون الواحد:

تمتاز جغرافية وبلدان الشرق الأوسط بتنوع مكوناتها الإثنية والدينية والمذهبية  وتعدد ألوانها، وقد عاشت شعوب المنطقة وتكويناتها الاجتماعية في غالبية مراحل التاريح في حالة من التشارك وتعدد الألوان والتكامل والوحدة الديمقراطية والاحترام المتبادل وخصوصية المجتمعات والثقافات بغض النظر عن حالة وطبيعة السلطات الحاكمة في الأعلى.

ولكن مستجدات الحرب العالمية الألى والثانية، وتقسيم المنطقة إلى دويلات، ومع الهيمنة الفكرية الغربية وضعف القيم المجتمعية والتقاليد الديمقراطية لشعوب الشرق الأوسط، سيطرت الأفكار والعقليات الأحادية الصفرية التي تريد تنميط المجتمعات في الدول القومية التي تم رسمها وتشكيلها خدمة لهيمنة ونهب القوى العالمية.

وهنا كانت الكارثة الكبرى، حيث تم اصطناع “أمة الدولة القومية الواحدة” بالتضاد مع حالة التشارك لشعوب المنطقة، وبممارسات إقصائية ودمج قسري وبالإكراه وصلت لإبادة تكوينات اجتماعية وشعوب وأمم أصيلة في المنطقة، وذلك تنفيذاً بإيجاد “أمة الدولة القومية” ولسياسة فرق-تسد للقوى المركزية العالمية ولبناء أدوات لخدمة النظام الرأسمالي.

وكانت المدارس السياسية القومية بجانبيها العلماني والديني مختلفة في بعض الأمور والأفكار، ولكنها متوافقة في الممارسة الأحادية والعقلية السلطوية الإقصائية ورفض المخالف أو المعارض.

عدم التجديد والفراغ الفكري:

من الصحيح أن أي سردية أو سياق للحياة والسلطة والدولة تفقد قدرته على التفاعل مع المفردات والمعطيات الحديثة للحياة وتطورها إذا لم يطور نفسه كفكر ونهج وممارسة، ولكن الأحزاب والتيارات والحركات السياسية في المنطقة بيمينها ويسارها ومركزها أصبحوا بعيدين عن التطور والتجديد الفكري. بل أصبح الكثير من الأفكار السياسية والثقافية والاجتماعية مقدسات وآيات لايمكن انتقادها أو تناولها بشكل جريء، وذلك خدمة للسلطات التي حكمت ومازال البعض يحكم. وهنا تصبح الممارسة اللازمة للتفاعل مع المعطيات غير صحيحة وإشكالية، كما هي لمعظم دول المنطقة التي حصلت فيها الأزمات في العقد الأخير.

غياب الديمقراطية أو غياب فعالية النسج الأخلاقية والسياسية:

من الطبيعي أن أي دولة أو مجتمع يغيب فيه الديمقراطية والحرية والعدالة، ويغلب فيها الفساد والنهب، عبر المؤسسات والأجراءات السلطوية، أن يكون غير قادر على تحقيق انتماء الفرد المواطن للوطن والبلد، الذي من المفروض أن تحميه وتحقق له الحياة الحرة الكريمة. وبالتالي تظهر فجوة وثغرة تزداد مع صعوبة الأوضاع وحالة الفساد. وهنا التفاضل المعتمد على معايير السلطة ومصلحتها بعيداً عن حاجات المجتمع، وتضعف بالتالي النسج الأخلاقية التي تدفع بعض الأفراد لانحرافات وممارسات تكون غير متوافقة مع أخلاقيات المجتمع، وربما تذهب بالفرد إلى قبول أية حالة جديدة تختلف عن الموجودة لعلها تكون أفضل وأحسن، حتى لو كانت مشبوهة.

وعلينا الإشارة إلى أن الديمقراطية ليست هي صناديق الاقتراح أو مسرحيات الانتخاب التي تجريها جميع أنظمة المنطقة، بل الديمقراطية هي أن يكون المجتمع قوياً بوعيه وبأدوات الدفاع، وله إرادة حقيقية ومؤسسات ديمقراطية يستطيع فيه إدارة شؤونه بنفسه، وليس الاعتماد على ممثل وهمي خادم لنظام السلطة والطبقة الحاكمة البعيدة عن هموم ومصالح كافة فئات الشعب.

التدخلات الخارجية وتبعية قوى السلطة لها:

رغم كل ادعاءات القوى السياسية الحاكمة في دول الشرق الأوسط في المئة السنة الأخيرة بالاستقلالية، وصياغة الأعلام والأناشيد القومية، والمهرجات الكبيرة وحالات التمجيد للقطرية والقومية، إلا أن الحقيقة أن غالبية السلطات وكذلك التيارات السياسية كانت تابعة ومازالت. وهذه لأسباب عديدة منها طبيعة الفكر السياسي والثقافي الذي تم تصديره للمنطقة في بدايات القرن العشرين المتأثر بالفكر الاستشراقي، وكذلك بسبب نوعية وطبيعة الدول والحكومات التي تشكلت في المنطقة خدمةً لأجندات خارجية. وبسبب كيفية إعطاء الشرعية لأي نظام وسلطة فمن المعروف أن الشرعية تقاس بمقادر الخدمات والعمل الذي تقدمة الحكومات والدول للشعوب، ولكن ما كان وما هو موجود في دول الشرق الأوسط أن الحكام والسلطات يأخذون الشرعية من القوى المركزية في النظام المهيمن العالمي، بعيداً عن أولويات واحتياجات الشعوب التي يحكمونها ويتكلمون بأسمها، أما الدساتير فتبقى نصوص فقط فوق الرفوق.

وعليه فإن غالبية سلطات دول المنطقة ومنذ مئة سنة لم تمثل الشعوب، بل كانت عالة وحملاً ثقيلاً وعبئاً على شعوبها، يتم محاولة التخلص منها في أقرب فرصة سانحة للشعوب، ربما من دون التفكير بالقادم أو تحضير البديل الأفضل.

دور المرأة:

أحد أهم أسباب المعاناة والأزمة التي تعانيها شعوب ودول المنطقة هي إبعاد المرأة عن ساحات الحياة المختلفة أوتحجيم دورها ووجودها في وظائف وأطر مرسومة ومحددة من قبل الذهنية الذكورية والعقلية السلطوية. وبالتالي أصبحنا أمام حالة تمثل الأزمة والتعبير عنها وليس الحل. فالتراجع والانغلاق مشكلة وكذلك الحضور وفق منهجية ذكورية استغلالية لا تعبر عن إرادة ووعي المرأة وثقافة جنسها أيضاً إشكالية. وعليه يعتبر وضع المرأة في مجتمعات الشرق الأوسط أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، لا بد من أن يتراجع الرجل عن سد الطريق أمام المرأة لتكون حاضرة في الحياة ووفق خصوصيتها وقوتها ووعيها الخاص وإرادتها التي تعني إرادة المجتمع وأرادة الحل والعدالة.

إرادة التغير سنة الحياة:

كما أن الفكر والعقل لا يقبل الفراغ أو السكون، فإن طبيعة الحياة متجددة ومتغيرة بالدوام، وتأخذ معها كل الهياكل والبنى الفكرية والمادية بما فيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إن لم تُجدد وتُطور نفسها وفقاً للعلوم العصرية والمعطيات الجديدة. ومن أراد أن يحكم ويستمر خارج السياق الطبيعي التجددي، لابد أن يذهب أدراج الرياح وينتهي. ولعل نظم الإدارة والسياسة والدولة هي من تكون عرضة للإنكسار والإنتهاء أيضاً إذا وقفت أمام إرادة التغيير، التي تعبر عن نفسها من خلال المجتمع الذي هو نبض ومقياس أي تكوين جديد سياسي واجتماعي وثقافي وفكري.

وهذه الإرادة والتكوين الجديد، ليس حكراً على قوى أو دولة أو مجتمع أو شخص، ففي وقت الأزمات، من يستطيع تنظيم نفسه وقوته وترتيب أولوياته بالشكل الصحيح ويختار تحالفاته بالشكل الصحيح هو الذي سيكون قادراً على الفور أو طبع التغيير بصبغته أو أن يكون المستفيد من الأزمة ومن ظروفها وحالها ونتيجتها.

دوامة فشل القوموية والإسلاموية:

في الشرق الأوسط، وفي ساحاتها الرئيسية في تركيا وإيران وكردستان والدول العربية وغيرهم، عانت وماتزال شعوبنا من أهم مرتكزين للمشهد الإقليمي الخادم لأجندة قوى الهيمنة والنهب العالمية أو للشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو…، وهما القوموية والإسلاموية. ومنذ مئة عام تتحول دول شعوب المنطقة بين هذين التوجهين مع كل المعاناة والمصائب التي تحل بنا. ففشل التيارات القوموية يؤدي إلى انتشار وتوسع ونمو التيارات الإسلاموية، وكأن الإسلاموية هي الحل. وعندما تفشل الإسلاموية، تتصاعد القوموية. وهكذا اصبحنا في دوامة لا نفع فيها لشعوبنا أو حل لمشاكلنا العالقة والكثيرة. وبالتالي هناك نظام يخدم القوى العالمية سواءً حطمنا الأول أو الثاني وكل التوجهين والمشروعين القوموي والإسلاموي يخدم بالنهاية النظام العالمي المهيمن.

الأمة الديمقراطية:

أمام هذه المشهد والأزمة وضياع البوصلة الصحيحة، أليس هناك طريق ثالث يمكن أن تسلكه شعوب المنطقة وتحقق به ما تصبو إليه وتتخلص من التبعية والضياع والقطيعة والقطعنة؟

بالطبع يوجد، وعبر مراحل التاريخ كما كان تدفق الحياة ثنائياً بين الخير والشر وبين الحضارة المركزية والحضارة الديمقراطية، فكذلك يمكننا أن نقول اليوم أن الرأسمالية ونظامها للهيمنة العالمية وبأدواتها القوموية والإسلاموية الأحادية والدولتية ومعادلاتها الصفرية، يقابلها المجتمعية التشاركية والديمقراطية المباشرة وبناء الإنسان والمجتمع مقابل بناء السلطة والدولة.

وهذا الطريق الثالث أشار له وقدمه المفكر والقائد عبدالله أوجلان بصيغة الكونفدرالية الديمقراطية لشعوب الشرق الأوسط، عبر نظرية الأمة الديمقراطية والإدارات الذاتية كتجسيد عيني لها عبر 9 بنود ترسم ملامح الحياة الجديدة، الحياة الحرة والديمقراطية بريادة المرأة والشباب، قوة التغيير الحقيقة للأفضل والأحسن والأجمل.

to top