الحدث – القاهرة
احتفلت الجاليات الكردية في مصر مساء الجمعة الماضي بعيد النوروز بأحد المراكب القابعة على الضفة الشرقية لنهر النيل قرب حي المعادي (جنوب القاهرة) حيث تفاجئك مشاهد القادمين من كل أحياء مصر، بعضهم يلبس الأزياء التقليدية (الأفرنجية) لكن قلة منهم فضلوا أن يكونوا مميزين بأزياء محلية تختلط فيها العراقة ببراعة التفصيل والحياكة.
بحضور الدكتور ياسين رؤوف مسؤول مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني بالقاهرة، وضيوف احتفال الكرد بعيد النوروز الذي يحل في 21 من مارس كل عام، والذي ضم عدد من السفراء والكتاب والصحافيين والمهتمين بقضايا العرب والكرد.
وقف رؤف في وسط الحفل ليقول إن الكرد لديهم علاقة إيجابية مع شهر آذار/ مارس، ففيه يحتفل الكرد في كل مكان في العالم بعيد النوروز لكنه أيضا شهر المذابح التي كان الكرد ضحايها بداية من كردستان العراق لمناطق الكرد في تركيا وسوريا وإيران كلها شهدت وقائع مأساوية في شهر مارس/ آذار.
في البداية كانت الرسمية تغلف المكان على الرغم من كونه احتفالا، البعض استغل أجواء النيل الساحرة التقاط صورا مع معارفه، أو ربما أدار حوار خاصا لا يتعلق بالحدث مع أحد أصدقائه، لكن بحلول العاشرة مساءً كانت الموسيقى الكردية قد أزالت كل غربة في نفوس الحضور، لتحقق مقولة الفنان المغربي الشهير جمال بن حدو الذي يؤكد في مقال سابق له أن الموسيقى هي أخطر ما اخترعه الإنسان على الإطلاق”.
خطورة هذا الاختراع العجيب تتمثل في سحر النغم الذي يلمس الأرواح، ويعبر الثقافات ليكون أفضل وسيلة للتواصل، فما أن بدأت مكبرات الصوت تبث على أسماع الحضور أغاني أعياد النوروز حتى بدأ الجميع في التفاعل.
في حلقة دائرية تشكلت عشوائيا ودون ترتيب من أحد بدأ رواد الحفل يتراصون جبنا إل جنب للتمايل وأداء الرقصات التقليدية الكردية، بخفة سألت أحدهم هل أنت كردي رد بلسان صعيدي فصيح: «أنا من سوهاج» للتأكد حينها وجهة نظر الباحثون العالميون الثلاثة “دوروتي ميل ورايموند ماكدونالد ودافيد هاركريفس” والذين خلصوا إلى تعريف الموسيقى، في كتابهم المشترك “التواصل الموسيقي” بأنها “شكل من أشكال التواصل والاتصال بين الأفراد ومن أجل الأفراد، فهي تعطي فرصة للتعبير من خلال الكلمة والآلات الموسيقية”.
وخلال الحفل تحدثت الدكتورة ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بمصر، مؤكدة أن احتفالات النيروز تمثل بداية جديدة، حيث يحمل الربيع موجات تفائل جديدة ويبعث الفرحة في نفوس البشر، ويدعوهم للتفاعل بإيجابية مع الطبيعة.
وأضافت أن النوروز هو دعوة جادة للعمل والتقدم، وأن احتفالات الشعوب بهذا اليوم له دلالة كبيرة، إذ تشير إلى رفض الاتكالية والكسل، والبدء في عام جديد مفعم بالحيوية والفرح، تتفاعل فيه الطبيعة مع الإنسان.
وعادة يحتفل معظم سكان الشرق بيوم النوروز، لكنه يوم مميز بالنسبة للشعوب الكردية، التي تعبره يوما وطنيا أكثر منه حدثا ثقافيا أو إرثا تاريخيا، وبهذه المناسبة احتفلت جميع المؤسسات الكردية في الداخل والخارج.
ومن جهته قال ديوان الرئاسة المشتركة لمؤتمر الشعب (KONGRA – GEL) في بيان صادر عنه: “”نبارك نوروز هذا العام بدايةً للقائد آبو ولكافة الرفاق على جبال كردستان والمقاومون في السجون ولشعبنا في أجزاء كردستان الأربعة وفي خارج الوطن ولشعوب الشرق الأوسط وأصدقاء الشعب الكردستاني، بهذه المناسبة نستذكر كاوا العصر مظلوم دوغان وزكية ورهشان وروناهي وبيريفان وسما وكافة شهداء نوروز بكل تقدير واحترام”.
وأضاف: ” إن نوروز هو اليوم الأول لبدء مسيرة نضال حرية كردستان، حيث بدأ القائد آبو قبل 49 عاماً أي في نوروز 1973 بمجموعة من رفاقه بمسيرة الحرية هذه، وبنوروز هذا العام، سوف ندخل العام الخمسون لمسيرة القائد على طريق حرية الشعب الكردستاني.
وتابع: “مسيرة الحرية التي بدأت في نوروز 1973، أوقد شعلتها كاوا العصر مظلوم دوغان، وبنار زكية ورهشان وروناهي وبيريفان وسما تم تأجيج نار نوروز، الشبيبة والشابات الكرد قدموا تضحيات كبيرة من أجل حرية شعبنا، على هذا الأساس اصبحت نوروز، نوروز المقاومة، نوروز الحرية والنصر، بنار شهداء نوروز، أصبحت نوروز رمزاً للمقاومة وحرية شعوب كردستان”.
وفي الاتجاه ذاته أصدر مجلس سوريا الديمقراطية بياناً إلى الرأي العام بمناسبة عيد نوروز، جاء فيه: “تحتفل معظم شعوب المنطقة بعيد النوروز الذي يعني اليوم الجديد. وعلى الرغم من أن رؤية كل شعب وقناعته تختلف عن الآخر إنْ كانت بمدلولات قومية أو دينية أو متعلقة بالطبيعة إلا أنها تجمع على أن قيم نوروز تعني النهوض والحرية والانبعاث، وتؤكد مجملها على قيم الخير والمساواة والعطاء. ويأتي الكرد في مقدمة هذه الشعوب المحتفلة بنوروز منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام”.
تابع البيان “نبارك عيد نوروز على عموم الكرد في سوريا والمنطقة والعالم، ونؤكد أن القضية الكردية قضية وطنية يجب حلها وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن وحدة البلاد وسلامة ترابها، وأن أحد أهم عوامل استقرار المنطقة وحل أزماتها في مقدمتها الأزمة السورية التي دخلت عامها الحادي عشر هو إيجاد حل عادل للقضية الكردية على اعتبارها جزء أساسي من القضية الديمقراطية السورية، ومعيار حاسم للتحول والتغيير الديمقراطي السوري وحل أزمتها، محققاً حكماً ديمقراطياً لا طائفياً لدولة لا مركزية تعددية”.
أضاف البيان “إن التنصل من حل هذه القضية ليس أنه لا يخدم أية جهة وحسب؛ إنما يخسر من خلاله جميع مكونات شعب سوريا القومية والدينية، وإذا تنكّر المنتدبون قسراً على شعوب منطقتنا قبل مئة عام، حقوق الشعب الكردي وأنكروا عليه قضيته وحقوقه الطبيعية والمشتركة المتداخلة وقضايا الشعوب الأصيلة الأخرى في الشرق الأوسط؛ فإن الوقت حان كي تقول القوى الوطنية الديمقراطية السورية كلمتها العادلة في هذا القضية وغيرها من القضايا.
كما يتوجه مسد إلى عموم السوريين أن يكون عيد نوروز عيداً وطنياً رسمياً في سوريا، وأن يُعاد الاحتفال بعيد الأم كما كان معروفاً بالنسبة للجميع في الـ 13 من أيار؛ بعد أن حوِّر بشكل مخالف وتم إقحامه بموجب المرسوم 104 عام 1988. متمنياً أن يكون نوروز العام القادم نهاية للألم السوري وبداية سلام مستدام في سوريا والمنطقة والعالم.
نقلا عن مركز العرب للدراسات