الخميس 17 يوليو 2025
القاهرة °C

تأثير تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل على الاقتصاد المصري

الحدث – القاهرة

بقلم: د. سعيد حسانين الشنبارى

حين حدوث التشابكات  المتزايدة بين إيران وإسرائيل وجدنافرحة حماسية غامرة تسود الوطن العربى لم يشهدها منذ الحرب بين مصر وإسرائيل فى السادس من أكتوبر عام 1973م .

فرحه تحمل فى طياتها رغبة فى رد الأوجـاع التى أصابت أخواننا فى فلسطين خلال الفترات السابقة من العدوان الأسرائيلى الغاشم ، وخاصةً بعد هجوم الكرامة الذى نفذهشعب فلسطين العظيم فى السابع من أكتوبر عام 2023 م ،وما تلاه من تصعيد غير مسبوق، كان أشبه بحلم قديم عاد ليوقظ أملاً كان نائمًا.

فهى الحرب الخامسة منذ عام 2008 في الصراع المستمر بين غزة وإسرائيل، لكنها في عمقها وتداعياتها وحجمها كانت الأعنف والأكثر تأثيرًا منذ نصف قرن، وبينما كانت القلوب تلهج بالدعاء لأهلنا في فلسطين، جاء الدخول الإيراني على خط المواجهة ليربك موازين القوى، ويجدد الأمل في الوطن العربى بالثأر لإخواننا فى فلسطين ، ويمنح الأمة العربية لحظة نادرة من الإحساس بأن الوجع الذي حملته غزة طويلاً لم يكن عبثًا، وأن هناك من يحاول أن يرد الضربة بعنف وقوة مهما كانت الخلفيات والدوافع . ، ورغم أن الصراع بين إيران وإسرائيل قد خَفَت حدته مؤخرًا نجد أن من أبرز ما عكسته التصريحات السياسية تصريح ترامب حول هدنة غير معلنةلمدة 60 يوماً  توحي بنوع من الهدوء المؤقت، ولكن الواقع يؤكد أننا بصدد دخول مرحلة جديدة من التوترات غير التقليدية، وأشبه بحرب باردة مستترة، ولكنها مليئة بالتأثيرات العميقةخصوصاً في محيطنا الإقليمي، وهنا يظهر السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف سيتأثر الاقتصاد المصري بهذه المعادلة الجيوسياسية المتغيرة؟

الاقتصاد المصري كغيره من اقتصادات المنطقة لا يعمل في معزل عن التفاعلات السياسية والأمنية المحيطة فمع كل تصاعد في التوتر الإقليمي تتأثر أسعار النفط والغاز، ويعاد رسم خطوط الملاحة، وتتعطل بعض مصادر التدفقات النقدية الخارجية، وبينما تعتمد مصر جزئياً على استيراد المواد البترولية، فإن أي ارتفاع في أسعار الطاقة عالميًا يُلقي بثقله على الموازنة العامة ، ويضغط على فاتورة الدعم  مما ينعكس بشكل غير مباشرعلى حياة المواطن المصري هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قناة السويس التي تُعد شريانًا اقتصادياً مهماً لمصر قد تواجه تحديات مؤقتة نتيجة لتحول بعض خطوط الشحن أو تباطؤ حركة السفن خشية التوترات الممتدة في الخليج العربي والبحر الأحمرمما يؤدى إلى حدوث تراجع في إيرادات العملة الأجنبية .

ويظل من أبرز الآثار كذلك ما يمكن وصفه بحالة الترقب والقلق التي تسود أوساط المستثمرين الدوليين، حيث يفضّلون في مثل هذه الأجواء الانتظار والتريث في اتخاذ قرارات استثمارية جديدة، الأمر الذي يؤثر على تدفق رؤوس الأموال، ويزيد من صعوبة تحسين مناخ الأعمال في الدول التي تطمح إلى تعزيز مكانتها كوجهة آمنة، وفي هذا السياق تأتي التحويلات المالية للمصريين العاملين بالخارج كإحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني،ومع تنامي القلق في بعض دول الخليج قد تظهر آثار غير مباشرة على تدفق هذه التحويلات، ولو بشكل نسبي .

ورغم هذه الصورة التي قد تبدو ضبابية للبعض، فإن الواقع يحمل أيضًا فرصاً ثمينة لمن يحسن قراءتها فمصر بتاريخها وموقعها الجغرافي ودورها المحوري تملك القدرة على تقديم نفسها كلاعب توازني قادر على احتواء التوترات، والمساهمة في الاستقرار، وهو ما يعزز من صورتها كطرف جدير بالثقة على المستويين السياسي والاقتصادي، وكما أن تزايد الحاجة الإقليمية لمسارات لوجستية بديلة أكثر أماناً يُمكن أن يُعيد رسم دور مصر كمحور عبور وتجميع وتصدير في قلب الشرق الأوسط .

تُظهر هذه التحولات المتسارعة أن مصر لكي تحمي اقتصادها وتُحصّنه تحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتها ليس فقط على مستوى الخطط المالية بل على مستوى بنية الاقتصاد ذاتهعبر تعميق الاعتماد على الإنتاج المحلي وزيادة معدلاته ، وتقليل الفجوات الاستيرادية، وبناء شراكات مرنة مع قوى اقتصادية ناشئة تستطيع أن تضمن التوازن في علاقاتها الدولية.

فالعالم لن يعود إلى ما قبل أكتوبر 2023، ولا إلى ما قبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية، بل سيدخل مرحلة جديدة من التفاعل المفتوح على كل الاحتمالات، ووسط ذلك كله، ستبقى الدول القادرة على المناورة الذكية، والتحرك المتوازن، وصناعة الفرص من قلب التحديات هي الدول التي تكتب مستقبلها بيدها لا بيد الآخرين .

وهنا تحديدًا، لا يكون السؤال: “ماذا سيحدث لنا؟”، بل “ماذا سنفعل نحن؟” لأن اللحظة التاريخية لا تنتظر من يكتفي بالمراقبة، بل تصنع مجدها بمن يملك الإرادة والعقل والرؤية السديدة الممزوجة بالعمل الجاد ، وكما أوضحت فى مقالى السابق كيف ترى الاقتصاد فى المستقبل؟ ” ، فإننا لا نستطيع أن ننهض ببلادنا ونحن ننظر إليها من شرفات المنازلأو عبر شاشات التواصل الاجتماعى ؛ بل علينا الانخراط الفعلى فى كافة المجالات لزيادة الإنتاجية ومعدلات النمو الاقتصادى .

فمصر بأبنائها العاملين أن أرادت فبوسعها أن تكون لا مجرد شاهد على الحدث… بل صانعًا له من أجـل مستقبل أفضل يُعيد الأمجاد المصرية .

الدكتور / سعـيد حسانين الشنبارى

الباحث والخبير الاقتصادى وعضو هيئة تدريس

وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع

to top