يبدو ومن خلال الحراك السياسي والديبلوماسي -وقبلها العسكري- لتركيا وحكومة العدالة والتنمية، بانها تعاني حقاً من فوبيا كردية وبالأخص من حزب العمال الكردستاني بحيث يمكن اشتقاق مصطلح “الفوبيا الكردية أو الكردستانية” لتركيا، كون الأخيرة بدأت تضع كل اللوم وفي أي قضية على عاتق الكرد والكردستاني أكثر، فها هو الوزير التركي للشؤون الخارجية يقع في الفخ نفسه وذلك لخلاف بالرأي والموقف مع نظيرته السويدية في مؤتمرهما الصحفي المشترك حيث نقل موقع خبر24 بأن قد (عقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو , مؤتمرا صحفيا مشتركا مع وزيرة الخارجية السويدية ’’ آن ليندي ’’. وخلال الاجتماع حذرت الأخيرة تركيا للانسحاب من سوريا)، موضحاً أكثر (وقالت ليندي , أن السويد تحذر تركيا بضرورة الانسحاب من سوريا , مما أزعج جاويش أوغلو ، ورد عليها بأسلوب غير ديبلوماسي) وبحسب الخبر فإن جاويش أوغلو رد متسائلاً , (بأي سلطة تحذر تركيا وتطالبها بالانسحاب من سوريا. وأضاف ’’ هناك بعض التعبيرات التي يستخدمها نظيرتي ، ولا بد لي من الإجابة عليها , على سبيل المثال ، نحذر تركيا بالانسحاب من سوريا. استخدام كلمة “حث” في الدبلوماسية هو اسلوب النظرة الفوقية , وهذا ليست مقارنة صحيحة , هذه الكلمة خاطئة’’).
والوزير التركي لم يقف عند هذه المعاتبة القاسية للسويد وحكومتها من خلال رده الغير ديبلوماسي على نظيرته السويدية، بل أَضاف أيضاً وبحسب المصدر السابق؛ (هل أعطى النظام في سوريا هذه الصلاحية للسويد أو الاتحاد الأوروبي؟ لماذا تدعم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب؟) ولم يكتفي “سيادتو” عند هذه، بل إدعا بأنهم يدعمون وحدة الاراضي السورية ويعلنونه حيث قال: (’’في كل اجتماع ، نؤكد شيئًا واحدًا في جميع النصوص حول إدلب التي ظهرت في اجتماعات سوتشي أستانا جنيف: وحدة أراضي سوريا. لا نريد تقسيم سوريا’’. وتابع ’’ لكنكم لتقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني الذي يريد تقسيم سوريا تطلبون من تركيا الانسحاب من سوريا . هل مثل هذا الشيء موجود في القانون الدولي؟’’. وأضاف ’’ تحذرون باسم من ولماذا تقولون الانسحاب من تلك المناطق؟ إذا ميزنا بين إخواننا الأكراد والإرهابيين ، فإن وجهات نظرنا يمكن أن تتقارب بشأن القضايا التي نختلف عليها’’). طبعاً لو دققنا في تعابير وجه أوغلو قبل التدقيق في تعابيره اللفظية، لعرفنا كم كان محنوقاً وغاضباً على الوزيرة السويدية ولولا بعض العرف الديبلوماسي الباقي لدى تركيا، لربما أستخدم (أخونا) الطريقة العثمانية الإخوانية في “تأديب” الوزيرة “الحرمة” بشد شعرها وضربها ضرباً مبرحاً!
المهم ذاك ليس موضوعنا لنخوض فيه وما كان يدور في خلد الوزير التركي، بل ما يهمنا تلك العقدة النفسية والسلوكية لتركيا وحكوماتها المتتالية والتي سميناها بالعقدة الكردية ومؤخراً الكردستانية نسبةً للعمال الكردستاني، طبعاً هي تعاني من عقدة وفوبيا شعوبية قديمة قدم الخلافة العثمانية التي تأسست بدايةً على تلك الفكرة ومن يعود لنهايات الخلافة العباسية سوف يدرك تلك الحقيقة حيث بدأت الشعوبية وقد قلت في دراسة مطولة عن التجربة الأيوبية ورائدها ومؤسسها صلاح الدين الأيوبي؛ بأن لو نجحت تلك التجربة وأستمرت ثمانمائة عام -منذ تأسيسها لليوم- بدل الخلافة العثمانية التي تلتها لمدة تزيد عن خمسة قرون وهي تتحكم برقاب شعوب المنطقة وجغرافياتها، لكانت الدولة والخلافة الأيوبية بدل الخلافة العثمانية ولكانت كردستان اليوم بدل تركيا الحالية ولكن وللأسف ولأسباب عدة ذكرتها بكتابي عن التجربة، فإنها لم تستمر وجاءت الخلافة العثمانية لنبتلي بها وبعدها بتركيا الكمالية التي تأسست على فكر عنصري بغيض رافض لكل التنوع الثقافي اللغوي والاثني في الجغرافيا التي أدعوا؛ بأنها تركية وبأن يجب أن تكون دولتهم قائمة على فكر “شعب واحد، لغة واحدة ووطن واحد”، بل وبأن “كل من يقول إنه تركي هو سعيد” وهكذا وانطلاقاً من هكذا فكر طوراني لا يقل فاشية عن الفاشية والنازية، بدأت تركيا بإبادة المكونات الأخرى وكانت البداية مع المجازر والمآسي الأرمنية ليأتي الكرد بعدهم وقد كان العرب قد تخلصوا منها بعد مساعدة الغرب لهم بالاستقلال.
طبعاً لسنا هنا لمحاكمة الوزير على تاريخ أجداده العثمانيين ومن بعدهم الطورانيين الكماليين وتحميله كل تبعاتهم مع العلم وبحكم موقعه كوزير لدولة تركيا هو يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية في كل تلك المجازر والمآسي وسيأتي ذاك اليوم الذي تقدم فيها تركيا وحكومتها “دفاتر الحساب” وذلك من خلال فتح هذه القضايا والتي لا تتساقط بالتقادم، لكن مصالح الغرب والأمريكان هي التي تجعل تلك اللحظة غير محققة حالياً ومع ذلك فهي قد لا تتأخر كثيراً وذلك لما تقوم بها تركيا حالياً من فتح أبواب كثيرة على نفسها كملفات سوريا والعراق وقبرص واليونان وليبيا وأخيراً ملف آرتساخ أو “ناغورني كرباخ”، لكن كل الخوف أن تقوم تركيا بتحميل كل تلك الملفات ومشكلاتها ومعوقاتها وما تعترضها من صعاب في التقدم بأي منها على عاتق الكرد والعمال الكردستاني وهي فعلاً فعلت أو على الأقل حاولت أن تسوق تلك الكذبة في قضية الصراع الأرميني الأذربيجاني بإدعائها أن العمال الكردستاني أرسل مقاتلين ليقاتلوا إلى جانب أرمينيا مع العلم؛ أن تركيا نفسها كانت تدعي ومنذ سنة، بأن لم يبقى للكردستاني غير 450 مقاتلاً “إرهابياً” وكانت كل فترة تعلن عن (تنحية عدد منهم) ولا نعلم بأن الكريلا يتكاثرون بالولادة ولا الاستنساخ -ربي يزيدهم ويحفظهم جميعاً- لحتى تعلن تركيا خلال تلك الفترة عن “تنحية” أعداد تفوق بكثير عن العدد الذي أعلنوه هم، لا وترسل قوات لأرمينيا أيضاً لتقاتل إلى جانب أخوتهم الأرمن ضد حكومة أذربيجان؟!
لكن وكما قلنا في عنوان المقال وخلال السرد السابق؛ بأن تركيا حقيقةً بدأت تعاني من هذه الفوبيا والتي ستكون سبباً إضافياً، لما ذكرناه ليوم أمس في مقالتي عن “تركيا ومئة مشكلة” بعد مرحلة “صفر مشاكل” في عقدها الأول والذي شهد حالة تنموية كانت جعلت من تركيا مثالاً يريد الكثيرين الاحتذاء بها وأنا شخصياً كتبت عدد من المقالات في تلك الفترة وقلت هناك تجربتان في الشرق يمكن الاحتذاء بهما ديمقراطياً وتنموياً، ألا وهما التجربة الإسرائيلية والتجربة التركية وأضفت وقلت ولكن ولحساسية البلدان العربية من إسرائيل نتيجة صراع طويل، فإن التجربة التركية هي الأقرب لتصبح نموذجاً بديلاً عن ديكتاتوريات المنطقة وحكوماتها العسكريتارية، لكن وللأسف فإنها -أي تركيا- إنحرفت عن ذاك المسار لأسباب سياسية تاريخية عقائدية تتعلق بالإسلام السياسي حول “الحكومة الرشيدة” والولاية والحكم ودور الحاكم وهذه الأخيرة مع أسباب سايكولوجية لشخصية أردوغان وتنشئته كشخص منبوذ مهمش يريد أن يثبت لنفسه قبل الآخرين؛ بأنه قوي وسلطان وذو شخصية ونفوذ بحيث جعلته ينقلب على كل أصدقائه وحتى معلميه هي التي جعلت تركيا وللأسف تنحرف عن مسارها الديمقراطي التنموي المؤسساتي إلى دولة شبيهة بالدول التوتقراطية البطرياركية وهذا ما سيعجل من إنهيارها وإنهيار منظومتها السياسية الحالية، كما يتنبأ بها الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين .. ويبدو أن الفوبيا الكردية والكردستانية ستكون لها دور كبير في إنهيار تركيا وأخيراً وكما يقال المثل؛ “رب ضارة نافعة”.