الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

جائحة كورونا وندوبها

حنان عثمان

 

مثلُ سيلٍ عاتٍ اكتسح وباء كورونا حياة البشر،  فبينما يحصد الأرواح وينهش الأجساد، فأنه في الآن نفسه يصيب مفاصل الاقتصاد العالمي والسياسي والاجتماعي والأمني وسائر المنجزات التي ابتكرتها الحداثة الرأسمالية مند الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

تفشى فيروس كورونا الجديد بعد تراكمات جمة وأزمات كبيرة طرأت على النظم العالمية من كافة النواحي، حيث أثبت سرعة انتشاره مستفيداً من نظام العولمة الذي حول الكرة الأرضية إلى قرية كونية بحيث سهّل انتقال الأشخاص، وهي الحرية التي سهلت بدورها انتشار الوباء من دون حاجة إلى الحصول إلى أي نوع من تأشيرة المرور. حيث أن الوباء بدأ في منطقة معينة من الصين، ثم انتقل خلال أيام إلى باقي أنحاء العالم عابراً البلدان والمحيطات والقارات،

هذه العولمة التي كانت تخدم الأنظمة الرأسمالية الدولية والتي كانت توظفها في خدمة مآرب مخططات التي تصب في خدمة الربح الأعظم، وذلك على حساب مصالح الشعوب والبيئة. والمفارقة في هذا الوباء أنه وبوسيلة نفس العولمة انتشر وانتقل مزيلاً كافة الفروقات الطبقية والقومية والجنسية، معتمداً على مبدأ المساواة في توزيعه، حيث لا أحد بمنأى عنه لا السلطة والهرمية الطبقية ولا الطبقة الدونية.

جائحة كورونا ستغير الكثير في هذا العالم والكثير من الأمور ستنقلب رأساً على عقب، بدايةً، الوباء كان بمثابة ورقة النعي الرسمية للرأسمالية وعولمتها بسبب انعدام فعاليتها في مواجهة الوباء وخاصةً بعد إخفاق الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية.

الشرق الذي كان منبع الحضارات والثقافات والثورات البشرية العريقة قد تتصدر مرة أخرى ريادة العالم، حيث المجتمعات الشرقية أبدت دوراً أجدر بالتقدير والاحترام وقامت بأداء أفضل في التعامل مع هذا الوباء. رغم أن البلدان الأكثر تضرراً من الجائحة هي ضمن المجموعة التي تتمتع باقتصاد قوي ومؤسسات علمية ونظام خدماتي طبي متطور.

العولمة الاقتصادية في انهيار كبير، تهاوي في البورصات العالية وانهيار في أسعار النفط والمعادن، وهذا سيؤدي إلى تبدل في نمط الإنتاج وظهور اضطرابات اجتماعية بسبب البطالة الفقر والتغيرات في التبادل التجاري وشلل في السياحة والسفر والتنقل.

الكوارث عبر التاريخ تكون بداية تغيرات كبيرة، وهذه الجائحة ستغير النظام العالمي، حيث كشفت حقبة كورونا بأننا نحتاج إلى عالم أكثر تضامناً وتكاملاً، عالماً تكون فيه المصالح الشعوب في الصدارة، لأنه لا يمكن للبلدان أن تتطور خلف أبواب مغلقة، وقد أثبتت الحقيقة أنه عندما تأتي التحديات العالمية، من المستحيل على دولة واحدة أن تسلم منها بمفردها. لذا أصبح تعزيز التنسيق والتعاون بين الدول وتحسين نظام التكامل الإقليمي والعالمي مطلباً لا مفر منه وحلاً وحيداً. لأن السلطات تعاملوا مع الأزمة إلى حد كبير على أساس وطني ضيق بينما آثار الفايروس لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود.

to top