الحدث – وكالات
– سياسة جو بايدن تجاه الكرد حتى الآن ليست مستقرة، فيما تطالب كل من موسكو ودمشق بانسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا؛ وفي ظل معرفتنا بوجود حزب العمال الكردستاني هناك، هل تعتبرون أنفسكم ضمن القوات المعنية بنداء الانسحاب؟ هل ستنسحبون من سوريا؟
– المطالبة بانسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا هو مطلب عادل، ونعتقد أن هذا سيحدث بمرور الوقت؛ تركيا هي أكبر قوة احتلال أجنبية وقد احتلت مناطق كثيرة، فهي عندما ترى الوضع مناسباً يمكن أن تقوم باحتلال بعض المناطق وضمها كما فعلت في هاتاي (لواء اسكندرون) سابقاً.
في القتال ضد “داعش” أرسلنا بعض قواتنا العسكرية في تركيا إلى كوباني (عين العرب). كما عبر مئات، بل آلاف الشبّان السياج الحدودي من شمال كردستان وتركيا إلى روج آفا؛ لقد لعبوا دوراً هاماً في هزيمة داعش، وسقط الآلاف ما بين شهيد وجريح؛ بعد هزيمة داعش، سحبنا قوتنا العسكرية باستثناء من أراد البقاء هناك طوعاً، هي أيضاً وطن الكرد وأرضهم، هم يقيمون في المدن الكردية ويشاركون في مهمة الحماية والدفاع، لا يمكننا سحبهم بالقوة؛ نحن سحبنا قواتنا وطلبنا منهم العودة…. و إذا كنت تسألني عما إن كنا سوف نسحب هؤلاء بالقوة..! فدعني أقل لك: لسنا في موقع يمكننا من إصدار الأوامر والتعليمات لهم، لديهم إرادتهم، وذلك قرارهم الشخصي.
– يوصف حزب العمال الكردستاني بأنه حزب ماركسي، لكنه في المقابل شهد تغيراً في أيديولوجيته من المطالبة بحقوق الشعب الكردي إلى الحديث عن “أخوة الشعوب وديمقراطيتها”، كما أن مصير الحزب نفسه في سوريا اليوم مرتبط ارتباطاً كبيراً بوجود القوات الأمريكية هناك. كيف يمكنكم تفسير ذلك؟
– صحيح أن حزب العمال الكردستاني نشأ كحزب ماركسي، ولكن القائد عبدالله أوجلان كان لديه انتقادات للاشتراكية المشيّدة حتى قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي؛ وازدادت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، حيث كثف القائد من هذه الانتقادات في المؤتمر الرابع عام 1990 وشدد على أن الأخطاء في بعض التقييمات الأيديولوجية والنظرية وأفكار ماركس و انجلز و لينين لعبت أيضاً دوراً في انهيار الاشتراكية المشيّدة…. خلال سنوات الأسر، ركز القائد على تأطير هذه الأطروحات في نموذج شامل وإطار أيديولوجي ونظري؛ ومما لا شك فيه أن ماركس و أنجلز و لينين قدموا مساهمات هامة في إنشاء أيديولوجية ونظرية الاشتراكية، فأطروحاتهم كانت مهمة لوصول القائد عبدالله أوجلان إلى نهج اشتراكي- ديمقراطي أكثر نضجاً وتأهيلاً اليوم؛ ولكن القائد عبدالله أوجلان سبقهم في بعض الجوانب، انتقد اطروحاتهم الأيديولوجية والنظرية الخاطئة وتمسّك بالصحيحة منها….. في هذا الصدد، فإن تعريف القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني كـ”ماركسيين” لا يعبّر عن الواقع، إذا كان لا بد من وضع تعريف أو تسمية، فإن التعبير الأكثر واقعية ودقة هو “آبوييزم”.
يتناول القائد عبد الله أوجلان مسألة الدولة والاشتراكية كـ “متضادين”، لقد ظهرت الدولة في التاريخ كأداة سلطة للحكام؛ يجب الآن إنشاء حكومات ديمقراطية ضد الجنسوية، حيث يشدد القائد على أن حرية المرأة ستخلق نتائج تاريخية أكثر أهمية من الحرية الوطنية والطبقية، وما يقوله في الإيكولوجية (علم البيئة) مهم أيضاً.
ويعتقد القائد أن أفضل طريقة لتحقيق حرية الكرد هي نشر الديمقراطية وتعميمها في تركيا وإيران والعراق وسوريا؛ ويتناول ذلك مع فهم أطروحة الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب…. في هذا الصدد، تناول نهجاً لا يدعو إلى تراجع الكرد عن قضيتهم المحقّة، ولكنه لا يعتبر أن السبيل الذي يمكّن الكرد من الحصول على حقوقهم، هو في إطار الدولة القومية.
الحل الذي نقترحه ونجده صحيحاً في سوريا ليس وجود الولايات المتحدة، بل يعتمد على مصالحة الإدارة الذاتية مع دمشق، يمثل وجود الإدارة الذاتية ونهجها السياسي ومقترحاتها القاسم المشترك الوحيد في سوريا، لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا بالإصرار على الماضي أو بمقاربة المرتزقة المدعومين من تركيا والقوى الواقعة تحت نفوذها… المصالحة بين دمشق والإدارة الذاتية سيكون حلاً يقبله جميع السوريين.
– صرّحتم سابقاً استعدادكم لقبول الولايات المتحدة طرفاً ثالثاً وسيطاً بينكم و تركيا؛ هل هذا الطرح ما زال قائماً بعد أن أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية اسمكم إلى جانب القياديين في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان و دوران كالكان على لائحة المطلوبين الأمريكيين مقابل جوائز مالية؟
– للولايات المتحدة الأمريكية علاقات جيدة مع تركيا ولها تأثير عليها، وإذا أرادت ذلك، يمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً في إيجاد حل….. في هذا الصدد، فإن اقتراح الوساطة الذي قدمناه إلى الولايات المتحدة ما زال قائماً، وعندما تتولى الولايات المتحدة دور وساطة، فهذا يعني أنها غيرت من أفكارها السائدة حتى اليوم بشأن حزب العمال الكردستاني، كما أنها حين تصبح وسيطاً فإن قرارها المتخذ بشأننا يصبح لا معنى له، لأنها ستعمل كوسيط بين تركيا وقياديي حزبنا بمن فيهم أنا والرفيقان الاثنان، كما يمكنها أيضاً التوسط مباشرة بين القائد عبدالله أوجلان وتركيا….. هناك قول مأثور يقول: ما يهم هو أكل العنب وليس ضرب الناطور؛ كما أننا نطالب دائماً الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم بالاعتذار، كونها الدولة التي لعبت دوراً رئيسياً في أسر قائدنا؛ ويمكنها أن تقدم اعتذارها من خلال المساهمة في حل القضية الكردية، وهذا سيكون أفضل.
– ما هو مصير شرق الفرات في سوريا وفق رؤيتكم؟ ما هي مطالب حزب العمال الكردستاني هناك؟
– حزب العمال الكردستاني مع وحدة سوريا، ومنح الكرد إدارة ذاتية ديمقراطية في مناطق تواجدهم؛ فالديمقراطية المحلية والإدارة الذاتية يُمكِّنُهما من حل المشكلة بقبول التعليم باللغة الأم للكرد وحرية الفكر والتنظيم، مع بقاء الدفاع والدبلوماسية والاقتصاد العام ضمن صلاحيات الإدارة السورية العامة…. فإذا حصلت الإدارة الذاتية على اللغة والثقافة والتعليم والصحة والخدمات البلدية والأمن الداخلي، فهذا لن يضعف سوريا، بل على العكس سوف يقويها….. سوريا الديمقراطية، حيث يعبّر العرب والكرد والآشوريون والأرمن والعلويون والسنّة والدروز وجميع الشعوب والمعتقدات فيها عن أنفسهم، ستكون مثالاً يحتذى به في كامل الشرق الأوسط، كما يجب علينا أن ندرك أن التاريخ السوري وواقعه الاجتماعي يتمتعان بالمزايا والإمكانات التي تسمح لسوريا بلعب مثل هذا الدور.
كما نؤمن أيضاً بأن التحالف العربي- الكردي في سوريا سيطلق حقبة تاريخية جديدة لكل العرب والكرد، وهذه التجربة اختمرت في سوريا ومن الضروري حماية التحالف العربي- الكردي بعناية وتعميمه، حيث سيخرج كل من العرب والكرد بقوّة أكبر من هذه التجربة.
– ماذا سيكون موقفكم إذا أعلنت تركيا العودة إلى مسار عملية السلام في المستقبل القريب؟ ما هو المصير الذي سوف تطالبون به للكرد في تركيا؟
– حتى الآن لم تدخل تركيا في عملية حوار حقيقي، استفادت حكومة حزب “العدالة والتنمية” من جو اللا صراع واتّبعت سياسة الإلهاء من أجل الحفاظ على قوتها وتعزيزها… لقد بذلنا أيضاً جهداً لإعداد الرأي العام وإدخال حكومة حزب العدالة والتنمية والدولة في عملية الحل، ومع ذلك، لم تكن جهودنا كافية لحمل حكومة حزب العدالة والتنمية والدولة على اتخاذ خطوة نحو الحل. عندما رأوا أن الشعب الكردي يزداد قوة من نواحٍ كثيرة، أعدّوا خطة لإفشال الحل وتحولوا نحو الهجوم، والآن هم يركّزون بالكامل على تصفية الحركة التحررية، حيث يؤمنون بأنهم لا يستطيعون الاحتفاظ بقوتهم دون الحرب. لهذا السبب، لا يوقف حزب العدالة والتنمية هذه الحرب، ولا يدخل في أي عملية حوار…. طبعاً إذا قالوا: سوف نوقف الحرب و نطلق سراح السجناء السياسيين و نسعى إلى حل القضية بالحوار وسوف نعرض الموضوع على البرلمان من أجل الحل؛ حينها سيكون ردنا إيجابياً.
نحن لا نهدف إلى حل القضية الكردية على شكل دولة أو دويلة؛ فقد قدم القائد عبدالله أوجلان مراراً وتكراراً خارطة طريق لـ الإدارة الذاتية الديمقراطية، واقترح صيغة حل الدولة + الديمقراطية…. فالدولة يمكن أن تتواجد في مناطق كردستان أيضاً، ولكنها يتوجب عليها الاعتراف بالديمقراطية والإدارة الذاتية الدمقراطية للشعب الكردي…عليها ضمان وجود الكرد دستورياً والاعتراف بالإدارة الذاتية على أساس حرية اللغة والثقافة والهوية، وأن نتفق على حل يقضي على المخاوف بشأن وحدة أراضي تركيا ووحدتها السياسية… ولن يكون من الصعب علينا أن نتصالح مع تركيا في طريق التحوّل الديمقراطي.
– يتم الحديث بين الحين والآخر عن صراع يعيشه الحزب بين كوادر يسارية وأخرى ليبرالية موالية للغرب والولايات المتحدة، كما يتم الحديث عن خلافات جدية بين أعضاء اللجنة القيادية العليا للحزب، ما سبب هذه الخلافات؟ وما مدى عمقها أو خطورتها على بنية الحزب واستمراريته؟
– مصدر هذه الأخبار هو الدولة التركية… في حركة سياسية تتّبع نهج القائد عبدالله أوجلان، لا مجال لإسكات الأصوات ذات الآراء المختلفة. لا شك في أن هناك خطاً أيديولوجياً وسياسياً. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، يمكن أن تظهر آراء مختلفة بشأن قضايا مختلفة. لسنا في صدد حكم روج آفا. وجود وجهات نظر مختلفة حول بعض القضايا العملية داخل الإدارة في روج آفا لا يعني أن هناك مشكلة في ما بينهم. لا نعتقد أنه سيتم الدفاع عن وجهة نظر أيديولوجية وسياسية بخلاف الخط الأيديولوجي السياسي للقائد عبدالله أوجلان في روج آفا. شعب روج آفا برجاله ونسائه يدينون بالإخلاص للقائد عبدالله أوجلان، وهذا التفاني والقوة من شأنها تقويم أية نزعة خاطئة، وعلى الرغم من وجود اتجاهات خاطئة لدى بعض كوادر روج آفا، إلا أنه لا يمكن أن يؤثر ذلك في الجمهور العام ويتحول إلى وجهة نظر سياسية عامة، فنحن لا نعتبر بعض الأفكار المختلفة ضارة، لأنه إذا امتلك الجميع رأياً واحداً، فلن يكون هناك تطور للفكر ولا للسياسة، فوجود آراء مختلفة حول مختلف القضايا في روج آفا هو شأن داخلي؛ وبالعموم لا يبدو لنا وجود اختلافات في الرأي على مستوىً يمكن أن يؤدي إلى مشكلات خطيرة.
تُشّكِل اللجنة التنفيذية لحزب “العمال الكردستاني” والمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني “KCK” وإدارات حزب “الحياة الحرة الكردستاني” ومنظومة المرأة الكردستانية (PAJK-KJK) وإدارة الشباب والمقر المركزي للدفاع الشعبي (NPG) قوتنا الإدارية ككل؛ وكل هذه المؤسسات التنظيمية لديها مسؤوليات، وكل هيكل تنظيمي يعقد اجتماعاته؛ يتخذون القرارات وفقاً لمناطق نشاطهم، وتُتّخذ القرارات السياسية وتُنفّذ من إدارات اتحاد التجمعات الكردية. تُناقش وجهات النظر المختلفة في الاجتماعات، وتقوم جميع هياكلنا التنظيمية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في النهاية. لا نقول إنه لا ينبغي أن تكون هناك آراء مختلفة في مرحلة تنفيذ الخط الأيديولوجي- السياسي. يتم التعبير عن كل رأي بأريحية في الاجتماعات، ويتم التوصل إلى قرار مشترك….على أي حال، لو أن هناك فعلاً اختلافاً في الرأي حول الخط الأيديولوجي- السياسي، فكان لا بد أن ينعكس ذلك على حركتنا وهو ما لم يحصل أبداً؛ حيث يلتزم كل رفيق بالخط السياسي الأيديولوجي للقائد عبدالله أوجلان…. في الوثائق التي أعدها القائد عبدالله أوجلان خلال 23 عاماً، كان الخط الأيديولوجي السياسي واضحا جداً؛ فالقوى الأجنبية وكذلك تركيا تودّان بشدة رؤية الاختلاف والخلاف داخل حزب العمال الكردستاني؛ ولكن حزب العمال الكردستاني لديه خبرة إدارية تقارب الـ 50 عاماً وتمتلك القوة والإرادة لإدارة وحل كل أنواع المشكلات.
– أدت سياسات سلطة العدالة والتنمية الحاكمة في تركيا في العقد الأخير إلى خلق عداوات بين أنقرة وعدد من العواصم العربية التي كانت تعرف سابقاً بموقفها الرافض لحزب العمال الكردستاني. هل استطاع الحزب استغلال هذه الفجوة في بناء علاقات أكثر دفئاً بهذه العواصم؟
– وضعنا نصب أعيننا تحقيق التحالف العربي- الكردي وأكدنا ذلك في كل فرصة، كما نقلنا وجهة نظرنا هذه إلى فعالياتنا الدبلوماسية والوحدات ذات الصلة؛ حدثت بعض التطورات، لكنها لم تبلغ مستوى متوافقاً مع الفرص؛ كما أن هناك أساس تاريخي قوي للتحالف الكردي- العربي؛ فالقائد عبدالله أوجلان أنشأ أرضية قوية لذلك خلال إقامته في لبنان وسوريا وروج آفا، لكن هذه الأرضية ظلت في الإطار النظري ولم نستفد منها جيداً… لم تبدِ الدول العربية أهمية كافية للعلاقات والتحالف الكردي- العربي. لقد تحقق ذلك في حل المشكلة الكردية في العراق إلى حد كبير، ونعتقد أن ذلك سيحدث في سوريا أيضاً، وهذه ستصبح الأسس التي ستقوي التحالف الكردي- العربي؛ ونقولها علناً بأنه ليست لدينا أجندة خفية غير الحل الديمقراطي للقضية الكردية، ولا نجده صحيحاً البحث عن “دولة” والتي تعتبر أساس خلق الصراعات والمشكلات بين الشعوب، في رأينا، أن السعي لتحقيق حياة حرة وديمقراطية، لا يكون في إطار إقامة دولة ورسم الحدود.
بالطبع، نريد أن تعمل القوى السياسية الكردية بشكل أكثر فاعلية في تطوير الوحدة الكردية- العربية في كل من العراق وسوريا، وعلى الكرد تجاوز المقاربات القومية الضيقة في بغداد ودمشق، لأن أساس التحالف الكردي- العربي موجود بالدرجة الأولى في العراق وسوريا، وهذا من شأنه تغيير وجه الشرق الأوسط.
لقد أظهرت سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، المستمرة منذ 19 عاماً، حقيقة الطموحات التوسعية العثمانية للدولة التركية، وبات الكرد والشعوب العربية يدركون أن القوة التي ستوقف هذه الطموحات التوسعية هي التحالف الكردي- العربي.
المصدر: صحيفة النهارالعربي
يومين مضت