حاجتنا مُلِحة لدستور سوري عصري
لينا بركات
بخلاف دساتير العالم المتمدن كلها التي توجب على رئيس الدولة أن يسهر على سيادة القانون، وتؤكد سيادة الشعب، وتراعي الفصل بين السلطات، وتحمي الدولة وتمكنها التقدم والنهوض والتنمية ووضع الدستور السوري لعام 2012م، ليمنع أي انتقال سياسي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي. لذا كان من أهم أولويات اللجان القانونية التي تعنى بصوغ دستور سوريا المستقبل، بحيث يعتمد على النظام التشاركي أو المختلط، ويوازن بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، وذلك للحيلولة دون الاكتواء بنار هيمنة رئيس الجمهورية وتفرده بالسلطة.
بنود دستور 2012م، تختصر الدولة في شخص الرئيس، حيث يقبض على السلطات الثلاث بيده (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، فهو نظام شمولي فردي يجمع بين النظام الرئاسي والوراثي، ما جعل مؤسسات الدولة المرتبطة بالرئيس معطلة تماماً، ولا دور لها. ولتفكيك هذه المنظومة الدستورية الشمولية في سوريا، من الضرورة أن تكون مبادئ الحكم في سوريا رئاسية، في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية، وبرلمانية في ما يتعلق بالسلطة التشريعية، كما في الدستور الألماني الذي حدد أنه لا يجوز للرئيس الاتحادي أن يكون عضواً في الحكومة التشريعية أو أي هيئة أخرى، وقضاء مستقل تماماً عن السلطة التنفيذية والتشريعية. وعدم ازدواجية المناصب كما أنه ينتخب أعضاء البوندستاغ (مجلس التشريع الاتحادي)، عن طريق انتخابات حرة ومباشرة ومتساوية وسريّة أي من كل فئات الشعب وهنا وضوح تام في الصلاحيات، ولا تحتمل التأويل وتأكيد استقلالية القضاء.
أما في الدستور الفرنسي لعام 1958م، المعدل عام 1962م، رئيس الجمهورية هو حامي القضاء ولا يجوز له إصدار أحكام استثنائية لأكثر من 12 يوم إلا بإذن البرلمان.
وأيضاً القانون الاتحادي والدول ترفع دعوى المحاسبة على الرئيس حيث يخضع رئيس الدولة للمسائلة القضائية أمام المحكمة الدستورية بتهمة الإخلال بالقانون الأساسي لألمانيا أو بأي قانون اتحادي.
لذا نرى أنه من المفيد تقييد صلاحيات الرئيس، تجسيداً لمبدأ فصل السلطات كما في الدساتير الحديثة، ويخضع فيه الرئيس للمحاسبة وعدم إطلاق العنان للسلطة التنفيذية في تنفيذ القرارات وفق هواها. وأن من الضروري أن يُبنى الدستور على أساس وظيفي لجهة رئيس الدولة، فمثلاً في الدستور الإيطالي لا يمكن الجمع بين منصب رئيس الجمهورية وأي منصب آخر، وينتخب الرئيس من السلطة التشريعية وعليه أن يُحترم الدستور والالتزامات الناتجة عن قوانين الاتحاد الأوروبي أو الالتزامات الدولية، ويمنحه فقط تعيين رئيس الحكومة، ولا يجوز الجمع بين رئيس الجمهورية وأي منصب آخر برلماني لجهة التشريع، كما جاء في الدستور السويسري تصدر الجمعية الاتحادية المراسيم الملزمة في صورة قانون اتحادي. وتصدر المراسيم الأخرى في صورة قرار اتحادي، أي يمارس رئيس الجمهورية الصلاحيات المنوطة به، وفق أحكام النظام الرئاسي البرلماني، على أن يجري توزيع السلطات وفق الدستور.
لذلك فإن الدستور السوري الذي نطمح إليه، يجب أن يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وأن تجسد هذه النظرية قوانين ناظمة، كقانون الأحزاب وقانون الصحافة، وقانون انتخابات “دستوريا”، ويجسد ذلك عبر دستور عصري يقيد صلاحيات الرئيس أكثر.