الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

حرب غزة.. استمرار للصراع المرسوم أم شرق أوسط جديد أم حل ديمقراطي  

الحدث – القاهرة

بقلم الباحث السياسي أحمد شيخو

شهدت القضية الفلسطينية العادلة والشرق الأوسط والعالم في يوم السابع من أكتوبر انعطافة كبيرة مؤثرة على مجمل الأحداث والتفاعلات والمعادلات في المنطقة، لما حصل من اختراق وانهيار للهيبة الإسرائيلية ومنظومتها الأمنية والتقنية، وما حصل من حالة اصطفاف وتعبئة وحشد للقوات من جوانب وأطرف مختلفة تحضيراً واستعداداً لحرب محتملة ربما تشمل غالبية دول الشرق الأوسط.

بغض النظر عن وجود مؤامرة أو لا في أحداث ٧ أكتوبر وما حصل في مستوطنات غلاف غزة، والتعامل الإسرائيلي، رغم أن البعض يشبهها بأحداث ١١ أيلول، إلا أننا بالتأكيد أمام حالة ومرحلة جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وبالتالي أمام مشهد إقليمي جديد، ولا بد أن ندرك ونفهم دلالات توقيت الأحداث بعد اجتماع (G20)والحديث عن ممر بايدن الرابط بين الهند وأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، علاوة على تصريح ولي العهد السعودي عن قرب اتفاق السعودية وإسرائيل، وكذلك ما يشكله الشرق الأوسط من مكان استراتيجي ومورد طاقة وطرق هامة لأطراف الصراع في أوكرانيا والمتنافسين على تقاسم الهيمنة في العالم.

وكذلك علينا تحليل تحركات القوى العالمية والإقليمية ومقاربتهم للقضايا المركزية في الشرق الأوسط كالقضية الفلسطينية والقضية الكردية، حيث أن هذه المقاربات كانت ومازالت قائمة على عدم الحل لهذه القضايا واستمرار الصراع لخدمة أجنداتهم السياسية والاستراتيجية وفرض هيمنتهم ونهبهم لشعوب المنطقة ودولها.

ولو نظرنا اليوم للمواقف الدولية والإقليمية فلا نجد أية حلول أو مداخل سليمة للحلول الديمقراطية للقضايا المركزية، رغم بعض المواقف الإيجابية الضعيفة من بعض المنظمات والمؤسسات الدولية والشعبية.

وقفت وتقف شعوب المنطقة والأحرار حول العالم وكذلك الدول العربية مع الشعب الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية، كونهم أشقاء الشعب الفلسطيني وأصحاب القضية والمتضررين من عدم حلها واستمرار الأزمة والحرب فيها، والمواقف التي صدرت وتصدر من الدول العربية المحورية كانت هي الأقوى الأساس والصادقة في التفاعل مع أحداث غزة على المستوى الاستراتيجي، وهي رفض إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، والعمل لتكثيف التواصل مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية لإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين بقطاع غزة.

أما إيران وتركيا، المتربصتين، فنعتقد أنهم يصبون الزيت على النار وينفخون فيه، لأنهم المستفيدون من حالة الصراع واستمرار العنف والقتل والتهجير دون وجود أفق للحل، ولعل رصدنا للمواقف والتصريحات الصادرة من قيادات البلدين وكذلك سلوك وتعامل الدولتين مع القضية الفلسطينية وخاصة أحداث غزة الأخيرة تبين ذلك، فهم يحاولون الاستثمار في معاناة وآلام الشعب الفلسطيني، في توسيع نفوذهم والتدخل في شؤون الدول العربية والتمدد في المجتمعات العربية والإسلامية وامتلاك أوراق ضغط على النظام العالمي والعربي، وكذلك رفع سقف الخطابات والشعارات الرنانة للاستهلاك الداخلي، كما يفعله أردوغان مع قرب الانتخابات البلدية في تركيا. علاوة على الاتفاقات التي تسمح للطيارين الاسرائيليين التدريب في مدينة قونية التركية وفق اتفاقات عام ١٩٩٦، وكما أن الازدواجية والنفاق من صفات وملامح التعامل التركي والإيراني فهم يتدخلون و يحتلون ويقتلون الشعوب الأصلية في سوريا والعراق وتركيا وإيران وليبيا واليمن، كالشعوب العربية والكردية في هذه الدول ويزرفون دموع التماسيح على الشعب فلسطين وسكان غزة، ولكننا نعتقد أن الشعب الفلسطيني يدرك ذلك جيداً فمن يقصف ويبيد الكرد في جنوب شرق تركيا وشمال سوريا وشمال العراق لا يمكن أن يكون صادقاً في مواقفه مع فلسطين وغزة مهما رفع من سقف شعاراته وخطاباته المضللة دون أن يفعل شيء.

من النقاط التي نود الإشارة لها أن حركة النضال والمقاومة الفلسطينية وفروعها المختلفة لأجل حقوق الشعب الفلسطيني، لا بد أن تتجاوز حالة الفرقة وأن تكون على قلب رجل وأمرأة واحدة في ظل هذه الظروف الشديدة وحالة الإبادة الممارسة في غزة وقتل المدنيين الأبرياء، وعلى الأقل أن تكون لها إطار عمل مشترك بالخطوط العريضة وفق مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، أما الاستمرار في وضعية التشرذم وتبعية بعض الأطراف للقوى الإقليمية والعالمية، فلا يفيد سوى إسرائيل وإضعاف جبهة النضال والمقاومة الفلسطينية.

إن المقاربة القوموية والدينوية للقضية و منطق الصراع الصفري تجاه الآخر والحل الدولتي السلطوي المنشود المستمر منذ أكثر من ٧٥ سنة ، كان ولازال له الدور الأساسي في حالة المعاناة والصراع واللاحل، فلا يمكن حل القضية الفلسطينية ولا أية قضية مجتمعية بمنطق الدولة القومية أو الدينية المتبع من قبل طرفي الصراع ورعاتهم الإقليميين والدوليين، بل نستطيع القول أن غالبية صراعات الشرق الأوسط ناتج عن ذهنية وعقلية الدولة القومية بعلمانيتها وديانيتها، والتي تم ضخها للمنطقة وداخل شعوبها وثقافتهم من قبل نظام الهيمنة الرأسمالي العالمي منذ بديات القرن العشرين لتفكك المنطقة وإضعاف إرادة ووحدة شعوبها وجبهتها الداخلية أمام التحديات المختلفة.

وعليه، نعتقد أنه كما أشارت الدولة العربية وشعوبها والأحرار حول العالم أننا مع حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، وفق منطق وعقلية علمية ديمقراطية، تتجاوز مفاهيم الدولة القومية والانتقام والقتل والعنف والإبادة، بل وقف الحرب فوراً وعدم استعمال الشدة تجاه المدنيين من أي طرف والبحث عن الحلول السياسية السلمية، وإدخال المساعدات للمحتاجين والمدنيين في قطاع غزة، والبحث عن حلول شاملة وكاملة، تتضمن التشارك والتعاون والحلول الديمقراطية بين الفلسطينيين واليهود أصحاب الأرض الحقيقيين، وليس الوافدين، بما يضمن حق كل مجتمع في إدارة وحماية نفسه وأرضه، ولكن ليس وفق منطق الدولتين كما يقول البعض والتي نعتقد أنه حل غير موفق وغير صحيح ولن يرى النور وسيزيد الصراع والحرب، بل نشير هنا إلى أهمية منطق وحل الكونفدرالية الديمقراطية بين الشعوب والاتحادية فيما بينهم، والتي هي من خواص الحياة الحرة في تاريخ الشرق الأوسط، والتي نعتقد أنها يمكن أن تكون أحد الحلول الممكنة التي يجب دراستها من قبل الطرفيين حتى يتمكنان من العيش بسلام واستقرار بعد أن تكون قامت لجان تقصي الحقائق متفق عليها وفق مرجعية شعبية ودولية وإقليمية، بتبيان الأضرار وتعديل الأوضاع وتحقيق العدالة لمسار الصراع منذ ٧٥ سنة، وتحقيق حق العودة للمهجرين وأبنائهم وأحفادهم. أما انتظار الحلول من الخارج والتبعية لمحاور الصراع الإقليمي والدولي دون وجود تفاعل داخلي بين الشعبين وقوتهم، فلا يفيد سوى باستمرار الصراع وفق المرسوم لأن القضية الفلسطينية والكردية تم وضعهما من قبل النظام العالمي الرأسمالي كي تستمران وليس لكي يتم حلهما، وإسرائيل وتركيا دولتان مصطنعتان وأداتان للهيمنة الرأسمالية العالمية، ورغم ذلك، فإنه يمكننا العيش كفلسطينيين وككرد مع الترك واليهود ودولتيهما، إذا تخلوا عن أحاديتهم القومية والدينية وتبعيتهم للرأسمالية الغربية ودورهم الأداتي الوظيفي البعيد عن خدمة مصالح الشعوب والمجتمعات المحلية، وهذا يتطلب جهود جبارة وإرادة حقيقة للتغيير والحل والاستقلالية الذهنية والسلوكية، وعندها سنكون أمام مشهد جديد في الإقليم وفق ما يريده الشعوب، وإلا سنكون أمام تغيرات كبيرة لاتراعي مصالح الشعوب والمجتمعات، بل تراعي فقط مصالح النظم الاستبدادية القومية والدينية وقوى الهيمنة العالمية الرأسمالية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

to top