“حصادٌ مر “
مريم حوامدة
كنا نسكن في المدينة وأنا في الصف الأول الإبتدائي ،
في يوم ربيعي عدت من المدرسة لأجد أمي متربعة بين أربعة طواجن كبيرة تضع فيها ثيابنا للغسيل وتعزل الأبيض في واحد والألوان في آخر وهكذا وتنتقل زحفاً بينهم لغسلها بالتناوب نظرت إلى يديها وحزنت جداً ،
وفي المساء رأيتها تؤدي الصلاة وتدهن كريم الفازلين على وجهها ويديها تستسلم للنوم بلا مقدمات ، وفي ظهيرة اليوم الثاني دهنت أظافرها المجوفة بطلاء الأظافر الأحمر ،لم أكن أعلم سبب نعومة خدها عندما كنت أقفز لأشاهد الشامة الجميلة في عنقها ولم أعلم أن لديّ مثلها في نفس المكان إلا متأخراً ،يا لمحاسن الصدف لقد خصتني أمي بميراث جميل .
أتت العطلة الصيفية وذهبت لمنزل جدتي الثمانينية في القرية البعيدة ، رأيت بجانب رأسها سلة قش صغيرة لم تسمح لي بالاقتراب منها ، في المساء حملتها جدتي وبدأت بفتح العلب كانت أول علبة ذات رائحة جميلة أتضح لي فيما بعد أنها علبة تحتوي على كريم لتبيض وتنعيم البشرة اسمه” بلاشنج ” عرفت بعد سنوات طويلة بأنه منتوج عالمي مرتفع الثمن ، دهنت جدتي تجاعيدها وأغلقت العلبة وهي ترمقني بعين واحدة وسحبت الغطاء وأهملتني ونامت ليلها الطويل .
تزوج أخي في عام 1970 وحضر وعروسه لزيارتنا وأحضر معه الهدايا والحلويات وزجاجة ” كزوز ” بيبسي كوكا كولا ، وعندما شاهدها والدي جن جنونه وغضب وأفرغ ما بداخلها على التراب في الحديقة وأخذ يزمجر قائلاً هذه خمور تفسد أخلاق بناتي الصغيرات ، حزنت كثيراً لذلك ،
توفي والدي وترك ثلاجته الخاصة تحتوي على كافة أنواع البيبسي والعصائر وبجانب الثلاجة ترك لي أيضاً عصاه أتوكأ عليها في عثراتي وما أكثرها ،
شكراً والدي أنك تركت لي اسماً في فلسطين .