الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

حينما تتربع المصالح على ظهر القيم

منى زيدو

صراع ما زال مستمراً منذ بدأ الانسان التفكير بالسيطرة على كدح وجهد الأخرين بعيداً عن أي اعتبارات للعادات والأعراف المجتمعية السائدة. معارك وحروب مدمرة على مرّ التاريخ كان وما زال الانسان ضحيتها الأولى والأخيرة ومعظمها تحت اسم القيم والأخلاق والقانون والطابو الإنساني والمجتمعي، وما زالت هذه الصراعات مستمرة تم مسمى صراع الخير مع الشر والنور مع الظلام وكثيراً من الثنائيات التي دمرت الامبراطوريات ومسحتها من الوجود لتتشكل المنتصرة على انقاضها.

وتحت تلك القيم والقوانين تم إخفاء المصالح بألف قناع وقناع إن كان تحت كوفية وعمامة الدين أو قبعة وطربوش العلمانية، وكٍلا الطرفان لا همَّ لهما سوى مصالحهما وأجنداتهما السلطوية المخفية تحت شعارات المساواة والديمقراطية والكرامة. هكذا كانت الثورة الفرنسية والإنكليزية والأمريكية التي اعتمدت مبادئ ويلسون وتلتها ما سميت بالثورة البلشفية التي انهارت من الداخل في أعوام التسعينيات.

معظم تلك الثورات وغيرها الكثير وحتى وقتنا المعاصر حملت على أكتافها أكفانها وشعاراتها الوطنية والإنسانية والقيمية، لكنها بمجرد استحواذها على السلطة نراها قد انقلبت على فيمها وقوانينها الإنسانية لتتحول لمجرد دولة قوموية متعصبة وشوفينية جُلَّ أهدافها هي مصالحها فقط لا غير.

من المساواة والحرية والإخاء بدأت الثورة الفرنسية في 1789 وسرعان ما تخلت عن شعاراتها بعيد الانتصار وها نحن نرى فرنسا الآن كيف أنها تبحث عن مصالحها ونفوذها وأجنداتها في المنطقة، كذلك أمريكا وروسيا حفيدة الثورة البلشفية نراها كعاهرة تتنقل من هنا وهناك بحثاً عن المال وعقود النفط وبيع السلاح. ما أقبح المصالح حينما تكون هي الغاية التي يتم التخطيط لها على حساب القيم المجتمعية. هنا تتحول تلك الدول والمجتمعات التي يكون فيها ترجيح المصالح على القيم، إلى دول ومجتمعات منافقة وانتهازية تسعى لمصالحها على حساب الشعوب أينما كانت. وهذا ما نراه بكل وضوح في سوريا والعراق وليبيا والآن أذربيجان.

بكل تأكيد في لعبة المصالح ليس هناك الأفضل والجيد، بل معظمهم هو السيء والقبيح والجبان. أمريكا ليست أفضل من روسيا بكل في لعبة الأمم والمصالح وصراعات النفوذ في ظل الفوضى المنتشرة في المنطقة، وكذلك إيران ليست أفضل من تركيا والعكس صحيح. إذ، لكل طرف مصالحه الخاصة به وأجنداته التي يسعى على تنفيذها إن كان بشكل مباشر أو عن طريق الوكلاء والمرتزقة والإرهابيين. ولا يهم من يكون وقود هذه المصالح بقدر أهمية المصلحة بحد ذاتها بالنسبة لهذه الأطراف.

الثورة السورية التي بدأت من أجل الكرامة تحولت وبقدرة تركيا والغرب الذي يقف وراءها إلى مكب نفايات وحثالات العالم من الإرهابيين الذين جلبهم أردوغان من كل فج عميق لتنفيذ مصالحه العثمانية وكذلك تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير/الجديد. وها هو الان ينقل هذه النفايات المرتزقة إلى ليبيا وأذربيجان ويزج بهم في حروب ومعارك لا منتصر فيها، بل هناك الخاسر دائماً وهم من تحولوا إلى بنادق تحت الطلب ومن أجل المال والنفوذ.

لا جديد في هذه الصراعات التي ما هي إلا امتداد للصراعات المستمرة منذ آلاف السنين وإن اختلفت المسميات، إلا أن الأدوات هم نفسهم من حثالات المجتمع الذين يعبدون المال والقتل والدمار والاغتصاب وتهجير الشعوب من مدنهم وقراهم ليسرقوا ذكريات وتاريخ وجغرافية الشعوب ويتركوهم يصارعون من أجل الحياة والبقاء في العراء لوحدهم، وبذلك يتحولون إلى ضحية مصالح القوى الإقليمية والدولية التي لا تعرف معنى القيم المجتمعية والإنسانية التي هي أسباب وجود الشعوب وتطورها.

بقعة الضوء التي تمنح الأمل المتبقية في فترة ومرحلة المصالح والنفاق تلك، ما زالت هي أيضاً تصارع قوى الظلام من داعش والإرهابيين والمرتزقة وخليفتهم أردوغان ومن يقف خلفه من القوى الدولية. هذه البقعة التي قضت على داعش التي كانت تهرب من أمامها الدول والجيوش، في نفس بقعة الأمل هذه انتصرت قوات سوريا الديمقراطية على داعش وهزمته شر هزيمة وكل من كان يعول على داعش انهزم معها. لذا، نرى أردوغان ومرتزقته قد أصابهم الجنون بكل معنى الكلمة وما زال يهدد أمن واستقرار هذه المنطقة ليطفئ نور بقعة الأمل هذه وليحول المنطقة إلى ظلام دامس كما الخلافة العثمانية التي استمرت أربعة قرون تقريباً.

تحالف وتوحد شعوب هذه المنطقة من عرب وكرد وآشور وسريان وتركمان وشيشان سيقضي على أوهام أردوغان ومرتزقته مهما طال الزمن بهم، لأنهم شعب يؤمن بأن القيم المجتمعية هي أساس تطور المجتمعات وليست المصالح. ولهذا هم يسعون لبناء المجتمع السياسي الاخلاقي وتحطيم كل من يرجح المصالح على القيم.

to top