الحدث – القاهرة
نشأت الفلسفة كفكر نقدي تساؤلي حجاجي مع دهشة الإنسان وانبهاره أمام الكون والموجودات بما فيها ذاته ووجوده الخاص، مع تساؤله عن أصل وماهية الأشياء. وقد عملت منذ نشأتها على إثبات أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يخلق مسافة بينه وبين العالم، يعلو على ذاته ويتأملها، يخضع كل شيء للتساؤل ويرفض البديهيات والأفكار المسبقة. “العقل جوهر الكون ومحرك التاريخ” كما يقول هيجل. فالإنسان باعتباره كذلك ليس مجرد وجود فحسب، بل هو قدرة للحكم على الوجود والتحكم فيه، يتجاوز عضويته ويحيا بالأفكار والمبادئ والقيم، يخترق الزمان والمكان، عكس الحيوان الذي يبقى أسير اللحظة وكأنها أبدية، على حد تعبير برغسون. الإنسان ديمومة وتدفق للحياة، يرتبط فيها الماضيبالحاضر والمستقبل.
انتقل مفهوم المرأة كإشكالية جدلية عبْر فلسفات عديدة،علاقة الفلاسفة بالنساء ليست سوية،الفلاسفة هم الفئة الأولى التيأهدرت كرامة المرأة كما توضح ذلك فيلسوفات معاصرات في كتابهن الجماعي المعنون بـ”النساء من أفلاطون إلى دريدا .عند فلاسفة اليونان نالت المرأة السلب والطعنِ فى أهليتها وقدرتها على إدارة شؤونها وتحملها لأي عبء كان دون مؤازة الرجل لها. فنجد أفلاطون (عاش 427 ق.م – 347 ق.م) في إحدى محاوراته (طيماوس) يذكر: “إن الذكور فقط هم المخلوقات المباشرة للآلهة التى منحتهم الروح….والرجال وحدهم هم الكائنات الإنسانية الكاملة… إن أفضل ما يمكن أن تأمله المرأة هو أن تصبح رجلا”. أفلاطون و المرأة كائنا ضعيفا فاسدا لصيقا بالمادة، غير مؤهل للقيام بأي عمل من طبيعة عقلية، تنحصر اهتماماته في الجسد وحاجاته وغرائزه، لهذا بقيت بعيدة عن التأمل العقلي والتدبير السياسي،فالمرأة همشت في المدينة الإغريقية القديمة، وكذلك في الأعمال الفكرية للفلاسفةوبعبارة أفلاطون “المرأة حيوان غير سياسي، فاقد للعقل” وها هو أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) على نفس الطريق سار مثل أستاذه أفلاطون الذي وضع أفكار أستاذه في قالب نظري وقدم المبررات العقلية والسياسية والأخلاقية والبيولوجية لترسيخالنظرة الدونية للمرأة. اعتبر أن الأنثى هي الصورة التي تقدمها لنا الطبيعة عندما تنحرف فتعطينا رجلا ممسوخا لم يكتمل تكوينه، لهذا “فالرجل الذي يعامل المرأة على قدم المساواة يسلك في الواقع سلوكا مخجلا ومشينا .
يقول أرسطو : ليس فى مقدور أية امرأة أو صبي أو حيوان أن يحدد ما هو صالح له، وأن دور المرأة يقتصر على الإنجاب، بل إنها رجل ناقص، وأنها لا ترقى لارتقاء أي منصب. يقول أيضا: “إن جنس الذكر أصلح من جنس الأنثى، ومن ثم فتسلط الرجال على النساء مسألة طبيعية.
أما نيتشه والمرأة، فإن المرأة مصدر كل الجنون واللاعقلانية وهي الكائن المزعج الذي يشتت انتباه الرجل الفيلسوف عن مهمته في السعي وراء الحقيقة.شأن شبونهاور الذي يُعَد منأبرز كارهي المرأة من منا لا يعرف عداء شوبنهاور للمرأة حيث قال عنها “تبقى المرأة كالطفل طيلة حياتها” وأنها “كالحيوانلها شعر طويل وأفكار قصيرة” “ولو كانت الحياة امرأة لهربت منها .
لكن ننتقل إلى أحد المدافعين عن حقوق المرأة حيث في كتابه استعباد النساء يرى جون سيتوارت مل ويعد من أشهر الفلاسفة الليبراليين في القرن التاسع عشر الذين ناصرو المرأة “أن الوضع الحالي للمرأة قد نشأ منذ البدايات الأولى للمجتمع البشري ففي فجر التاريخ وجدت المرأة نفسها في حالة عبودية لرجل ما،ربما بسبب ضعف ضعف قواها البدنية ،ثم بدأت القوانين ،والنظم السياسية كما هو الحال دائما بالاعتراف بالوضع القائم ،والعادات ،والعلاقات الموجودة بالفعل ،ثم أحالت هذه الوقائع إلى قوانين ؛لأن القوانين ليست سوى تلخيص للأوضاع ،والاعتراف بالعلاقات،التي تكون موجودة فعلا بين الأقوياء، وهي بذلك تحيل الوقائع المادية،إلى حق قانوني،وتضفي عليه مشروعية بإقرارها بواسطة المجتمع.وعلى مر العصور كان الفلاسفة بين مؤيد ومعارض ولكن لا ننسى دفاع الفلاسفة المسلمين كابن سينا والفارابي وابن رشد وغيرهم عن حقوق المرأة وما كفله الإسلام لها من حقوق تجعلها تشعر بكينونتها ومكانتها جنبا إلى جنب بجانب الرجل. ونقف عند الفيلسوف ابن رشد و المرأةحيث يقول” كونُها تتكافأ مع الرجل في النوع لا خلاف في ذلك، لكنها تختلف عنه فقط في الدرجة. إن ابن رشد في هذا ينطلق من النص القرآني، عندما يقول: “وَلَهُنَّ مثل الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”، سورة البقرة، آية 228. إن تساوي النساء مع الرجال بالنوع يعني بالنسبة إلى ابن رشد أن طبائعهن من نوع واحد، مما يُؤهل كليهما لقيادة المدينة إلى الفعل الواحد عينه، ويقومان بنفس المهام والأعمال داخل المدينة، لا فرق بينهما إلا بعض المهام التي لا تقوى على فعلها المرأة، فالرجال في معظم الأفعال أكفأ من المرأة، وإن كان من غير المستحيل أن تؤدي المرأة بعض الأعمال بكفاءة أعلى من الرجال.