الحدث – القاهرة
نعيش في ظل ثنائيات متعددة في الحياة لقد بدأ الإنسان بثنائية البكاء، والضحك كمولودٍ أطل على الحياة من خلال ثنائية الخلق :الذكر، والأنثى ، فبدأت ثنائية البكاء والضحك ،ثم ثنائية الجوع ،والإشباع ،ثم ثنائية الحزن، والفرح، وثنائية الخوف، والأمن وتتواصل ثنائيات الحياة بنسبية حدوثها فتولدت ثنائية الحب، والكراهية والخير والشر ،والأمل ،واليأس ،والنجاح ،والفشل، إذ لا معنى لحياة كلها ظلام ,كما لا معنى لحياة كلها ضوء, الليل إذًا يكمل دورة الزمن بوجود النهار،لا معنى لحياة كلها خير كما لا معنى لحياة كلها شر؛ إذًا لا معنى لحياة كلها رجال؛ كما لا معنى لحياة كلها نساء ، ولا ننسى أهم الثنائيات التي تعبر بنا مراحل الحياة جميعها وهي :ثنائية الحياة ،والموت ،يهمنا هنا ثنائية الخلق(الذكر والأنثى) وقال تعالى في كتابه العزيز”ٞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير”سورة الحجرات (آية13)
فالحياة تقوم على ثنائيات كثيرة قد تتشكل العلاقة بين تلك الثنائيات فتكون إلغائية أو تحريضية أوطردية أو تكاملية، كلها معاني تثير جدلًا ثمثله تناقضات لا حصر لها ينزوي في مكامن النفس وهواجسها؛ ليشتعل في أي وقت يقف الإنسان فيه عاجزا عن فهم مضامين تتشكل منها مقادير ترسم خريطة حياته الوجدانية والنفسية والبشرية،فما أكثر ثنائيات الحياة بين مدٍّ وجزر! أليست الأنثى شريكة في ثنائية هذا الكون؟! فلماذا النظرة المتدنية لها من بعض الرجال الذين يفسرون مفهوم قوامتهم للمرأة حسب أهوائهم وميولهم الشخصية كما أن البعض يصفها بتاء الخجل لما تحمله من تصورات أيدلوجية، وفوارق بيولوجية ارتهنت بواقع المرأة في هذا العالم المتصارع بما تمثلة من هُوية أنثوية عانت حرمانًا وتهميشًا على مر العصور .
يسألونك عن ماهية المرأة قل لهم :المرأة لا شىء سوى أنها امرأة
حيث لم تكن هناك أدوار محددة للذكورة والأنوثة علي غرار ما تقرر الأطر الثقافية الجامدة، بل إن المرأة هنا أثبتت أنها يمكن أن تتبادل الأدوار الاجتماعية مع الرجل وأنها قادرة علي انجاز كل المهام، وكأنها ترسل الى المجتمع تقول فيها: ها أنا ذا أستطيع أن أشارك وأقرر وأنجز وأنني لست بهذا الضعف وتلك الاستكانة.
المرأة هي الابنة و الأم والأخت والزوجة وربة المنزل الذي ضاق الحال بزوجها من معاناة ارتفاع الأسعار وبطالة أبنائها الجامعيين نحو تحمل أعباء العمل والمسؤوليات والواجبات الأسرية التي تساهم في رفع أعبائها داخل المنزل وخارجه لقد صارت السيدة المهمشةصحيًا واجتماعيًا في قهر العشوائيات وتلوث المياه والزحام بين طوابير العيش والسعي وراء لقمة العيش.
ونجد رموزا إصلاحية مستنيرة، اقتربت من تطبيق فكرةإنسانية الإنسان، وحقه في الإرادة والفعل وخاصة بكفاحها من أجل استرداد حقوق المرأة ،من هنا نستبين جهد متتابع عبر الأجيال من رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وأحمد فارس الشدياق وبطرس البستاني وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين وسلامة موسي والطاهر الحداد وهدي شعراوي ومي زيادة وبنت الشاطئ ونظيرة زين الدين ونوال السعداوي وفاطمة المرنيسي واسيا جبار وخالدة سعيد . لمحات من تاريخ كفاح المرأة كما افتتحت أول مدرسة للبنات في مصر عام 1873، وكان لعلي مبارك جهده في هذا الصدد . وأسست هند نوفل أول صحيفة وهي صحيفة الفتاة عام 1889 . وفي ثورة 1919 شاركت المرأة في الكفاح الوطني وفي المظاهرات ضد الاحتلال . وفي سنة 190 افتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات .وفي السياق برزت رائدات للحركة النسائية مثل نبوية موسي ناظرة مدرسة المعلمات التي أنشئت بجهود المرأة في الأسكندرية عام 1891،كذلك من الرائدات عائشة التيمورية وملك حفني ناصف وسيزا نبراوي وغيرهن . أسست هدي شعراوي الاتحاد النسائي عام 1893 ليتولي الدفاع عن مصالح المرأة ومطالبها، والتحقت الفتيات بالجامعة ، وتوالي التحاقها بالمعاهد الموسيقية والرياضية والفنية، ونالت المرأة ثقة لا بأس بها، بالرغم منالتيارات المعارضة لخروجها من أجل التعليم والعمل والمشاركة في الشأن العام ،كما أصبحت المرأة جزءًا من مشروع الدولة الإصلاحي المفروض بضوابط سياسية وأصبح حراكها من خلال مؤسسات الدولة لتنفيذ المشروع الوطني الإصلاحي الذي حملته ثورة 1952 م ،منذ هذا التاريخ بدأت “الحركة النسائية في مصر تنشط ” وتتطور ضمن الإطار الذي رُسِم له داخل الأنظمة السياسيّة من المعروف عنه ـ أنه ذكوري، تقليدي، يهمّش دور المرأة ويحرمها الكثير من حقوقها، ؛ لكنه في الوقت ذاته مجتمع ما زال يحمل في ذاكرته الحيّة ثلاث ثورات :ثورة عرابي 1881م، ثورة 1919م، ثورة 1952 م. كان للنساء فيهادورٌ بارز حتى اكتملت الصورة وأسس المجلس القومي للمرأة فحمل دورا كبيرا في تعميق الوعيّ الاجتماعيّ، والتصدي لكل مشكلات العنف ضد المرأة كما مُنِحتْ المرأة الحق في الانتخاب وفي الترشح للمناصب العامة وساعدت على الوعي بحقوقها كل وسائل السوشيال ميديا ، كما أن ثورات الربيع العربي 2011م في معظم البلدان العربية بما فيهم مصر أظهرت الانتماء وحب الوطن والحرص على استقراره فكانت النساء لهن بصمة مميزة في هذا الحراك الثوري ، لم تكن المرأة العربية وحدها المختلفة دون غيرها من نساء العالم، فليست للفوارق البيولوجية دور في تخلفها، وإنما للإرث الاجتماعي والثقافي، ولأنها بطبيعتها منصرفة إلى أدوارها الأولى؛ كأم وزوجة، لذا فالمرأة تتجه بوجدانها إلى هذه الأدوار عن غيرها، لكن متى ما منحت لها نفس الفرص والتجارب، التي تمنح للرجل تميزت كتميزه ،وحققت مكتسبات كثيرة تدفع المجتمع إلى الأمام والتقدم.