الخميس 21 نوفمبر 2024
القاهرة °C

دور المرأة في الأزمات المجتمعية

منى زيدو

بما أن الأم هي المَدْرَسة والمُدَرِّسة الأولى في عملية تنمية الانسان والمجتمع على مرّ التاريخ، إلا أنه وبسبب غياب دور هذه المؤسسة عن عملها واشغالها بأمور استهلاكية بعدية عن طبيعتها المعطاءة، نرى نتائج ذلك في راهننا في تحول المجتمعات بمعظمها إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة. هذه النتائج التي نعايشها منذ أمدٍ طويل لا نزال ننظر إليها على أنه القدر الذي لا بدَّ منه وقبوله. مع العلم أن القدرية هي فلسفة ميتافيزقية أو كما يلحو أن نسميها ماوراء طبيعية وأنه على الانسان القبول بها حتى يُراد أمرُ الله.

مع أنه لو نظرنا للتاريخ نرى أنه كان للمرأة والأم الدور الحاسم في تشكيل المجتمع وتحديد هويته. ونرى ذلك حينما تفقد المرأة دورها الريادي ويتم عزلها في المنزل وانجاب الأطفال واطاعة الزوج وما شابه ذلك من مقولات ليس لها أية علاقة بالحقيقة المجتمعية على مر التاريخ. إلا أن كل ذلك يتم ربطه بالدين من أجل إلباسه قناع غريب عن طبيعة المرأة المنتجة والرائدة في كافة العلوم والثقافات.

أنه حال المرأة في مشرقنا الذي يعيش حالة من التراجيديا والمأساة منذ قرون وحتى الوقت الحاضر. فهي دائماً الضحية في الأفراح والأتراح وهي سبب معظم النكسات التي نعايشها، هكذا يتم إلصاق التهمة بها لمجرد أنها امرأة لا شيء غير ذلك. فيتم اشغالها من قبل أرباب العمل على تسويق منتجاتهم التكميلية وغير الأساسية لحياة المجتمعات في أحسن الأحول، أو أنها معرضة للسبي والقتل كما رأيناها في الأزمات التي تعرضت لها بعض الدول في منطقتنا على يد الفصائل المتطرفة المدعية للدين. فلا الغرب أتاح للمرأة أن تلعب دورها الريادي ولا المشرق تركها تقوم بما يقع على عاتقها من أعمال وواجبات تجاه المجتمع.

طبعاً لا يعني مطلقاً وصول المرأة إلى بعض المسؤوليات والمراكز في الدولة على أنها باتت قاب قوسين من حقوقها، بل نرى أن معظم النساء اللواتي أصبحن في مراكز مسؤولية لا يستطعن أن يعبرن عن حقيقتهن الطبيعية، بقدر ما يسعين لتنفيذ من يُطلب منهن تطبيقه أو حتى قوله إرضاءً للسلطة الذكورية المتحكمة بأمور البلاد بشكل عام. المرأة المسترجلة يمكن اعتبارها مثالاً سيئاً لأي امرأة ترى حريتها في استرجالها بعيداً عن طبيعتها الانثوية.

وينبغي على المرأة أن تدرك أن لها دور كبير في القضاء على الكثير من الأمراض المجتمعية المتفشية في خلايا المجتمع من عادات وتقاليد وموروثات عفى عنها الزمن. وبكل تأكيد إن غاب الوعي عن المرأة وابعادها عن تلقي التعليم والثقافة، فلا نستطيع أن ننتظر دوراً كبيراً من هذه المرأة أكثر من تلبية احتياجاتها المادية وغرائز الرجل الذي بيده مفاتيح المال والسلطة.

التعليم لوحده لا يفي بالغرض ولا نستطيع أن نقول عن كل امرأة متعلمة بأنه بمقدورها أن تكون رائدة في تطوير المجتمع. عملية تطوير المجتمع يحتاج إلى علماء اجتماع وسوسيولوجيا وأن تقحم المرأة نفسها في هذين المجالين وتكون فيهما منتجة للأفكار والمصطلحات وفلسفة المعاني التي تلعب دوراً كبيراً في تطوير الثقافة المجتمعية من شكلها النمطي الذي نعيشه نحو ثقافة تنقل المجتمع من الاستهلاك إلى الانتاج ومن الاهتمام بالمادة كغاية إلى النظر للمادة كوسيلة للحياة. إنها عملية قلب موازين الحياة ومحدداتها المستقبلية. وهنا يأتي دور المرأة في تنشئة وتربية الأطفال على أساس أنها المدرسة الأولى كي تعلمهم أن الأخلاق أهم بكثير من القانون وأن الاحترام والمحبة هو العطاء من دون مقابل، ومن يبحث عن مقابل يتحول إلى سمسار وتاجر جشع تكون عنده الأنا فوق كل اعتبار. كيف للمرأة أن تقوم بوظيفتها المجتمعية في تنشئة جيل يكون مؤمن أت سرّ وجوده يكمن في المجتمع وليس بعيداً عنه، وهو لا شيء من دون الآخر.

مسؤوليات جسام أمام المرأة عليها القيام بها بعيداً عمّا تؤمن به الآن بأن المادة هو سرّ الحياة، بل أن الأخلاق والمحبة هو أساس الحياة ومعناها ومن دون هذه الأخلاق فلن نعيش إلا في مجتمع الغابة كما نعيشه الآن. فكيف للمرأة دور في حماية طفلها وأفراد عائلتها من فيروس كورونا وأن تحثّهم على الاعتناء بالنظافة ومحاربة اللا مبالاة عليها أيضاً أن تقنعهم بأن ثمة فيروسات أخطر من كورونا تقضي على المجتمع وعليهم أن يكونوا دائمين الحذر من هذه الفيروسات. الأنا واللا مبالاة والسلطوية والوصولية والمادية والاستهلاك والنميمة والاقصاء، كل ذلك وغيرها من الخصال هي عدوة تطور المجتمعات وينبغي محاربتها بلا هوادة لبناء مجتمع حر يكون فيه الانسان هو الغاية وليس الوسيلة.

to top