الأحد 22 ديسمبر 2024
القاهرة °C

دور المرأة في قيادة المجتمع

دور المرأة في قيادة المجتمع

 

منى زيدو

وبعد كل ما حصل ويحصل من حالات تردي المجتمع نحو الأسوء وتآكل البنى المجتمعية جرَّاء ما تقوم به النظم الحاكمة عبر عقود من الزمن، وذلك من خلال سعيها لبسط سلطتها بشتى السبل الملتوية والطرق المخادعة. يظهر لنا صورة قاتمة لمجتمع يئن تحت وطأة العمليات الاستهلاكية اليومية لتحول الانسان من كائن منتج إلى انسان مستهلك لا يهمّ له سوى اشباع نزواته وغرائزه وحالة الجشع التي أعمت بصيرته.

أول عمل تقوم به النظم المستبدة هو اللعب على تغيير الثقافة المجتمعية الغئرة في التاريخ وربط المجتمع بثقافة مغايرة منقطعة عن العادات والتقاليد المجتمعية المعمِّرة آلاف السنين. هكذا يتم قطع العلاقة ما بين الانسان وتراثه والتقاليد ليصبح انساناً يسير وفق أهوائه وما يشاء من دون اعتبار لقيم المجتمع التي كانت السبب الأساسي لتواجده واستمراريته حتى الآن.

وأفضل وسيلة تستخدمها النظم للوصول لحالة تمييع المجتمع وتنميطه هي الحلقة الأضعف والخلية المتخمة بالمآسي والأحزان والأوجاع نظراً لما لاقته من اهمال وتحجيم وتغيير الحالة الوظيفية لها من كائنٍ كان يعتبر أساس بناء المجتمع، وتحول إلى كائنٍ واهن لا حول له ولا قوة ويستجدي العطف والتربيت على الرأس لزيادة حالة الخنوع وقبول ما هو معاش على أنه قضاء وقدر، لا يمكن تغييره لأنها مشيئة الله وكأنّ ذلك هو أساس الحياة ومبتغاها.

لا يمكن لأي طلب في الحرية والمساواة  والعدالة المجتمعية أن يكتسب معناه أو یتحقق، ما لم تتحقق المساواة الجنسیة الاجتماعیة بين الرجل والمرأة، وأي حديث بعيد غن هذه الذهنية يعتبر تسويفاً والاستمرار في تنميط المجتمع برمته. مرة أخرى تبرز حریة المرأة كعنصر أكثر رسوخاً وشمولیة في عملیة بناء العدالة الاجتماعية. والسبب في ذلك يعود إلى أن مشكلة المرأة تشكل الجانب الأضعف للنظام الذي حوّل المرأة إلى بطاعة أو سلعة تباع وتُشترى متى ما شاء.

لا یمكن تحقیق الحریة الحقیقیة للمرأة، إلا بإزالتھا للمشاعر والإرادات الاستعبادیة المسلَّطة علیھا من قِبَل الزوج أو الأب أو العاشق أو الأخ أو الصدیق. فأفضل عشق ھو أخطر مُلكیة. من المحال كشف النقاب عن ھویة المرأة الحرة دون تمریر كافة القوالب الفكریة والدینیة والعلمیة والفنیة، التي خلقھا عالَم الرجل المھیمن تجاه المرأة، من مصفاة الانتقادات المكثفة. على المرأة أن تكون مُلك ذاتھا أولاً، كي لا تصبح مُلكاً لأحد. والمرأة المتحولة إلى مُلك وسلعة، تعیق ظھور الرجل الفاضل أیضاً.

إن القول بارتباط مستوى حریة المجتمعات بمستوى حریة المرأة، إنما ھو تحدید ورأيٌ في محله.

أسوأ الممارسات العملیة الاجتماعیة، ھي ھیمنة الرجل وأنانیته المفروضتان على المرأة. ما من شيء یتسم بالقَدَریة بقدر ما یتسم بھا موقف الرجل الفظّ، المفروض على المرأة المتروكة تتخبط في حالة عقیمة. بناءً علیه، لا یمكن أن یتحقق وجود الرجل الحر – وبالتالي المجتمع الحر – المتسم بقدراته العلیا، الناضج، المتساوي والعادل، المستوعب للحریة، إلا بقبول المرأة أن تكون ذاتها أولاً وليست مُلكية خاصة للرجل وليست حرثاً للرجل يحرثا أنّما شاء.

من المعروف أنه المجتمع الأكثر غوصاً في بحر العبودیة، ھو ذاك الأكثر ازدراً ء للمرأة واستخفافاً بھا. كذلك، فالمجتمع الجاھل بكیفیة العیش، ھو ذاك الذي قَبِل العیش العشوائي مع المرأة. كما أن أكثر أنواع الحیاة سوءاً وبلادة ولا مبالاة وبُعداً عن الحماس والنشوة والفھم، ھي تلك الحیاة المتحققة مع المرأة العبدة.

وللنهوض بأي مجتمع ينبغي علينا أولاً بتحقيق الثورة الذهنية فيه والتخلص من الشوائب العالقة في ذهننا والمتراكمة منذ آلاف السنين حول حقيقة المرأة ومكانتها ضمن المجتمع. ومن الخطوات الأولية التي يجب القيام بها هو التخلص من المصطلحات والمعاني التي أُضيفت عن المرأة في التقربات الدينية والقوموية الليبرالية المتناقضتان بشكل كبير. حيث عمل الاتجاه الأول الديني حول تغطية المرأة بألف قطعة قماش وهي ناقصة عقل ودين وخُلقت من ضلع وحتى النقبض في التوجه الليبرالي الحداثوي للعلمانية الذب خلع عنها كل ألبستها ورماها عارية في المجتمع تحت مسمى الحرية الفردانية. كِلا المقاربتين لم تمنح المرأة وضعها الحقيقي الذي ينبغي عليه أنتكون في المجتمع. بل على المرأة أن لا تنخدع بهذين المقاربتين الفجّتين وأن تبحث عن حقيقتها في التاريخ الذي نعيشه في الوقت الحاضر.

حينما تتحقق حرية المرأة وتعيش ذاتها حينها يمكننا أن نبني المجتمع الذي نحلم به في العدالة والحرية المجتمعية البعيدة عن أوصياء الدين والليبرالية. وحينها فقط تتكمن المرأة من لعب دورها المنوط بها في قيادة المجتمع نحو برّ الأمان.

to top