الحدث – القاهرة
امرأة 8 مارس في الشرق الأوسط وأبدا ستظل صورة المرأة في الشرق الأوسط هي الشغل الشاغل للعقول عبر الأزمنة، ليس لأنها نصف المجتمع؛ فهي لا تكتسب مكانتها من العدد؛ ولكن من قوة التأثير وفعالية الدور الذي تشغله في الحياة بأكملها؛ فإذا نظرنا إلى البنية المجتمعية العربية والشرق أوسطية سنجد أن المرأة لا تشكل الرؤية النصفية في تلك البنية من المنظور العددي المحض بل أنها تتخلل تلك البنية ليطغى تأثيرها على النصف الآخر حتى لا نكاد نستبين بوضوح انفصالها في تلك الصورة البنيوية عن النصف الآخر، وهي في ذلك شأنها شأن فيضان الماء المتدفق الذي ينساب فيملأ في مسيرته فراغات الأرض اليابسة فيتخلل البنية الكونية بطبيعته المألوفة دون صراعات بين مفردات الطبيعة، بل على العكس تمامًا؛ حيث نجد أن كل ما حولها يستشعر إيجابية وجودها فيفسح لها المجال لتشغل مكانتها التي أتيحت لها نتاجًا لجهودها الملموسة في تشكيل رؤى المجتمع وتفعيل الدور الحضاري لمفرداته البشرية والطبيعية.
من هنا انصبت الدراسات والأبحاث على استدعاء صورة المرأة في الماضي، وجمع الدلالات التي توضح العلاقات الجدلية بين المرأة والموروث الثقافي ودورها الفاعل في تشكيل التراث المجتمعي بكافة روافده لكونها هي الحافظة للتراث بحفظها لتقاليد المجتمع الذي تنتمي إليه، ولكونها مفردة تتناغم مع كافة المفردات الأخرى؛ فتشكل البؤرة المحورية التي تدور حولها كافة العناصر وتنجذب لها بطبيعة النشأة والتكوين والاحتياج.
وحيث أن قوة المرأة تكمن في مدى قدرتها وإسهامها في صنع التراث وحفظه ونقله جيلاً بعد جيل؛ فقد كانت تلك السمة هي الدافع الأساسي لانطلاق فعاليات العديد من المؤتمرات المتعلقة بالمرأة والتراث في العالم العربي والشرق أوسطي من خلال مختلف ملتقيات الثقافة العربية والشرق أوسطية؛ لتناقش خلال تلك المؤتمرات مختلف الرؤى المطروحة من خلال الأوارق البحثية التي يسهم بها كوكبة من العلماء والمتخصصين في مجال التراث الثقافي بالشرق الأوسط، وكذلك المتخصصين في مجال الدراسات النسوية الحديثة وعلم الفولكلور والأدب الشعبي مما يسهم في إثراء ودعم قضايا المرأة عبر العصور.
واستطاعت تلك الرؤى الإيجابية أن تصنع من الخلاف حول شأن المرأة مجالاً للالتقاء والتحاور، والذي يتيح الفرصة لمناقشة أوجه التفاهم والاختلاف بين الموروث الثقافي والمرجعية الدينية، وما بين التراث والعقيدة، وما يحيط بذلك من قضايا الوضع الطبقي والتطور الاجتماعي والمتغيرات البيئية والعادات والتقاليد، والتي اثبتوا من خلالها نفي الثوابت ذاتها فلا شيء يظل جامدًا مع حركة الحياة والظروف المجتمعية وتعدد روافد الثقافة، فالموروث التراثي رغم رسوخ جذوره فإنه يسمح بالإضافة ويستوعب الجديد بتطور الأجيال فلا يمكننا وصفه بالجمود، حيث أنه يقبل الاستجابة للتغييرات الناجمة عن التواصل وتؤثر فيه المنجزات والمحفزات المستجدة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأخيرًا أقول أن المرأة هي التي حكمت العلاقة الجدلية بين التراث وتجدد الواقع؛ حيث أنها حلقة الوصل بين الماضي والمستقبل، لذلك فقد تمحورت حولها النقاشات بمختلف الملتقيات الثقافية التي تتسم بالزخم من خلال كثافة المطروح من الموضوعات التي تلتف حول المرأة وعلاقتها بالرجل؛ حيث كانت هي المصدر الأول لإلهامه ولإبداعه فدارت حولها سياجات تخيلاته السردية، وكانت رمزًا أسطوريًا في مختلف رواياته وإنتاجه الأدبي والفني، بل كانت هي المستهدفة في إنتاجه الملموس من خلال التراث الحرفي المتمثل في الصناعات اليدوية كالحلي والزينة والملابس والعطور، وكذلك هي الأمل والهدف عندما يكون الرجل هو البطل الباحث عن الحب والعدل والسلطة ونصرة المظلوم فتكون هي الفارسة إن كان هو الفارس، وتكون الأميرة التي يسعى للوصول إليها فتكون له المغامرة، وتكون له الأم التي يبثها مواجعه في الشدائد وأفراحه بالانتصارات.
ومن ذلك أرى أن حواء التي احتوت آدم كزوجة واحتوت العالم كأم ومثلت التراث وعايشته بكافه تراكماته يحاول آدم جاهدًا أن يحتويها في تخيلاته وينقلها في حكاياته ويصورها في رواياته وإبداعاته وستظل تلك العلاقة مصدرًا للإلهام القصصي ومنهلاً للتراث عبر العصور.
8 مارس 2025
24 دقيقة مضت