الحدث – القاهرة – بقلم / دكتورة فاطمة حسين
ربما نتوه عن أهدافنا، بل ونتوه عما نريد، ولا توجد رؤية واضحة لاهدافنا، ونسأل لماذا خُلقنا؟ ومن خلقنا؟
أكرر هذه الأسئلة كثيرًا في مقالاتي وندواتي، ربما لأنني أعتقد أن في إجابة هذه الأسئلة تتضح الرؤية لهدف الحياة ولن أغوص هنا في الإله الذي خلق، ولكن سأبحر مع القارئ في الحالة النفسية التشككية التي يعيشها.
فخطابي لمن بدأ العيش في حالة من الشك، هل هناك ” الله ” أو أن هناك إلها بالفعل ولكنه ليس الله، وإذا كان هناك إله أهو الذي خلقني أم هناك إله آخر خلق، وإله يدير.
إن الأسوأ من حالة الشك هو حالة اللامنتمي، ذلك الذي يعني أنه بعد أن وجد إجابة لأسئلته المتشككة أصبح لا منتميا لإجاباته، لا منتميا للقيم، بل إنه أحيانًا يجد أنه غير مهتم بأي قيمة ويفقد نفسيًا بالتدريج المعنى الحقيقي للقيم ولا يوجد لديه أهمية لتوافر مبادئ تستقيم معها حياته، إنه قام بتفريغ المعاني كلها من كل القيم والمفاهيم الإنسانية والضمير، ولا يجد معنى للحياة التي يعيشها وربما ينتهي الأمر به للانتحار لأنه فقد المعنى لحياته التي يعيشها.
وربما يتساهل ويستسلم اللامنتمي لحالته التي لا تنتمي لهذا العالم ولا هو يعرف لأي عالم ينتمي.
وهذا هو الفرق بين اللامنتمي والمتشكك، إن المتشكك ما زال في حالة سؤال دائمة ليصل إلى الحقيقة، ولكن اللامنتمي استسلم لتفريغ القيم والعالم والوجود من معانيه، وتوقف بحثه عن الحقيقة والمعرفة.
وهذا التفريق بين المتشكك واللامنتمي يفيدنا في الحقيقة من الناحية العلمية، فتصنيف الحالة الذهنية التي يمر بها الإنسان لنفسه في غاية الأهمية، حيث إنه يعرف ماذا يريد؟ أهو يريد أن ” يعرف”؟ أم يريد التمرد فقط على أوضاعه المعيشية ويتظاهر بالمعرفة الفارغة ويتحول دون أن يشعر إلى ” اللامنتمي “.
ولأن الشك هو عبارة عن حالة ذهنية تجعل الذهن مشتعل بالفكر، فهو يصل بنا لحالة فكرية ” تأملية “.
ولكي يصل المتشكك لغايته المعرفية وإجابات أسئلته عليه بالبحث المتواصل الذي لا ينقطع، وأن يكون مجردًا من أهواء شخصية تضل طريقه.
أما عن رحلة المتشككين فيظل لكل متشكك رحلته الخاصة به من تأملات، مهما تشابهت تظل خاصة عند أصحابها فلكل منهم طريق يحفظها في تلك الرحلة، أفضت به فى النهاية إلى حقيقة راسخة.
إن رحلة الشك والبحث عن الحقيقة والمعرفة هى رحلة البحث عن ” الله ” كإله خالق لكل شيء، هى رحلة اليقين، رحلة البحث عن الغاية من الوجود الإنساني، هى رحلة الإنسان من المخلوق إلى الخالق، من الموجود إلى الموجد.
ونذهب إلى الأدوات المستخدمة في هذه الرحلة، فهل يمكننا أن نذهب مستخدمين العقل وحده فى الوصول أم اننا نستطيع أن نستخدم القلب وحده دون العقل !
ربما يكون الاثنان لهما دورًا معًا، ولا يمكن استخدام أي منهما على حدة دون الآخر، فكل منهما له دوره في الوصول.
إن هذا الطريق ليس موحش فهناك التجارب الكثيرة التي يستطيع المتشكك قرائتها جيدًا ويتأمل نتيجة كل تجربة، ويحكم عليها بعقله وقلبه معًا.
وما بين العقل والقلب رحلات كثيرة للفلاسفة الباحثين عن الحقيقة، والتي تفضي إلى حقيقة واحدة وهى أن هناك إله.
ولكن الوصول إلى هذه الحقيقة لابد أن يصل إليها الباحث – المتشكك – بنفسه وبكامل قواه العقلية والقلبية.
إن الفائدة العظيمة التي يجنيها من رحلة اليقين تستحق المعاناة والتعب والسهر، لأننا سنصل حينها إلى غاية وجودنا.
وبدلًا من أن نتوه في مشاكل الحياة اللامتناهية، لابد أن نذهب لأبعد من ذلك وهو غاية وجود حياة للانسان وحينها ستتهافت أمامه المشكلات.
والآن دعونا نمر مرور الكرام على بعض التجارب المفيدة:
١- هناك إله: كان ذلك عنوان كتاب ” أنتوني فلو ” الذي خالف كل معتقداته السابقة، ليسرد فيه رحلته الفكرية – العقلية البحتة على حد وصفه – والتي بدأت من طفل متدين لأحد رجال الدين المسيحي إلى شاب ملحد شديد الإلحاد حتى انتهت به إلى عجوز يؤمن بأن هناك إلها، وأن الكون لم توجده المصادفة أو تخلقه الفيزياء.
٢- الصراع من أجل الإيمان: كان ذلك عنوان كتاب ” جيفري لانج “، والمدهش في هذه الرحلة حلم رآه جيفري في منامه يتكرر لمدة عشر سنوات، والحقيقة أن هذه التجربة أقف أمامها كثيرًا، فهناك من التجارب تحيطها العناية الالهية إلى أن يصل الباحث إلى الله.
وأعتقد أن سر هذه العناية هو درجة إخلاص الباحث في بحثه عن الوصول إلى الله. فمن يُخلص يجد.
يرى جيفري أنه داخل حجرة فارغة إلا من سجادة وبها نافذة صغيرة تملأ الغرفة بنور ساطع، وكان في الصف الثالث ضمن مجموعة، ويؤمهم شخص يقف بمفرده تحت النافذة تمامًا فى عباءة بيضاء، ولكنه لم يكن يلتفت لذلك.
نشأ جيفري في وسط كاثوليكي ويقول انه حب السعادة كامنة في التحصيل العلمي واللقب الأكاديمي، وهو الأمر الذي كذبته الحياة بالفعل، إذ كان يتجاوز سعادة البحث العلمي إلى حزن فراغه الداخلي.
فيقول ” ما نحن سوى أحد الحيوانات التي تحاول أن تعيش سعيدة، هل هذا كل ما في الحياة، نجاح يفتر يليه آخر وهكذا ؟
وانتهى الحال بجيفري إلى أن قرأ القرآن فشعر وكأن القرآن يقرأه.
إن السؤال عن غاية الوجود هو الذي حرك عقل ” أنتوني فلو ” نحو البحث، وهو ما قاد قلب ” جيفري لانج ” للبحث عن ذات الغاية، فسؤال: لماذا نحن هنا؟ هو ما قاد الباحثون نحو الإيمان بالاله.
إذن فالعقل والقلب هما عينا الإنسان في طريقه البحثي، وإلى أن يصل لمبتغاه.
وأختم بمقولة قرأتها على ظهر كتاب لأوبرا وينفري: ” أعرف على وجه اليقين: أن رحلتك تبدأ باختيار أن تنهض، وتخرج، وتعيش الحياة على الوجه الأكمل “.