الحدث – القاهرة – بقلم / منى زيدو
كثيرات مننا يطلقن العنان لأحلامهن ومخيلاتهن ويبحثن عن السعادة بعيداً عن الواقع المرير الذي يعشنه، وكأنهن بذلك يثقن بأن السعادة لا يمكن الوصول إليها إلا في عالم الأحلام والخيال. من هنا تبدأ عملية انفصال الانسان عن الواقع الذي يعشه ليركض وراء أحلام يتمناها أن تحصل لتنقذه من المرارة التي يتجرعها. هي حالات نفسية لم نتخلص منها وما زال الانسان بكل ما وصل إليه من تطور فكري وتكنولوجي، إلا أنه يصرّ على الاتجاه نحو عالم الميتافيزيقا ليبحث لنفسه عن معجزات تنقذه من الوضع الذي هو فيه ويسافر عبر الزمن لعالم يعيشه فقط في مخيلته لا غير.
شخصيتان متناقضتان نعيشهما داخلنا ونقفز ما بينهما وفق الظروف التي نعيشها. نبحث عن الاحترام والحب والسعادة والرفاهية ونتكلم عن هذه المصطلحات كثيراً فيما بيننا، لكن الأنانية والفردانية التي تتحكم بنا وكأنها هي من تقودنا، لتقودنا في نهاية المطاف ان نعيش وحيدين في العالم الافتراضي متنقلين بين صفحات شبكات التواصل اللا اجتماعية والتي باتت جزءاً مهما في حياتنا وحتى هي التي تشكل شخصيتنا ووعينا وأسلوب تفكيرنا وسلوكنا الذي نتعامل فيه مع بعض. وعليه حينما تتحكم بنا هذه الشبكات وتكون المصدر شبه الوحيد في تلقيننا معلوماتنا، تحولنا بعد ذلك إلى مجرد قطيع ينساق وراء الكم الهائل من المعلومات غير الدقيقة لأشباه مثقفين قفزوا في غفلة من الزمن إلى منصات هذا العالم الافتراضي.
عالم شبه تعيس نعيشه تتحكم بنا غرائزنا غير المنضبطة والتي حولتنا لأشباه ناس مجردين من العواطف والمشاعر الإنسانية التي هي أساس تطور المجتمعات والانسان. الابتعاد عن أهم عنصر في التطور المجتمعي وهو العطاء والتضحية، ربما يكون السبب وراء تخندقنا وراء الأنانية التي عشعشت في أصغر خلايانا.
الكل يبحث عن السعادة ولكن من دون أن يقدم أي شيء مقابلها. أي نريد كل شيء من غير ان نعلم شيء، وحتى لا نريد ان نتحرك من المكان الذي نجلس فيه. ومقتنعين بما نقوم به بكل تفاصيله ولا نريد من احد ان يطلب مننا شيء. من هنا نقول اننا نعيش حالة من الازدواجية في شخصيتنا التي تريد كل شيء من غير ان تعمل او تفعل أي شيء.
وللخروج من هذا المأزق الذي نعيشه علينا كل شيء ان نعترف أننا نعيش الاغتراب الذاتي واصبحنا لا نعرف من نحن ولا نعرف الآخرين أيضاً. العطاء من غير مقابل أو التضحية هي شيفرة تطور المجتمعات والمجتمعية الإنسانية على مرّ التاريخ. ولولا هذا العطاء لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. الأجداد الذين أدركوا أنه من أجل الخروج من حالة البدائية التي كانوا يعيشونها، كان لا بدّ أن يعملوا بشكل جماعي على أساس العطاء الجماعي يعني الكل من أجل الكل، والذي في النهاية نكون ضمن معادلة تكاملية تبدأ من الفرد الذي يؤمن أنه لا وجود له من دون الجماعة والعكس صحيح بنفس الوقت.
رغم كل شيء والصعوبات التي نعيشها والفوضى المنتشرة في كل مكان وحالات الحروب المدمرة المنتشرة في كل مكان، إن كانت بتدخلات دولية أو إقليمية أو حتى إن كان سببها داخلي نتيجة الأنظمة الاستبدادية المسلطة على رقاب الشعوب، رغم كل هذه الصعوبات يبقى الأمل هو السلاح الوحيد للخروج من هذه الفوضى بأقل الخسائر على أقل تقدير.
الأمل ذاك السلاح القوي الذي من خلاله يمكن التغلب على كافة المصاعب التي تواجه الانسان في حياته، ولا يمكن أن نكون أصحاب أمل إن لم نمتلك إرادة العطاء والتضحية من أجل بناء غدٍ أفضل. وهذا ما يلزمه الوعي المجتمعي البعيد عن التفكير الأناني الفرداني الذي لا يفكر إلا بنفسه والتي يرجحها على العالم كله.
لنكن أصحاب أمل في عالم الفوضى التي تسعى للقضاء على الانسان وتحويله إلى مجرد قطيع ينقاد وراء منصات شبه اجتماعية لأشباه مثقفين ليس لهم أية علاقة بالأخلاق المجتمعية وحتى الإنسانية. فقط أن نكون أصحاب أمل في هذه المرحلة يبقى لوحده عامل قوة وإرادة لا يمكن الاستهانة به مطلقاً. ورغم كل شيء، كم هي الحياة جميلة وذات معنى.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت