الحدث – القاهرة – بقلم محمد أرسلان
معظم دول وشعوب المنطقة لم يكن لديها معلومات عن الكرد في سوريا وتواجدهم ومناطقهم وثقافتهم وحتى تاريخهم الممتد لأعمال التاريخ، وكل أو معظم ما كان يتم تداوله أن الكرد هم في إقليم كوردستان العراق (شمالي العراق) وبأعداد متغيرة ومتحركة في تركيا. طبعاً هذه المعلومات الضحلة عن الكرد في سوريا كانت من نتائج أو يمكننا القول من أدبيات البعث ومنجزات الحركة التصحيحية لهذا التيار الشوفيني الذي لم يؤمن يوماً ما بالآخر على أنه متواجد وصاحب ثقافة أو لغة مختلفة. كل ما تم الترويج له أنهم ضيوف أو أنهم تناسوا أصولهم العربية وأنهم في أحسن الأحول من أبناء الجن، كثيرة هي الأقاويل والتهم التي كانت وما زالت عند أصحاب تلك العقلية ملاصقة لشخصيتهم وأفكارهم العصبوية المرتبطة بالقبيلة الحزبية القوموية والدينية.
كانت محاولة احتلال كوباني/ عين العرب هي المحاولة الأخيرة للنظم القائمة والمتسلطة على الشعوب على مسح تواجد وتاريخ وثقافة الكرد في المنطقة، إن تم هذا الاحتلال ونجح في مسعاه بمباركة النظام التركي الفاشي والسوري والقوى الإقليمية التي جلست على مدرج حلبة المصارعة السورية، لتصفق لهذا الطرف أو ذاك، والكل ينتظر لحظة سقوط واحتلال كوباني ليعلن عن نشوة الانتصار على الشعب الكردي في بداية الالفية الثالثة على غرار فرحتهم بالمجازر الأرمنية في بدايات الحرب القرن العشرين.
الكل منتظر تلك اللحظة من داعش الأداة تم تسليحها بأعتى الأسلحة المسروقة من مدينة الموصل المحتلة بمباركة تركيا وغيرهم من التيارات المحلية والإقليمية والتي سيتم ذكره أسمها في الوقت المناسب والتي هي معروفة عند البعض بكل تأكيد. معركة حامية كانت ما بين أداة تسعى لفرض الاستسلام باسم الدين للداعم الرئيسي لها وما بين البحث عن الحرية وتحطيم الأصنام التي تتعبدها الأدوات المختلفة المسميات والأهداف.
في بداية 2015 كانت اللحظة الحاسمة التي قالها المقاومون عن كوباني بأن النصر ليس له علاقة بالقوة والدبابات، بقدر ما هو مرتبط بالإرادة الحرة والإصرار على الحياة الحرة والكرامة. معركة ما بين أن تموت ثقافياً ووجودياً لتعلن قوى الهيمنة العالمية انتصارها على المجتمعات والشعوب، وما بين البحث عن حياة وهوية شعب منسي بين أمواج الدولة القومية الهشة. تاريخ لا يمكن أن ينساه من كان يقاوم أعتى أداة تم تشكيلها عبر التاريخ الإنساني باسم الدين، لتكون وبالاً على صانعيها ولتكشف الكثير من عورات النظم المتسلطة في المنطقة وتعري حقيقتهم السلطوية والتي لا تهمها المجتمعات والشعوب.
كوباني لم تكن عنواناً لمعركة بقدر ما كانت تقبيت هوية شعب نال هويته ليس منحة من الآخر، بل نالها بتضحياته واصراره على أن من يمتلك الحق يمتلك القوة إن هو عرف كيف يوظفه. تحولت كوباني لميدان وهوية شعب له ميراث تاريخي عميق من القيم والأخلاقيات المقاومة التي ترفض الاستسلام. والاحتفال بانتصار كوباني الرمزي هو احتفال لشعوب المنطقة والعالم الذي أعاد الثقة لهم بأنه يمكن للشعوب أن تنتصر على من اعتبروهم لا تقهر. انهزام داعش في كوباني هو سقوط فوبيا أردوغان الذي كان متحمساً لسقوطها.
كوباني تحولت من مدينة صغيرة على الخريطة السياسية لدولة الأمة إلى عنوان كبير لهوية شعوب نبضت قلوبها بالحياة ثانية منتشية بالحرية والأمل، وولادة قوة كبيرة مفعمة بحماس وعنفوان شعب نفض غبار الحرب عن جبينه ليختم عليه “صنع في كوباني”.
أجل، صنع في كوباني، باتت علامة أخلاقية وإنسانية لكل من يبحث عن هويته وتاريخه ووجوده وثقافته المجتمعية. صنع في كوباني، مقاومة لا تعرف الأصنام لتعبدها، بل حطمتها بمطرقة المقاومة التي استلمتها من ابن المنطقة سيدنا إبراهيم. صنع في كوباني، عنوان الحرية والحياة الكريمة والمجتمعية التشاركية البعيدة عن الأنانية والفردانية للنظم التسلطية والأحزاب الكرتونية التي ما زلت تعبد اصنامها في اسطنبول.
نعم، صنع في كوباني، تلك المرأة التي امتشقت السلاح لتحرير شعبها ورسم ملامح حرية المرأة التي لا تعرف المستحيل. صنع في كوباني، أنه فيها تم غربلة الانسان الحر من العبد. من كوباني بدأت مسيرة صناعة الانسان الحر والمجتمع الحر والإرادة الحرة. وقبل كل شيء في كوباني صنع وتم حياكة مسيرة المرأة الحرة. صنع في كوباني هوية شعب ومنهاج مقاومة.