الحدث – القاهرة – بقلم الباحث السياسي: أحمد شيخو
يبدو أن أزمة النظام العالمي النيوليبرالي أو الأصح أزمة نظام الحداثة الرأسمالية تستفحل بشكل أكثر، وتتوسع لتنتشر في معظم بقاع العالم، ماعدا القارة الأمريكية التي نعتقد أنها لن تكون بمعزل عنها، في حال كانت الحلول غير ديمقراطية وبعيدة عن المجتمعات والشعوب.
من كردستان قلب ومركز الشرق الأوسط التي تم تقسيمها باتفاقيات دولية، وحرمان شعبها من حقوقه الطبيعية في إدارة وحماية نفسه والعيش بثقافته، لضمان هيمنة النظام العالمي بعد الحرب العالمية الأولى على الدول الأربعة وعبرها على الشرق الأوسط، الى أوكرانياوالبحر الأسود، التي تتصارع على ساحتها والتحكم بهاالقوى المركزية العالمية ومعها مراكز القوى في النظام العالمي الواحد.
وقبل أيام وفي إحدى أهم بلدان إفريقيا النيجر التي لها حدود مع سبعة بلدان والتي تشكل إحدى دول الساحل الخمسة المتواجدة في غرب القارة الأفريقية، ظهرتملامح صراع جديد من صراعات وحروب مراكز القوى في النظام العالمي المهيمن، وهذا الصراع بالإضافة للتراكمات التاريخية الاستعمارية في افريقيا فهو امتداد للحروب الموجودة في الشرق الأوسط وآسيا وأوربا.
ما يجمع هذه الحروب والجغرافيات أن الأزمات العميقة ذات الأبعاد الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنيةوالاجتماعية، موجودة فيها منذ عشرات السنين دول أن يكون هناك نقاش جاد وبحث وفهم وتوجه نحو الطرق الصحيحة وبناء الحلول الديمقراطية، بل أن السائد هو سرقة الموارد الطبيعية والقيم المادية والمعنوية للمجتمعات والشعوب وفرض نظم سياسية واقتصادية وسلطات وظيفية وقيم فكرية بعيدة عن أصحاب الأرض وأهل الدار الحقيقيين، وسد الطريق أمام أية انطلاقات أو سياقات مجتمعية ديمقراطية أخلاقية.
إن السياسية والأمن اللتان تمتا ويتم ممارستهما من قبل نظام الهيمنة العالمي وأدواتها الإقليميين والمحليين، في المناطق والبلدان الثلاثة، باتتا متضخمتين بالسلطوية وبالعقم والفساد والتوتر والتبعية، وكما أن هيكل الدولةالقومية المفروض ودساتيرها ومؤسساتها اللاديمقراطية ذات اللون الواحد والتي عبرها تحكم فئة ضيقة وطبقة سياسية فاسدة، لا تناسب أي من المجتمعات المتعددة والمتنوعة في المناطق الثلاثة ولا تلائم الاستقرار أوالسلام ولايمكنها تحقيق ذلك. ولعل فشل معظم هذه الدول والسلطات في مواجهة التحديات وتأمين احتياجات المجتمعات والشعوب وخلق مساحة عمل مشتركة واعتراف متبادل، عدا عن عدم قدرتم على افساح المجال للحياة المتكاملة والعيش المشترك والتحالفات الديمقراطية بين الشعوب جعلتنا نكون أمام مشهد طبول الحرب التي لم ولن تتوقف لحين وزمن مرتبط بالتفاعلات الموجودة في الاقليم والعالم .
في كردستان وأوكرانيا والنيجر وغيرهم، تتنازع القوى المركزية في نظام الحداثة الرأسمالية المهيمن ذات القطب الواحد النفوذ وقدرة التأثير والمصالح المادية والزخم الإقليمي، فمن جهة نجد الصين وروسيا ومعهم من دار في فلكهم وتعاطف معهم ومن جهة أخرى نجد أوروباوأمريكا ومن التحف بهم، ولكننا لا نستطيع تميزهم من حيث وحدة الأهداف وسلوكيات الوصول لتلك الأهداف.
في أوكرانيا، العملية الخاصة التي كانت مرسومة كأسبوع تحولت لسنوات، وتداعياتها باتت عالمية على الاستقرار في الغذاء والطاقة والأمن والمال، وكل الجغرافيات المحيطة ومنها تركيا والسويد وفنلندا مهمة لطرفين الصراع، على حساب المجتمعات والشعوب في أوكرانيا وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
في كردستان، مازالت القوى المركزية في النظام العالمي بشرقها وغربها على مواقفها الاستراتيجية السلبيةالسابقة، وهذا يظهر من حالة العزلة المطلقة على المفكر والقائد عبدالله أوجلان والصمت العالمي والإقليمي على ذلك وعلى ما يتعرض له الكرد في الدول الأربعة، وقد ذهبت أمريكا لخطوة تكتيكية لمصالحها، ولكنها خطوة غير معروفة النتائج أو المستقبل مع الكرد في شمال سوريا.
أما النيجر، فيورانيومها وموقعها الجغرافي ودورها في غرب أفريقيا لمحاربة التنظيمات الإرهابية مع القوى الغربية وحدودها مع الجزائر وليبيا ومالي وبوركينا فاسو ذات العلاقة القوية مع روسيا، إضافة الى تداعيات الاستعمار الفرنسي على شعب النيجر وعلى معظم دول غرب أفريقيا، يحتمل أنها ستكون كردستان ثانيةأوأوكرانيا ثانية، لتتصارع عليها قوى إقليمية ودولية.
لا يمكن فصل بين ما هو موجود في كردستان أوفي أوكرانيا أو في النيجر، فهي باعتقادنا فصول وأبواب مختلفة لنفس حروب الهيمنة وهي الحرب العالمية الثالثة،التي تريد عبرها نظام الحداثة الرأسمالية حل أزماتها وتجديد نفسها ومصالحها الاستراتيجية، وهذه الحربتختلف عن الأولى والثانية حتى الآن بمعطياتها ووأدواتها وتفاعلاتها وتداعياتها وتوسعها لمساحات وقارات أكبر من الأولى والثانية.
تشكل ثنائيات، المجتمع والسلطة، الداخل والخارج، الحق والباطل، المعرفة والجهل، الاستقلالية والتبعية، تفاصيل الحياة المشتركة بين المواضع الثلاثة المركزية من الشرق الأوسط وأوروبا و غرب أفريقيا، فمأكل الانسان ومأمنه وتزايده الطبيعي أي حياته الكاملة، لا بد أن يكون فيه استقرار وأمان وسلام ويتمثل ذلك في هوية الانسان وذاته وارداته الحرة وكرامته، وهذا الإنسان يمكن أن يكو كردي أي شرق أوسطي أو أوروبي أو أفريقي، وإذا لم يكن كذلك، فطبول الحرب سوف تظل تدق إلا أن يرهق الطرفان المتحاربان ولكن هنا ليس هناك طرفين بل أطراف وأدوات كثيرة معقدة ولذلك، فالطبول سوف تظل تدق إلا أن تقول الشعوب والمجتمعات كلمتهم ويظهروا موقفهم ويبنوا الحياة الحرة والديمقراطية التي نعتقد أنها يمكن أن تكون عبر الكونفدراليات الديمقرطية للشعوبوالمجتمعات، التي تستطيع ضمان مصالح الشعوب والمجتمعات أولاً، وليس عبر الانقلابات على السلطات أو التغيرات الشكلية فيها في دول تكون وظيفية وتابعة أصلا للنظام العالمي إما لهذا الطرف أو ذاك وكل الطرفين قوتين مركزيتين في نفس النظام العالمي الرأسمالي النيوليبرالي، فالحل عن مجتمعات وشعوب هذه الدول وليس في القوي الاستبدادية والقمعية وليس في قوى الهيمنة العالمية التي تريد الاستفادة قدر الإمكان من خلق الثنائيات المتحاربة والصراعات ودوام استمرارها.