الحدث – وكالات
قال ايمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت الحقوقية إن فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين شجع تركيا والفصائل الموالية لها بارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين في سوريا.
صدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان تقرير بعنوان “جرائم الفصائل الموالية لتركيا في شمال شرق سوريا”، وذلك في إطار الحملة الإلكترونية التي أطلقتها المؤسسة بداية الشهر الجاري بعنوان “الشمال السوري ينزف” لدعم ضحايا الانتهاكات الناتجة عن التدخل التركي والفصائل الموالية لها في شمال شرق سوريا، وتناول التقرير انتهاكات حقوق الإنسان داخل شمال شرق سوريا وبالتحديد في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لتركيا خلال الفترة من كانون الثاني يناير 2020 إلى يناير 2021، حيث ارتكبت هذه المليشيات عمليات القتل خارج إطار القانون بشكل منهجي لتخويف وترهيب المواطنين من اجل قبولهم للاحتلال التركي، بما في ذلك حوادث وقعت أثناء عمليات الاعتقال والاحتجاز لأشخاص معترضين على سياسات هذه الفصائل والانتهاكات التي تمارسها. وأوضح التقرير أن سياسة الإفلات من العقاب هي السائدة في كل هذه الوقائع.
وأشار التقرير إلى اعتقال هذه الفصائل لنحو 884 مواطن خلال العام 2020 في منطقة عفرين فقط، وذلك لمجرد التعبير عن آرائهم الرافضة لهذا الاحتلال أو الاعتراض على الممارسات القسرية للمليشيات المسلحة مثل فرض الإتاوات ونهب المحلات والاعتداء على النساء، وذلك دون وجود أوامر قضائية أو سند قانوني واضح للقبض عليهم، مع احتجازهم في أماكن مجهولة ودون إبلاغ ذويهم بأماكن احتجازهم.
كما ألقى التقرير الضوء على السجون السرية التابعة للمليشيات الموالية لتركيا، حيث يوجد أكثر من 20 سجن سري، والتي تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي ضد سكان مدينة عفرين من العرب والكرد، وذلك على مرأى ومسمع من القوات التركية.
من جانبه قال أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت أن فشل المجتمع الدولي المتكرر في التحرك بشكل فعال لحماية المدنيين في سوريا، قد أدي إلى تشجيع تركيا والفصائل الموالية لها على ارتكاب جرائم الحرب الممنهجة والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات المستهدفة للبنية التحتية المدنية والمرافق الطبية، وانتشار الهجمات العشوائية بالمناطق المأهولة.
وأضاف عقيل أن الفصائل الموالية لأنقرة تمارس شتى أنواع الانتهاكات الغير إنسانية بحق السكان الأصليين والنازحين إلى مناطق عفرين من شتى المحافظات السورية، وقد تمثلت تلك الانتهاكات بعمليات استهداف المدنيين وسرقة ممنهجة لممتلكاتهم بمختلف أنواعها من منازل ومحال تجارية وأراضٍ زراعية، على مرأى ومسمع من القوات التركية المنتشرة ضمن قواعدها ومقراتها العسكرية في مدينة عفرين والنواحي التابعة لها.
وأوضح عقيل أن هذه الانتهاكات لم تقتصر على سرقة الممتلكات المدنية فقط، بل امتدت لاعتقال الآلاف من المدنيين خاصة بعد أن فرضت هذه الفصائل سطوتها الأمنية على هذه المناطق، وذلك بهدف تحصيل فدية مالية من هؤلاء المواطنين مقابل إطلاق سراحهم بعد اعتقالهم وممارسة أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحقهم ضمن سجونها السرية التي أنشأتها في مختلف المناطق الذين يسيطرون عليها.
وتحدث عقيل في حوار لصحيفة روناهي حول حملة حقوقية أطلقتها مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان في الأول من الشهر الحالي والمستمرة إلى 15 شباط من الشهر نفسه؛ بهدف تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها دولة الاحتلال التركية ومرتزقتها في شمال وشرق سوريا، في ظل تنامي التوغل العسكري التركي في الشمال السوري، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين فضلاً عن استهداف البنية التحتية التي تخدم المدنيين بشكلٍ خاص، بما في ذلك محطات ضخ المياه والسدود ومحطات الطاقة وحقول النفط، إضافة إلى عمليات التعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التي تقوم بها المليشيات المسلحة التابعة لأنقرة في مناطق شمال وشرق سوريا، ناهيك عن استمرار عمليات التغيير الديمغرافي والتهجير القسري واستهداف الشعوب، وبالتالي هدف الحملة هو تسليط الضوء على هذه الانتهاكات حتى يتحرك المجتمع الدولي للضغط على الدولة التركية لتكف عن الانتهاكات التي تقوم بها في شمال وشرق سوريا.
وفي هذا الإطار لاقت الحملة صداً واسعاً فقد تحركت مؤسسات المجتمع المدني السوري لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدولة التركية وتفاعل نشطاء المجتمع المدني السوري وذوي الضحايا، الذين تعرضوا للانتهاكات، علاوة على ذلك تحدثنا إلى الإعلام العربي عن الحملة وأهدافها بعد تسليط الضوء عليها، بواسطة عدد كبير من وسائل الإعلام العربي التي أدانت انتهاكات حقوق الإنسان المختلفة التي تقوم بها الدولة التركية، إلى حين توصلت المؤسسات الحقوقية المختلفة المهتمة بالشأن السوري مع مؤسسة ماعت وطلبت منها البيانات والمعلومات عن الانتهاكات التي رصدتها المؤسسة عبر الحملة.
وعلى هامش الحملة شاركت المؤسسة في المنتدي الحقوقي الثاني حول انتهاكات حقوق الإنسان في شمال وشرق سوريا الذي انعقد بمدينة قامشلو، وخلال المنتدي سلطت المؤسسة الضوء على توطين المرتزقة في شمال وشرق سوريا والتغيرات الديمغرافية التي تقوم بها، على حين تنتظر المؤسسة رد المقررين التابعين للمفوضية السامية لحقوق الإنسان على التقارير التي أرسلتها مؤسسة ماعت بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق شمال وشرق سوريا، فقد تقدمت المؤسسة على هامش الحملة بتقرير إلى المقررة الخاصة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء، وكشفنا جرائم القتل خارج إطار القانون في الشمال السوري من قبل المجموعات المرتزقة المدعومة من أنقرة، كما أننا تقدمنا بتقرير إلي الفريق العامل المعني باستخدام المرتزقة كوسيلة لإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير، وأيضاً استخدام المجموعات المسلحة كأداة من قبل تركيا لتحقيق أهدافها بما يعرضها للمسؤولية الجنائية والقانونية عن الانتهاكات التي تقوم بها.
وحول اهداف دولة الاحتلال التركية ومرتزقتها من هذه الانتهاكات، قال عقيل إن الدولة التركية ترتكب مجموعة من الانتهاكات في شمال وشرق سوريا، بهدف إجبار المواطنين على مغادرة أرضيهم وتوطين المجموعات المرتزقة وعوائلهم في هذه المنطقة، فيما يعرف بسياسات التغيير الديمغرافي الممنهج لطبيعة السكان المتنوعة في منطقتي عفرين وسري كانيه وغيرها، بخاصةً عفرين وسري كانيه فقدتا ألونها التعددية التي تشمل جميع الثقافات وتحتوي جميع الأديان، ونتيجة هذه الممارسات قل عدد الشعب الإيزيدي في الشمال السوري، في حين تم تهجير العديد من العائلات المسيحية، وهذه السياسة التركية الهادفة إلي تغيير التركيبة السكانية لها عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، فقد تصبح شمال سوريا بؤرة للإرهاب والتطرف في المستقبل، وقد يعاني المدنيين في الشرق الأوسط من جراء هذا الأمر كنتيجة مباشرة لانتشار الإرهاب والتطرف.
وتحدث كذك عقيل عن انه في ١٥ شباط تمر ذكرى اعتقال القائد عبد الله أوجلان، حيث تشير مؤسسة ماعت باستمرار إلى موقفها المساند لكل سجناء الرأي والناشطين السياسيين، وهي بالأساس تدافع عن حقوق الناشط الحقوقي والسياسي عبد الله أوجلان في الحصول على حقوقه كاملة، وتدين كافة الانتهاكات التي ترتكب بحقه، وترفض ما تقوم به الدولة التركية من استهداف اتباعه، وتطالب باستمرار الحفاظ على حياته وإعادة محاكمته بما يتضمن استيفاء جميع إجراءات المحاكمة العادلة، على أن يتم التعامل معه من قبل الحكومة التركية كمعارض سياسي وحقوقي وليس كمجرم.
وفي السياق ذاته، أكد شريف عبد الحميد مدير وحدة الأبحاث والدراسات بمؤسسة ماعت أن الدولة التركية، وعبر مشروع واستراتيجية “العثمانية الجديدة”، باتت تتدخل في العديد من الدول العربية، عبر دعم أحزاب ومليشيات وأنظمة خارجة عن القانون، وذلك بهدف بث الفوضى والنيل من سيادة تلك الدول وتقسيم الأوطان.
وأن من يتابع التدخلات العسكرية والاقتصادية التركية في المنطقة، سيكتشف حضورا وتمدد تركيا في كل من سوريا ولبنان وليبيا واليمن والصومال وقطر الأمر الذي ينتج عنه الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان.
وأضاف عبد الحميد إلى أن اكتفاء المجتمع الدولي بإدانة الانتهاكات والجرائم الجسيمة في شمال شرق سوريا لم يعد نافعًا، حسب ما أثبتت بشكل مأساوي السنوات الماضية.
وطالب بأن يشدّد المجتمع الدولي على وجوب احترام الحكومة التركية والفصائل الموالية لها لوقف إطلاق النار والكف عن الجرائم التي يرتكبونها بحق المدنيين، والضغط عليهم لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى المناطق المتضررة، وذلك وفقًا لالتزاماتها الدولية بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.