“عندما يصبح المسرح ضريحاً” رسالة اليوم العالمي للمسرح
إعداد: آلندا قامشلو
يجمع شهر آذار العديد من المناسبات والأيام المهمة للكثير من الناس سواء على الساحة الكردية او على الساحة العالمية، فيجمع “عيد المرأة العالمي، عيد نوروز، واليوم العالمي للمسرح..”، والكثير من المناسبات الكردية والعالمية الأخرى، وفي هذا التقرير سنسلط الضوء على اليوم العالمي للمسرح، وسبب اختيار هذا اليوم من قبل المعهد الدولي للمسرح، إضافة إلى الكلمة التي تم اختيارها عام 2020 لتعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم.
اليوم العالمي للمسرح:
في السابع والعشرين من شهر آذار/ مارس من كل عام يحتفل العالم وجميع المسرحيين والشغوفين بخشبة المسرح بيوم المسرح العالمي، مطلقين عنان إبداعاتهم فرحاً بمن سُمي ذات يوم بـ”أبو الفنون”، أو كما قال عنه ويليام شكسبير “الدنيا مسرح كبير، ونحن دمى ماريونيت”، حيث يقام في هذا اليوم جملة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة بهذه المناسبة، لكن هذه السنة توقفت هذه الانشطة والفعاليات بسبب انتشار فيروس |”الكورونا” في أغلب دول العالم.
انطلقت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، خلال العام 1961، أثناء انعقاد المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح في مدينة “فيينا” عاصمة دولة النمسا، وفي ذلك المؤتمر يُذكر أن رئيس المعهد في ذلك الوقت، كان قد اقترح تكليف “المركز الفنلندي” التابع للمعھد، حتى يعمل على تحديد يوم عالمي للمسرح خلال العام التالي 1962، وعلى أن يكون في يوم 27 آذار مارس من كل عام.
– لماذا 27 تم اختيار يوم آذار /مارس؟
لم يكن اختيار تاريخ 27 آذار/ مارس عبثياً أو غير مقصود حتى يكون اليوم العالمي للمسرح، بل تم اختياره كونه نفس تاريخ افتتاح “مسرح الأمم” في العام 1962، خلال موسم المسرح في العاصمة الفرنسية باريس، المسرح الذي كان يحمل اسم “مسرح سارة برنار/Bernhardt Sarah “، حيث كانت التقاليد الثقافية الخاصة بالمهرجان المسرحي حينها، تبدأ فى يوم 27 من آذار/ مارس، بتقديم العديد من العروض المسرحية في مختلف المسارح العالمية، والذي أصبح تقليداً عالمياً للاحتفال بالمسرح كل عام.
المعهد الدولي للمسرح:
يعتبر المعهد الدولي للمسرح، أكبر مؤسسة جامعة للفنون المسرح على مستوى العالم، ومن أهم المؤسسات الفنية الدولية الغير الحكومية التي تهتم بالتبادل الثقافي العالمي في مجال الفنون والتشجيع بالمثل على الإبداع، وزيادة التعاون بين العاملين في مجال الفن المسرحي، إذ أن لديه منذ تأسيسه لغاية يومنا هذا، أكثر من 100 فرع في مختلف دول العالم، وتم تأسيسه خلال العام 1948 من قبل مؤسسة الـ”يونيسكو UNESCO” التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون مع عدد من أهم الشخصيات المسرحية العالمية من مخرجين وممثلين وكتاب وغيرهم.
الرسالة التي كُتبت في اليوم العالمي للمسرح لعام 2020:
وكما جرى العرف يتم في هذا اليوم اختيار شخصية إبداعية ومسرحية لكتابة كلمة خاصة بهذه المناسبة تلقى في اليوم ذاته، ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم، وفي هذه السنة تم اختيار شاهد محمود ندين لكتابة هذه الرسالة، وهو صحفي باكستاني حائز على جوائز عدو وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو ومخرج مسرح وتلفزيون وناشط في مجال حقوق الإنسان، كما انه شغل عدة مناصب أخرى، وهو حالياً مدير مسرح اجوكا ومدير أكاديمية، ورسالته جاءت تحت عنوان “عندما يصبح المسرح ضريحاً”، وجاء ضمن نص رسالته:
شرفٌ عظيم أن يتم اختياري لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لعام 2020م، وأجد نفسي ممتنّاً وفي الوقت نفسه متحمساً لهذا التقدير الكبير للمسرح الباكستاني وباكستان نفسها من قبل الهيئة الدولية للمسرح، الجهة المسرحية الأكثر تأثيراً وتمثيلاً في العالم في وقتنا الحالي.
نقول أحياناً على سبيل الدعابة: “الأوقات السيئة هي وقت ازدهار المسرح”، فالأوقات السيئة تمنحنا الكثير من التحديات التي يجب مواجهتها والتناقضات التي يجب الكشف عنها والواقع الذي يجب تخريبه، وقد مشيت مع فرقتي المسرحية “أجوكا” على خيطٍ رفيعٍ لأكثر من 36 عاماً، وكان بالفعل خيطاً رفيعاً جاهدنا فيه للحفاظ على التوازن بين الترفيه والتعليم، وبين البحث والتعلم من الماضي والاستعداد للمستقبل، بين حرية التعبير الإبداعي والمواجهات الجريئة مع السلطات، بين المسرح الذي يهتم بالقضايا الاجتماعية والمسرح الربحي، بين الوصول إلى الجماهير والحفاظ على الإبداع والريادة، للوصول إلى هذا التوازن، على المسرحيين أن يكونوا سحرةً أو مشعوذين!
خلال الحكم العسكري في باكستان في الثمانينيات من القرن الماضي، تأسس مسرح أجوكا على يد مجموعةٍ من الفنانين الشباب الذين تحدوا الديكتاتورية من خلال تأسيس مسرحٍ يتّسم بالجرأة الاجتماعية والسياسية، وفي بحثهم عمّا يعبّر عن مشاعرهم وغضبهم وكربهم وجدوا ضالتهم في شاعرٍ صوفيٍّ عاش قبل نحو 300 عام وهو الشاعر الصوفي الكبير بلهى شاه، حيث أصبح بإمكانهم الإدلاء بتصريحات متفجرة سياسياً من خلال أشعاره، وكلّما تعمقنا في دراسة سيرته، وجدناها مليئةً بالإثارة والأفكار الثورية كشعره تماماً والذي عوقب بسببه بالفتاوى والنفي في حياته. بعد ذلك، كتبتُ مسرحية “بلهى” وهي مسرحية عن حياة ونضال بلهى شاه، كان “بلهى” هو الاسم الذي عرف به الشاعر من قِبل جماهيره وتابعيه في كافة أنحاء جنوب آسيا، وقد كان من الشعراء الصوفيين البنجابيين الذين تحدوا بلا خوفٍ سلطة الأباطرة، فكتبوا بلغة الشعب وعن تطلعات الشعب، ووجدوا في الموسيقى والرقص وسيلةً للارتباط المباشر بين الإنسان وما هو أسمى. وقد تحدى هؤلاء الشعراء الطبقية والفروق بين الجنسين ونظروا إلى كوكبنا الذي تتجلى فيه عظمة الخالق بعين الدهشة.
السبب وراء مشاركتي لقصة بولهى شاه واستكشافنا لهذا النوع من المسرح الصوفي هو أننا أثناء الأداء على خشبة المسرح ننجرف أحياناً وراء فلسفتنا المسرحية ودورنا كروّادٍ للتغيير الاجتماعي، وبذلك نترك الجزء الأكبر من الجمهور وراءنا. وبانشغالنا مع تحديات الحاضر فإننا نحرم أنفسنا من إمكانيات تجربةٍ روحيةٍ مؤثرةٍ للغاية يمكن أن يوفرها المسرح لنا. في عالم اليوم حيث تتصاعد وتيرة التعصب والكراهية والعنف مرة أخرى، وتحرّض الدول شعوبها ضد الشعوب الأخرى، ويتقاتل المؤمنون مع غيرهم من المؤمنين وحيث أصبحت المجتمعات تثير الكراهية ضد المجتمعات الأخرى، .. نغفل عن الأطفال الذين يموتون بسبب سوء التغذية، والأمهات اللواتي يمتن أثناء الولادة بسبب نقص الرعاية الطبية ، وإيديولوجيات الكراهية الآخذة في الازدهار، ولا يمكن للمرء إلا أن يفكر حينها في نهاية العالم الوشيكة. نحن بحاجة إلى تجديد قوتنا الروحية.. نحن بحاجة إلى محاربة اللامبالاة والخمول والتشاؤم والجشع التي يعاني منها عالمنا، للمسرح دورٌ محوريٌّ ونبيل في تحفيز وتحريك الإنسانية لتنقذ نفسها من هبوطها إلى الهاوية، فتتخففّ خشبة المسرح عند الأداء صاعدةً للسماء لترقى إلى شيء أسمى وأكثر تقديساً.
في جنوب آسيا، يلامس الفنانون خشبة المسرح في احترامٍ وتبجيلٍ قبل الصعود إليها، وهو تقليد قديم تمتزج فيه الروحانية والحس الثقافي، وقد حان الوقت لاستعادة تلك العلاقة التكافلية بين الفنان والجمهور وبين الماضي والمستقبل. يمكن أن يعود للمسرح سموّه وقدسيته، ويمكن أن يصبح الممثلون في الواقع تجسيداً للأدوار التي يلعبونها، فالمسرح يرفع فن التمثيل إلى مستوى روحاني أعلى، ليصبح المسرح ضريحاً ويصبح الضريح مساحةً للأداء.