الإثنين 23 ديسمبر 2024
القاهرة °C

عن (الحب كرنفال إلهي) للشاعر اسماعيل أحمد

ريبر هبون

الشاعر يعتمد السهل الممتنع في كتاباته، فهي تعود لبدايات مرحلة الشباب الأولى، المفردات لديه مطواعة سلسلة تأتي دون تكلف وتعب، لتلامس شغاف الأرواح المسالمة، تجربته تتميز بنضجها ورمزية الوضوح التي يبرع في تدوينها، حيث يذكرنا بما قاله نزار قباني في معرض عفويته في قول الشعر :

إذا قالوا عني أحس كفاني
ولا أطلب الشاعر الجيدا
شعرت بشيء فكوّنت شيئاً
بعفوية دون أن أقصدا

التصوير لديه يعتمد الشفافية ، يتعامل مع المشاهد الوجدانية ببراعة المصوّر ، كاميراه كلمات تستسهل الغموض فتخوض فيه بيسر هنا ص 69 في مطلع قصيدة مرآة العيون يقول :

ألمح في عينيك تضاريساً وغابات
وأسراباً من الطيور
تتنهد على عبور لم يكتمل

الشاعر يجبرنا أن نعتنق العمق والشفافية في مطاردتنا لكلمات قصائده ، حيث تتيح لنا صورها على فهم دواعي الاغتراب النفسي ، وفهم الحب بعيداً عن الضجيج والأرق، إلى حيث دنيا الخيال والأماني النقية ، يبحر دون التفاتة للخلف، ويحيل الكآبة إلى فصول دهشة والتياع.

الشاعر وعلاقته بالمكان وطيدة وفيها الكثير من الشجن والحزن، فهو يذكر الرحيل والفراق والفواجع المتلاحقة، إلى جانب الأمل في رؤية المكان مجدداً ، في قصيدة شيران مهجتي ص 71، يوضح دلالات الإبحار في المكان فيقول:

حمامتان من نور
وشهقة على صدر الحبيب أنت

ويقول هنا مكملاً عزفه المنفرد :

فراشات وأزهار من ربيعك
تملأ جفوني كنوزاً
من زهو وسرور

للربيع دلالة لدى الشاعر الكوردستاني، فهو يشير إلى نوروز ، عام الثورة والانقياد للجذور الطبيعية، والعراقة التي تتجلى في آذار ، شهر الملمات والفواجع، المكان والمرأة امتداد واحد ، وحكاية واحدة لا تتجزأ ، كالأرض والسماء، والجوز وقشره، العنب ولبه، وهكذا ، ثنائية الأنا والأنت ، تشغل ذهن الشاعر، لهذا نراه شغوفاً بعقد المقارنات والمفاضلات بين الإنسان والآخر، ليعبر عما قاله جان بول سارتر:

الجحيم هو الآخر

لكنه ما يلبث أن يستظل بنور الحب ليختم قصيدته بمفرده أحبك إشارة للآخر، وإلى مفردة أحبكم للإشارة للآخرين، إنه يؤكد هنا ارتباط الفرد بالجماعة، وما ارتباطه إلا نتيجة وعي وجودي معرفي ، إذ لا جنة دون أناس.
يقول :

تعالي يا شاهقة العينين

مازال هناك أمل

نهج الشاعر اسماعيل أحمد غنائي تفاؤلي، لا يسيطر عليه التشاؤم، إذ يجد كل الحل في الحب والوفاء للأمكنة والارتباط بالجماعة يسيطر على الديوان بكامله الحب ، من بدايته لنهايته، دون الدخول في فوضى السياسة وآلاعيبها، يدمن اسماعيل احمد النسك والتتلمذ في معبد العشق المقدس،يجد العالم متحرراً بالمطلق، ويجد الزمن فيه متنصلاً من تقاليد الموت والفناء والترهل.
نجد ميله الواضح لمفردات تكثف أكثر من فكرة عصية مثل :
أسقطوك في ضمير الله ،
أستحم في فراغات انتظارك،
خاصرة العالم تفقد عذريتها تحت بريق نشوتك ،
مشانق العذوبة،
على ثغرها الباسم يذوب نبيذ اشتياقي لعل الشاهد التالي من أجمل ما كتبه في وصف المحبوبة هنا في قصيدة الليل وأشجانه ص 130

وتطير الحمامات من صدرها
أسراباً اسراباً
خلف ومضات الضوء

أيضاً في قصيدة أيا ليل ص 131 :

إن أردت
انثرني كحبات الرز على الكلمات
أو احفظني كقصيدة نثرية بجميع اللغات
سأرويك من دالية الحنين
حينما يزهر الرمان في قصب القصيدة

كرات من مرايا الصور الجميلة في هذه الشواهد التي أوردتها، وهي تفصح عن خيال الشاعر وروحه السابحة في فلك المناخات الوجدانية الحية ، تسعفه في ذلك ذاكرته الفتية وحبه العميق للمرأة الملاذ، فهنا في قصيدة أيتها الغابرة نلتقي بمفردات غاية في التكثيف التصويري المرتبط بالنفس الشغوفة لموادعة الأنثى ببراءة لا حد لها
يقول :

خذي من عنبر القصيدة أشواقي
ومن ثدي براءتي عنوان ابتسامتك المجهولة

ويكمل في ذات القصيدة :

فالمجانين لا وطن لهم ولا مبيت
لا الحارات تزف أخبار العاشقين
وما من طفل يجري خلف الهواء
وأنت أنت حكايتي الموجوعة للأبد

ويختم الشاعر فصول قصائده المتزحلقة على موز القدر الأصم

يامن تبحثون عني بين كل هذه الأنقاض
أحبكم

ليؤكد على ارتباطه بالحب كخلاص للبشرية من أزماتها وحروبها وكوارثها المتلاحقة

to top