قام المؤرِّخ الفرنسي المتخصص في تاريخ الطب النفسي، كلود كيتيل، بتقييم الخوف المتولد من المجاعات التي يثيرها الذعر، لمجلة ماريان الفرنسية، وكتب كيتيل في كتابه المرجعي (مخاوف الوباء والإرهاب) الذي نشر عام 1988 عن تكديس وتخزين المواد الغذائية الأساسية والمال، ذكر فيها النقاط التالية:
لا وجود لمجاعة حقيقية
“ظاهرة معروفة تاريخياً، يعرفها الفرنسيون أكثر من غيرهم؛ أنا أيضاً طفل حرب، لا شك أنني لم أشهد تدفق الناس إلى المتاجر خلال إعلان الحرب عام 1939، لكنني عشت مخاوف المجاعة بعد الحرب مرات عدة؛ إنه خوف واقعي ومزيف في الوقت ذاته، لكنه غير مصطنع.
نظراً لأن فرنسا انهزمت في الحرب العالمية الثانية بسبب الجوع، فمن الطبيعي أن تشهد فترات تدفق حقيقي لمتاجر البقالة. ، يمكن تفسير ذلك بطريقة ما. هناك حالة من الذعر تثير الخوف من النقص، هناك أمثلة تاريخية تؤكد ذلك، ” كل ما يؤكل معرض للسرقة”، كما في بعض الأحيان تنشر هذه الظواهر عمداً، على سبيل المثال: أزمة السكر، أعلن تجار السكر عن أننا سنعاني جراء نقص مادة السكر، في الواقع لم يكن هناك شيء من هذا القبيل، لكن الناس أصيبوا بالخوف وسارعوا إلى شراء السكر وتخزينه، مما أدى إلى فقدان المادة في السوق، وهنا نتحدث عن الفقدان الكاذب للمادة بسبب الذعر وليس فقداناً حقيقياً.
النبوءة التي تحقق ذاتها
وتحدث كيتيل عن مدى احتمالية حدوث مجاعة في يومنا هذا، وقال ” بالطبع، كل شيء مرهون بأبعاد الحادثة، ومع ذلك ينبغي التأكيد على أنه ليس لدى الجميع مستودع أو بستان، والناس يقيمون في منازل صغيرة لديهم سعة تخزين محدودة. والسؤال الحقيقي هنا هو تقييم قدرة شركات التوزيع الكبرى على تجديد مخزونها..!؟ بحسب رأيي، القدرة التخزينية الحالية أكبر بكثير من ذي قبل، كل هذا يعود للتداول المالي.
وأضاف كيتيل ” نحن لسنا في حالة حرب أو اقتصاد ما بعد الحرب حيث يكون العرض ضعيفاً بالفعل ويمكن أن يؤدي إلى نقص حقيقي. هذه المرة، لا أعتقد أن الشيء نفسه سيحدث؛ ولكن المؤرخون دعك من التنبؤ بالمستقبل، هم يجدون صعوبة في التنبؤ بالماضي.. الفقر والنقص الكاذب الناجم عن الذعر؛ هي مثل مرحلة النبوءة التي تحقق ذاتها.”
أمثلة تاريخية
تابع المؤرخ الفرنسي كيتل حديثه، عندما لفت الانتباه إلى حالة الذعر والمجاعة الناجمة عن حصار برلين عام 1948، وكذلك الحرب الكورية الممتدة ما بين 1950-1953، إضافة إلى الوضع في قناة السويس في مصر 1956 – 1957، كما في انتفاضة بودابست في المجر 1956، وأزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962..إلخ، وقال “ما يجب توضيحه هنا، هو التشابه ما بين هذه الأزمات. هي تنشأ بتهديدات الحرب؛ على مدار سنوات طفولتي، اعتقدنا نحن بحدوث حرب عالمية ثالثة. خلال حصار برلين، تدفق الناس ليس على الطعام فقط، بل أيضاً على الملح الصخري. يبدو غريباً نوعاً ما، لماذا الملح الصخري؟ لم يكن لدينا مشكلة الملح حتى خلال الحرب العالمية الثانية؛ وعادة لا يوجد نقص في هذه المادة، لكن حدث مثل هذا الوضع. كان السبب هو ” الأخبار المزيفة” أو “التضليل الاعلامي”، لذا فإن الأخبار المزيفة ليست حالة جديدة؛ حيل قيل وقتها أن الملح الصخري يحمي من إشعاعات القنبلة الذرية.”
تكديس المواد تزامناً مع الخوف من المرض هي ظاهرة جديدة
وأشار كيتل أيضاً إلى ظاهرة تكديس المواد التي يثيرها الذعر، مستغرباً من هذه الظاهرة الحديثة وقال ” أثناء العمل على الإنفلونزا الإسبانية بمناسبة الذكرى السنوية المائة في عام 2018، لفتني شيء. في حين تسبب إعلان الحرب بشكل منظم بنقص الغذاء الذي أدى إلى موت الناس بسبب المجاعة، فإن الإنفلونزا الإسبانية لم تتسب بذلك القدر، حيث مات 000 130 شخصاً في فرنسا وحدها. هذا هو الفرق الكبير مع الفيروس التاجي (كورونا)، لم تكن هناك غارة على المحلات التجارية. هذا ليس لأن الناس أصبحوا أكثر منطقية من عام 1918. لكن وسائل الإعلام تتطرق بشكل كبير لفيروس كرورنا؛ خلال الإنفلونزا الإسبانية، كان هناك نقص في المعلومات إضافة إلى أنه لم يتم إغلاق المطاعم والمقاهي. ” تكديس المواد تزامناً مع الخوف من المرض هي ظاهرة جديدة.