الجمعة 22 نوفمبر 2024
القاهرة °C

قراءة ديوان جداريّات زاغرو للشاعر ميرفان فقه

سلوى مراد
قراءة ديوان
جداريّات زاغرو
للشاعر ميرفان فقه
صادر عن دار آڤا ٢٠٢٠
 
يضمّ الديوان نصوصاً شعريّة وجدانيّة قوميّة ، تتعلق بالوطن وأبناء وبنات البندقيّة والخيام .
ميرفان فقه من أبناء مدينة الزيتون عفرين السّوريّة المحتلة من قبل الأتراك .
نراه يؤنسن بلاده تارة ويبدو ذلك واضحاً من خلال الإهداء
(إليكَ أيّها الوطن )
وتارة يؤلّهه فيشبّه أرضه بإله تغادر إليه الأرواح قبل و بعد الموت .
نجده بائساً تارة بين أهل الخيام وبين شعب مستسلم وشعب يفيض بالحياة .
وتارة نجده متجسّداً بروح شهيد تحوّل الى صور صامتة فقط يراقب ،وتارات في ساحات الحرب بين شعب ومقاتل وأرض وجبال .
يفتتح ديوانه بقصيدة (تماثلي بالموت) بين الضياع والتشرد والرحيل
ورغم أنه يائس في بعض نصوصه
تماثلي بالموت
نامي
وطن يشعر بالاضطرابات
يا أيّها الكائن الثّمل
ضربات قلوب متعبة
ماذا قال الطب :عثروا على عفرين مقتولة
 
إلا أنه ينهض من يأسه ليستهلّ نصوصاً تمنحه القوة والأمل
 
هڤال آريا لا تموتي
 
المولود أنثى
ولدت طفلة وماتت
سأنجب طفلة أخرى وأخرى
تسمى عفرين
كناية عن البقاء والخلود والاستمرار
أحقادي لا تزال على قيد الحياة: يريد بذلك عدم الخنوع والركوع
نجده أيضا في قصيدته (نكهة الدم )
يتناول فعل الأمر في خدمة حالة الغضب التي تعتصره
قائلاً :
مزّقْ لحم ساعدك ،كُلْه ،تذوّقْه
أسندْ جوعك بالعنف ، لا تتوسّل
بلّلْ عطشك بالغضب
وفي قصيدة أخرى :
قولوا للمستوطنين :عائدون
وأيضا في قصائد أخرى يحث المتلقّي على قوة الإرادة
 
مدينة يتيمة هزمت الريح
و
عفرين تبتلع العتمة قريباً
تصوغ شالها جدائل حريّة
و
هذا الجسد النّحيل
لا يعرف الموت
 
نجده أيضاً يحاور( جمعة ) الطّفل الذي فقد عيناه بعد أن فقد أبواه :
 
لستَ إلاّ تأمّلا جميلاً و وسيلة شعرية
يُكتب عنك في الصحف
يؤكد الشّاعر بذلك على أنّ الألم الذي لفّ الطّفل لم يشعر به إلا هو ذاته والفقد الذي ألمّ به ألمّ به وحده .دلالة على الألم المنفرد الذي حل بالكردي وحده.
ثمّة مأساة واقعيّة بين صفحات الديوان تناول فيها الشاعر صوراً فوتوغرافية من واقع الحرب موثّقاً بها حالاته الشعرية المؤلمة .
ها هو الشاعر يحترق في روج آڤا بين نيران واحات التين والزيتون في عفرين وبين نيران تتلظى بين حقول القمح في الجزيرة، حيث ابتلعت النيران مساحات واسعة من أراضٍ بأشجار تينها وزيتونها وبلوطها وقمحها وطيورها و وأغنامها وكأن العدو وجد في كل ذلك إرهاباً فنال منها.
 
ورغم سفالة العالم جراء ما حدث وصمته عمّا ألمّ بالكرد من مصائب (كم وجهاً لوجهك أيّها العالم) إلا أن فقّه يتّخذ وسيلة للتضامن والوقوف الى جانب أخيه الكردي في روج آڤا بقوله :
غصن زيتونٍ معزّياّ سنبلة
مستنجداً ببائعة الورد منتظراً قدومها بسلّة تعبق بالورود والسّنابل يريد بذلك الفرح والشموخ والنصر .
 
من حيث الزمان : ٢٠١٨-٢٠٢٠
 
الصّباح لدى فقّه كالمعتاد
القهوة بطعم الهزيمة
رجلٌ ينسف رأسه
بثلاثين طلقة
كل يومٍ
ينشئ فجوة لتمرير العالم
 
النيران التي ابتلعت الأخضر واليابس في حرّ الصيف
الشعب الذي تشرد في الشتاء ولازال يقاوم الحرّ والمطر والصقيع
 
المكان :
 
المخيّمات
عفرين ، سري كانيه ، گري سپي
 
 
الأساليب المتنوعة كالجمل الفعلية والاسمية و الجمل الخبرية والإنشائية، بالإضافة إلى الضمائر، والشكل بمكونيه الداخلي والخارجي، وقد صاغ كل هذه الخصائص بلغة عربية فصحى فكانت الألفاظ قويّة متينة مترابطة ، المفردات سهلة أحيانا و جزلة أحيانا أخرى .
الأساليب اللغوية منها الخبريّة في قصيدته :
كلانا
ننتمي لرزمة السّاهرين
كلانا يدمن الزيتون
 
ومنها الإنشائية الطلبيّة في قصيدته
تذكّري يا صديقتي غدا
تعالي نبني مدينة
هاتي يدَكِ يا صديقتي نحمل الدنيا ونثأر
 
و غير الطلبيّة كاستخدامه التعجب
ما أقسى الحلم !
ما أعظم الشّهيد !
ما أهون الحرب ونحن خلف الشاشات !
 
 
يعبر فقّه عن مشاكل شعبه ومعاناته فيدوّنها نصوصاً على جدار المدينة ويبدو ذلك واضحاً من العنوان (جداريّات زاغرو )في عفرين وسري كانيه و گري سپي .
هناك نصوص ثورية تحث على التمرد والانتفاضة في وجه العدو ، اعتمد فيها الشاعر اسلوبه الإنشائي الطلبي (الأمر)لخدمة حالة التمرّد
 
انتفضوا أيها الكورد
ثوروا
دعوا ..كونوا ..أطيعوا..اعبدوا تفاؤلكم ..غنّوا الأمل ..تمسّكوا ..
 
(والنهي)
لا تروا شيئا ًسوى قرص الشمس
لا تتقدّسوا فتغتالكم لعنة الحمد والشّكر
 
نراه يتوغّل في ساحات الوغى في قصائده المتعلّقة ب قوّات قسد وما تخطّطه بعناية من أهداف قائلا :
وسيلتنا الوحيدة
للخروج من هذا الدّمار الأحمق
شقّ طريق بخطى ثابتة
نحو الهدف
 
هاهو يشبّه قسد بالعقارب الصفراء دلالة على أن من يقترب منهم سوف يُلدغ بسمّهم، وتبدو هذه التّسمية
من الشكل أنهم كعقارب تلدغ فتقتل ،لكنّ العقرب الأصفر يتصف سمّه بأنّه نادرا ما يقتل .أراد الشاعر بذلك وصف هول ما يكون عليه قسد ردّة فعل على ما يلاقونه، إلا أن الكرد في طبيعتهم يحملون الانسانيّة في دواخلهم ، فاختار الشاعر العقرب الأصفر دون غيره قائلاً
فاعتنقنا البندقيّة
لنلقّن درساً لسفالة هذا العالم
 
ورغم هول الأحداث تراهم يبتسمون ويضحكون تفاؤلاً برفقة الرصاص قائلاً :
سقوط الهدف يعني سقوط الفشل وانتصارك
هههههههه
وفي نص آخر يقول
نرحل عظماء
لا أحد يسرق منّا النّصر
هاهو أيضاً يقدّم لنا حالة لمقاتلة كردية وهي تتحدث مع طلقات بندقيّتها قائلا ً
أدفنكِ بصدر بندقيّتي
لأزرعكِ بصدر أحدهم
فما عليكِ سوى إسقاط ساقط ….
 
وفي قصيدة أخرى بعنوان الثّقة بالرّصاص يقول :
أطلقي عنانكِ
كلّما استطعتِ
بكلّ ما لديكِ
وافعلي كل ما تستطيعين
 
وإن دلّ ذلك فإنه يدلّ على أن الكردي يتعمّق قلباً وقالباً لانقاذ بلاده وشعبه من خلال أنسنة الجماد وأنسنة البندقية والرّصاص.
 
وظّف فقّه كغيره من الشعراء الصورة وتتمثل في المجاز، والاستعارة، والتشبيه؛والرمز والكناية بهدف استثارة إحساس المُتلقِّي واستجابته فيتمكّن الشاعر بذلك من تفجير أفكاره وإيصالها إلى المُتلقِّي
ومن أمثلتها في القصيدة:
وطن مخدّر : كناية عن سبات الشعب
 
يموت فيها الزعتر شهيداً
 
الفراشات فيها قرى مأهولة الأرواح تشع احتراقاً
 
أيضا الخيام قطارات أمل
إنَّ اختيار الشاعر لألفاظه يدلُّ على براعة الشاعر، وقدرته على انتقاء الألفاظ المناسبة التي تعبِّر عن الفكرة ،وعلى التأثير في نفس المُتلقِّي
ويعبِّر بالصورة الشعريّة عن حالات غريبة و عن عواطفه ومشاعره ليخرج عن الكلام المَألوف.
يختتم ديوانه ب قصيدة أرض الزيتون الحزين
سناريو جيّد الأداء
ولا داعي للتصفيق
 
ولأن عفرين لاتزال محتلّة تختنق تتشرّد تنزف لم يحتمل الشاعر التماس ما يحدث ،فأنهى ديوانه ب :
فقط دعوني أطبق جفني
لينزاح هذا العالم .
to top