الحدث – بيروت
تمتاز الحياة بجوانبه المادية والمعنوية بخاصيات متعددة،ومنها التغيير والتحول الذي يطرأ طالما ترافق الوجود والزمان معاً، فيقتضي عندها النشوء و البناء والإنتاج. لكن كيفية ونوعية التبدل الممكن من الظهور، إضافة لجدلية العلاقة بين القديم والجديد تظل حاضرة في كل الزماكانيات، وهذه العلاقة تتوقف على ماهية البنى الفكرية والمادية لكل تركيب ذهني وقدرتها على الاستمرار وفعاليتها، طالما هي التي تحدد السلوكيات المتبعة أو الحداثة المجسدةلفلسفة التركيب و لمنظومات الحياة المختلفة وعلاقة المجتمع بالسلطة أو الدولة.
التشكل القسري للمشهد الإقليمي وتفاعل مكوناتها
لقد تشكل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط كما في عدد كبير من الأقاليم حول العالم، نتيجة التدخلات الخارجية ومشاريعها، ورغبة القوى المركزية في النظام العالمي الليبرالي في إيجاد آليات وأدوات تستطيع عبرها وبها من فرض الهيمنة ونهب المنطقة بقيمها المادية والمعنوية، كالدول القومية المركزية وأمة الدولة النمطية ذات اللون الواحد وثقافة القطيع، مما خلق إشكالية بين المجتمعات والشعوب من جهة وبين السلطات الحاكمة من الجهة الأخرى، تلك السلطات التي في غالبيتها تأخذ مشرعيتها ودوام وجودها من النظام العالمي والأدوار الوظيفية المنوطة بها، وليس من المجتمعات والشعوب وإن تم الخداع والتضليل باسم الصناديق والانتخابات الشكلية. وهنا تكمن المشكلة، حيث أن هذا التشكل القسري للمشهد الإقليمي لم يأخذ بعين الاعتبار أولويات ومصالح شعوب المنطقة واحتياجاتها والجغرافيات السكانية الطبيعية، بل يمكننا القول أنه يشكل أحد أهم الأسباب الرئيسية لأزمات ومشاكل المنطقة التي تعاني منها شعوبنا.
إن التشكل الاجتماعي المضطرب والصياغة الفكرية والثقافية والفلسفية للدولة القومية وعقليتها السلطوية المركزية الدولتية، علاوة على منظومة الاقتصاد والسياسة والأمنالقمعية والفاسدة، كانت ومازالت تشكل القسم الأكبر من التحديات الموجودة لمحاولات القوى المجتمعية الوطنية والديمقراطية والأخلاقية، لإحداث انطلاقات جديدة وبناء سياقات نضالية نحو مزيد من الحرية والديمقراطية والعدالة لتعزيز الحضور المجتمعي وتبديل بنية المجتمعات من الاستقرار الساكن المؤقت إلى الاستقرار المتجدد الدائم في بناء الحياة الحرة التي تحفظ كرامة الإنسان ووجوده وحريته وإرادته وإرادة مجتمعه قبل أي سلطة أو دولة.
بالرغم من البعد الحضاري للشرق الأوسط وشعوبها، وتنوع العلاقات وظهور الكثير من أنواع الدبلوماسيات الشعبية والثقافية والاجتماعية، إلا أن العلاقات بين أبناء المنطقةومجتمعاتهم فيما بينهم وبينهم وبين الخارج، مازالت تعاني الكثير من أوجه القصور، علاوة على المشاكل والأزمات فيها،بسبب الإصرار على أن العلاقات والدبلوماسية لها جانب رسمي فقط أو أن المحرك والمرجع هو العقل الدولتي وأجهزتها ورسميتها المركزية الاحتكارية دون المجتمعات والشعوب أصاحب المصلحة الحقيقية في نسج العلاقاتالصحيحة والبناءة والمفيدة بين كافة الأطراف ومن مختلف النواحي من علاقات أخوة الشعوب والتعايش المشترك بين المكونات وحل القضايا العالقة.
قوى المشهد والنظام الإقليمي
ولو أرنا التدقيق في المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط وتكويناته، لا بد أن نلاحظ عدد من القوى الإقليمية المتناقضة ومشاريعهم الخاصة في ظل مشروع عالمي للمنطقة يريد تجديد الهيمنة والنهب بإدخال بعض التعديلات في النظام الإقليمي ومنهية الدول القومية لتناسب المعطيات الجديدة مع المحافظة على المتعهدين السابقين بأدوار جديدة أو إدخال متعهدين جدد أو السماح بنسج علاقات بين المتعهدين لإحداث وقائع يتغير معها بعض الديناميكيات الساكنة والسابقة لخدمة النظام الرأسمالي العالمي أكثر، وكذلك علينا رصد حالة الشعوب والمجتمعات المهمة والأصيلة القادرة على إحداث فارق كبير رغم حالة الضعف والهجمات التي تعرضت وتتعرض لها، إن هي تحركت بتنظيم ووعي وحركية منسقة ومدربة، إضافة إلى العديد من مراكز القوى وكذلك الجغرافيات التاريخية والاستراتيجية المحددة لمفردات ومفاهيم الأمن التكاملي والدفاع الاستراتيجية، ناهيك عن نواة مهيمنة إقليمية للنظام العالمي يراد توسيع هيمنتها دون حل الإشكاليات العالقة، بل عبر إذكاء الخلافات ومحاولة تحقيق اندماج مؤقت يراد أن يكون سبيل لحالة الإدماج والتكامل الأحادي وليس التشاركي الديمقراطي أي المجتمعي، وهنا يمكننا أن نتحدث عن التفاعلات بين قوى المنطقة وتكويناتها العرقية والدولتية والدينية السلطوية والشعبية وفي داخل كل واحدة منهاوحولها وهي:
لدى الشعوب العربية الكثير من الإمكانيات والقدرات الهائلة والعلاقات المفيدة، ولهم تاريخ ممزوج بين الحالة المجتمعية والشعبية الحقة وتقاليدها الديمقراطية وبين الحالة السلطوية الإسلاموية التي أنهكت وأضعفت الكثير من القيم المجتمعية العربية الأصلية، وعليه يحتفظ المجتمعات والشعوب العربية بإمكانية تحقيق الأفضل ونسج أحسن العلاقات مع الشعوب المجاورة وفيما بينهم إن تجاوزا العقلية الدولتية الإنكاريةالصراعية فيما بينهم وحالة التبعية الرسمية للنظام العالمي وتوظيف موارهم لخدمة النظام العالمي ومشاريعه، وإن تخلصوا من ثقافة الكذب والنفاق التي يريد القوميين والإسلاميين السياسيين تعميقها، وأرادوا بناء حياة حرة ديمقراطية وأخلاقية لشعوبهم ونسج علاقات تعاون وتكامل واستقرار واحترام واعتراف متبادل مع كل الشعوب والتكوينات الاجتماعية في الدول العربية وفي الشرق الأوسط و العالم.
وعلى الرغم من كل التواطؤ والصمت الدولي والإقليمي على المجازر والإعدامات والإبادة التي يتعرض له الشعب الكردي في شمال كردستان وشمال وشرق سوريا وإقليم كردستان العراق وشرق كردستان في إيران، إلا أن الشعب الكردي مازال يشكل أهم الفواعل الرئيسية في الشرق الأوسط و هو الذي يبادر إلى نسج علاقات الأخوة مع كافة شعوب المنطقة ودولها وشعوب العالم، لأنه يؤمن أن حل القضية الديمقراطية وبناء نظام تعددي لامركزي ديمقراطي في الشرق الأوسط وبناء علاقات متبادلة وفق فلسفة الحياة الحرة وحرية المرأة وريادتها مع الشباب لجهود التغيير والتحول الديمقراطي للمفكر والقائد عبدالله أوجلان هو المدخل الصحيح للحل الديمقراطي للقضية الكردية وكل قضايا المنطقة ولابد أن تسود حالة التعايش المشتركة وثقافة التشارك والأخوة والإدارات الذاتية بدل الدولتية القومية وممارساتها الاجرامية وإنكار الأخر المختلف عرقياً ودينياً ومذهبياً وجنسياً وإبادته وإنهائه، فالمستقبل هو للتعايش والتعدد والاستقرار المتجدد المجتمعي في الشرق الأوسط وليس للاستقرار الساكن المؤقت أو التبعية أو المركزية السلطوية بفضل جهود أبنائها وقواها المجتمعية الديمقراطية وتحالفاتهم الديمقراطية.
الدبلوماسية الديمقراطية طريق للحياة الحرة
وعليه، نعتقد أن التكوينات الاجتماعية في المشهد الإقليميوتفاعلاتها وكذلك الدول والسلطات في الإقليم الشرق الأوسطي تستطيع إيجاد بدائل حلالة للمشاكل ومفيدةمتجاوزة لحالة التبعية والتدهور الذي يمتاز به مختلف قطاعات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية وكذلك بناء أفضل العلاقات ونسج دبلوماسيات متنوعة كدبلوماسية الأمة الديمقراطية لتكون قادرة على تحقيق حالة الوفاق بين المجتمعات والشعوب من جهة وبين الدول القومية والسلطات الموجودة من الجهة الأخرى في إطار من الاعتراف المتبادل ومحاولة خلق ساحات تشارك ومساحات تعبير وتنظيم وعمل كافية لكل المجتمعات والشعوب الأصلية في الشرق الأوسط لتكون التحول الديمقراطي في دول المنطقة عنوان المرحلة حتى نصل للحياة المستقرة والأمنة والحرة، دون أن تكون دول المنطقة وشعوبها وسلطاتها أدوات أو توابع في مشاريع الهيمنة الخارجية والإقليمية في غير مصالح مجتمعات وشعوب الشرق الأوسط، بل أن يجب تكون إرادة مجتمعاتنا وشعوبها حاضرة في أية علاقة مع الداخل والمحيط والخارج وهذا ما تتضمنه دبلوماسية الأمة الديمقراطية.