جاء إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه كصدمة سياسية إيجابية، يُفتح معها باب جديد للسلام في المنطقة المضطربة، وسط ترحيب يتواصل بها.

في خطوة غير مسبوقة، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) حل نفسه وإنهاء كافة أعماله المسلحة، بعد عقود من الصراع مع الدولة التركية، في مبادرة لافتة باتجاه إحلال السلام الدائم في المنطقة، واستجابة لنداء تاريخي أطلقه القائد عبدالله أوجلان، الذي لطالما دعا إلى تبني نهج السلام والحل السياسي، بديلاً عن لغة السلاح والعنف.
وقد لاقت هذه الخطوة ترحيباً واسعاً في الأوساط السياسية المصرية، حيث اعتبر عدد من القيادات الحزبية أن القرار يمثل لحظة تاريخية وتحولاً استراتيجياً في مسار القضية الكردية، ويعكس نضجاً سياسياً لدى قادة الحزب، الذين اختاروا الانحياز لخيار الحل السلمي، متجاوزين عقوداً من المواجهات والعنف.
إعلان تاريخي
في هذا السياق، رحب عاطف مغاوري رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب المصري بقرار حزب العمال الكردستاني، وقال إنها خطوة تأتي بعد عقود من الصراع والدماء التي أسقطت العديد من الضحايا، في إطار استجابة للمبادرة التي أطقلها في فبراير/شباط الماضي السيد عبدالله أوجلان، وفق تصريحه لوكالة فرات للأنباء (ANF).
وأضاف أن هذا يتطلب أن تكون هناك خطوة مقابلة من النظام التركي، تليق بما طرحه أوجلان وبخطوة الحزب “الكبيرة”، أي أن المقابل من النظام يجب أن يكون على قدر خطوة الحزب، ومن ثم لا بد أن المرحلة المقبلة تشهد اعترافاً بالحقوق السياسية والثقافية للإخوة الكرد في تركيا، محذراً من أن العودة مرة أخرى للصراع سيكون لها انعكاسات إقليمية خطيرة، خصوصاً على سوريا أو العراق.
ودعا مغاوري كذلك الدول التي صنفت حزب العمال الكردستاني من قبل على أنه تنظيم إرهابي أن تلغي هذا القرار، وعلى القوى المهيمنة على المشهد الدولي أن تسعى للقيام بذلك، وعليهم أن يلعبوا دوراً في تأمين هذا “الإعلان التاريخي” وعدم الانتكاسة أو العودة إلى الخلف مرة أخرى، وللحيلولة دون عودة هذا الصراع مرة أخرى مستقبلاً، لأنه إن حدث غير ذلك فسيكون صراعاً أكثر ضراوة.
وكان المفكر والمناضل عبدالله أوجلان دعا من محبسه في جزيرة إمرالي عبر أكثر من رسالة منذ عام 2013 إلى وقف إطلاق النار، والانخراط في مشروع ديمقراطي تعددي يضمن حقوق الشعب الكردي ضمن إطار وحدة الدولة، كما دعم خلال السنوات الأخيرة السير على نهج الأمة الديمقراطية، بعيداً عن منطق الحرب والانقسام.
وقد توّج القائد آبو نهجه هذا بنداء السلام والديمقراطية التاريخي الذي أطلقه في فبراير/شباط الماضي، عندما دعا حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح، وعقد مؤتمر عام لاتخاذ قرار بحل الحزب، وسط ترحيب إقليمي ودولي كبير، إلى أن وجدت دعوته تلك صداها على الأرض بإعلان الحزب أمس الأول حل هيكله التنظيمي ووقف كافة أنشطته.
خطوة مهمة
من جهته، أعرب حسن ترك رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي عن ترحيبه بخطوة حزب العمال الكردستاني، معتبراً أن من شأنها تعزيز جهود السلام ليس في الداخل التركي فقط، بل في المنطقة ككل، مشدداً على أن هذا القرار التاريخي يعد “تحكيماً لصوت العقل”، ويتماشى مع مرحلة جديدة يمكن للكرد أن يحصلوا بها على حقوقهم.
وأضاف السياسي المصري، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن التفاوض والعودة إلى المسار السياسي كان الأفضل، ويتماشى مع رغبات الشعوب التي عانت كثيراً من الحروب والصراعات، ومن ثم فنحن أمام خطوة يمكن وصفها بـ “الممتازة”، والتي من شأنها كذلك جذب مزيد من الأنصار والدعم للقضية الكردية، مثمناً إقدام الزعيم الكردي عبدالله أوجلان على مثل هذه المبادرة التي تأتي في إطار الاحتكام إلى العقل والنضج السياسي الكبير، ولهذا فإنه يجب الإثناء عليها.
ويأمل مراقبون أن يُمثل القرار نقطة بداية لمرحلة جديدة تُبنى على الاعتراف بالحقوق الكردية، وإدماجهم في الحياة السياسية والاجتماعية دون تهميش أو استهداف. كما يعوّل كثيرون على دور الأحزاب والمنظمات المدنية لدفع هذه الخطوة للأمام وضمان ألا تكون مجرد إعلان نظري، بل بداية فعلية لسلام دائم وعادل.
آفاق للتعايش السلمي
بدوره، يقول رامي زهدي مساعد رئيس حزب الوعي إن إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح، تطور بالغ الأهمية في المشهد الإقليمي، ويعكس تحولات استراتيجية في طبيعة الصراع الكردي التركي المستمر منذ عقود”، مضيفاً أن “الحزب، الذي ظل يُصنّف ضمن الجماعات المسلحة المصنفة إرهابية في عدد من الدول، يدخل الآن مرحلة جديدة، ويبدو أنها تستند إلى الواقعية السياسية أكثر من العقيدة الثورية، ويسمح بفتح آفاق للتعايش السياسي والمجتمعي الآمن”.
وأعرب زهدي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، عن قناعته أن هذا القرار يفتح الباب أمام فرصة تاريخية لحل سياسي شامل للقضية الكردية في تركيا، ويعزز من استقرار الداخل التركي، ويحد من الانعكاسات الأمنية على الجوار الإقليمي، لا سيما في العراق وسوريا، منوهاً إلى أن إنهاء العمل المسلح يعيد الاعتبار لأدوات النضال السلمي والمدني، بما يتماشى مع متغيرات الواقع الدولي.