الحدث – القاهرة – وليد الرمالي
القي السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
كلمة بمناسبة مرور 50 عام على تأسيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)
وكان نصها كالتالي
سعادة الأستاذ الدكتور محمد ولد أعمر
المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)
السيدات والسادة،
الحضور الكــــرام،
يسعدني ويشرفني أن أكون معكم اليوم في احتفالية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بمناسبة اليوبيل الذهبي للمنظمة، والذي يمثل احتفالاً بميلاد واحدة من أعرق منظمات العمل العربي المشترك، ومرور 50 عاماً من العمل الجاد للنهوض بالعمل العربي المشترك في مجالات التربية والتعليم والثقافة والتراث والعلوم والبحث العلمي.
واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أعبر عن تقديري العميق للدور الذي تقوم به (الألكسو) في خدمة الثقافة والتعليم في العالم العربي.. فالمنظمة هي بيت الخبرة العربي في مجال التربية والثقافة والعلوم.. وهي الذراع الفني لجامعة الدول العربية في هذا الخصوص.. ودورها في هذه المجالات مشهود ومتواصل لخمسين عاماً.. وسوف تواصل عطاءها لعقود قادمة بإذن الله.
السيدات والسادة،
الثقافة العربية ركيزة أساسية في مفهوم العروبة.. وهي القاعدة الحقيقية التي يستند إليها بنيانُ التعاون والتنسيق والتضامن العربي .. الثقافة هي العروة الوثقى الجامعة لأبناء أمتنا العربية.. وهي الحلقة الواصلة بين ماضي العرب وحاضرهم ومستقبلهم.
وليست الثقافةُ معطى جامداً.. أو حقيقة ثابتة لا تتغير أو تتطور.. بل هي كائن حي.. يؤثر ويتأثر.. ينمو ويتفاعل مع البيئة ومعطياتها المتغيرة.. والثقافات الحية هي تلك التي تستطيع التكيف مع المتغيرات.. بإعادة تجديد ذاتها.. وعدم النكوص عن مواجهة الواقع بتحولاته.. بل الاشتباك معه من موقع الثقة لا الخوف أو الجمود.
وقد كانت الثقافة العربية، في عصور الازدهار والتفوق الحضاري، تتعامل مع ذاتها وعالمها بمنطق الثقة هذا.. فتأخذ عن الآخرين وتهضم وتُعيد المزج والإنتاج والابداع.. وتُسهم في الحضارة العالمية بقدر ما تستفيد هي أيضاً من منتجات هذه الحضارة.. من دون شعور بالنقص في الأخذ.. أو المن في العطاء.
إن الناظر للثقافة العربية في مسيرتها الطويلة والغنية عبر القرون.. يُدرك أن أهم ما يُميزها هو تلك النظرة الإنسانية الرحبة.. فهي ثقافة جامعة.. تمنح المجال للجميع بأن يكون لهم دورٌ ونصيب.. المسلم وغير المسلم.. العربي والأعجمي.. تستوعب ولا تُقصي.. وتحتوي ثقافات الآخرين من دون اتباع أو إذعان.
وليست أزمة الثقافة العربية في زماننا الراهن سوى انعكاس لانحسار هذه النظرة الإنسانية المُتسامحة الواثقة.. وسيادة منطق آخر هو الإقصاء والانعزال.. ويعلمنا التاريخ أنه ما من حضارة انعزلت إلا انكفأت.. ثم انطفأت.
لقد شهدنا جميعاً كيف تآكل بعض مظاهر التسامح والانفتاح من الثقافة العربية.. وكيف تسللت إليها جرثومة التعصب والتطرف.. والاستعلاء على الآخر أو احتقاره ونبذه.. والاكتفاء بالذات والافتتان المرضي بها… وأثبتت تطورات العقد الماضي أن هذه الأمراض التي أصابت بعض أوجه ثقافتنا للأسف لها صلة وثيقة بما أصاب بعض مجتمعاتنا من نزاعات طائفية وعنف يرتدي عباءة الدين واحتراب بين أبناء الوطن الواحد.. إن قضية الثقافة -كما أراها- هي أولى قضايا الأمن القومي.. فثقافة الانغلاق والماضوية ورفض الآخر تُفضي حتماً إلى تفسخ المجتمعات وتناحر أبنائها، وانغماسهم في حروب طائفية ودينية مُدمرة.. أو أن تُصبح هذه المجتمعات مصانع تُفرخ الإرهابيين.
وطالما تحدثت -في أكثر من مناسبة- عن حاجتنا إلى تجديد الثقافة العربية.. تجديدٍ ينطلق من هويتنا ولا يتجاوزها أو يهمشها.. بل يُعيد صياغتها ويُجددها.. تجديدٍ يواكب ما يجري في الدنيا.. ويواجه أسئلة الحاضر بأدوات الحاضر وعقلية الحاضر.. وما زلتُ أرى أن هذه المنظمة.. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هي الأمينة على هذه المهمة الخطيرة والضرورية.. لأنها – بحكم التكوين والخبرة والكوادر الرائعة التي تضمها بين جنباتها – تظل الأقدر على إحياء تراثنا العربي على نحوٍ يخدم حاضرنا ولا يحول بيننا وبين مستقبلنا.. وهي أيضاً الأنجح في قراءة تطورات عالمنا المعاصر، وملاحقتها ومواكبتها.
إننا نفخر بالالكسو ونعتز بمنجزاتها واسهاماتها المستنيرة… ونتمنى لها، وقد مرَّ نصف قرن على إنشائها، الاستمرار في القيام بدورها الرائد في خدمة الثقافة العربية.. وفي النهوض بالتعليم في بلادنا العربية… من أجل جيل جديدة يؤمن بثقافته العربية ويعتز بانتمائه للإنسانية في آن معاً.