الخميس 28 نوفمبر 2024
القاهرة °C

كلمة السيد/ أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فــي افتتاح أعمال الدورة العادية 54 لمجلس وزراء الصحة العرب

الحدث – القاهرة

عبر تقنية الفيديو كونفرانس: 15 مارس 2021 ومشاركة

-معالي الدكتور فوزي المهدي وزير الصحة بالجمهورية التونسية-رئيس الدورة العادية 54 لمجلس وزراء الصحة العرب

-معالي الدكتورة هالة زايد-وزيرة الصحة والسكان بجمهورية مصر العربية-رئيسة المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب

أصحاب المعالي والسعادة،

يسعدني أن أكون معكم اليوم للمشاركة في اجتماع الدورة العادية (54) لمجلس وزراء الصحة العرب، والتي تنعقد لمواجهة الأعباء الصحية التي فرضتها جائحة كورونا على دولنا.. وتحديدا على أنظمتها الصحية… بالإضافة إلى تداعياتها علي كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والإنسانية غير المسبوقة.
لقد مرّ ما يزيد على عامٍ على قيام منظمة الصحة العالمية بإعلان كورونا جائحةً أو وباء عالمياً.. وقد تجاوزت عداد الوفيات عتبة 2.5 مليون إنسان.. والآثار المتشعبة لهذه الجائحة تكاد لا تستثني بلداً أو حتى إنساناً.. وكما هو الحال مع النوازل والملمات التي تقتضي من الإنسان وقفة لمراجعة حياته وأولوياته.. فإن الدول أيضاً ستنخرط في مراجعات لقائمة أولوياتها وطُرق أدائها لوظائفها.
والحقيقة لا يخلو تحدٍ من فرصة.. وظني أن الفرصة الكبرى التي ينطوي عليها وباء كورونا هي دفعنا جميعاً، كمجتمعات وحكومات، إلى مراجعة طرق تفكيرنا، واتخاذ الإجراءات المناسبة للتكيف مع هذا الواقع الجديد.. الذي يبدو لنا جميعاً أنه ليس واقعاً عابراً، أو أمراً طارئاً ولكنه سيصبح – في بعض جوانبه على الأقل كما يسمى بالانجليزية- New normal أي وضع جديد مستديم يتعين التعامل معه بوصفه كذلك.

إن العنوان الأهم للتغيير الجاري عالمياً يتمثل في مزيد من التركيز على تعزيز قدرات الحكومات على الصمود في مواجهة أزمات مركبة، وممتدة التأثير، حتى لو كان احتمال وقوع هذه الأزمات ضئيلاً.. لقد كشفت جائحة الكورونا عن الكلفة الإنسانية والاقتصادية العالية لمثل هذه الأزمات الخطيرة بما يُبرر حشد الموارد والإمكانيات في المستقبل للاستعداد لها، ذلك أنه مهما ارتفعت تكلفة تعزيز قدرات الدول في التعامل مع أزمات مستقبلية محتملة، فإنها لا تُقارن بتكلفة الأزمة حال وقوعها.
لقد صار واضحاً لدى الجميع أن الإنفاق على الصحة، وعلى الإمكانيات المادية والبشرية للقطاع الصحي.. هو أعلى استثمار يُمكن أن تقوم به دولة من حيث العائد المجتمعي، بل والاقتصادي على المدى الطويل.

لقد تابعنا جميعاً استجاباتٍ مختلفة لحكومات مختلفة عبر العام الماضي في التعامل مع الجائحة، صحياً ومجتمعياً واقتصادياً.. وظني أنه لا توجد حكومة تقريباً لم تُخطئ أو تتعرض للنقد في مرحلة من مراحل مواجهة الوباء.. بعض الحكومات كان انجح من البعض الآخر من دون شك.. ولكن حتى الحكومات التي نجحت في البداية تعثرت عند مرحلة ما.. وبعض الحكومات أخطأت في التعامل الأوليّ، ثم ما لبثت أن صححت المسار لاحقاً.
وهنا، فمن المهم أن تستقي الحكومات العربية الدروس  وتصل لخلاصاتها الخاصة.. من دون تهاون مفرط من ناحية، أو إغراق غير مبرر في جلد الذات من ناحية أخرى.. فالعالم كله واجه خطراً لم يكن مستعداً له.. والجميع جرب وأخطأ وأصاب وأعاد التقييم.

وبوجهٍ عام.. فإن حال المنطقة العربية يظل أفضل من غيرها.. والاستجابات الحكومية اتسمت بقدر عالٍ من المسئولية والحسم.. وإننا نغتنم هذه الفرصة لتوجيه الشكر والتحية لجميع الأطقم الطبية الذين يعملون على الخطوط الأولى في البلدان العربية.. والذين بذلوا الوقت والجهد والعرق، بل والحياة نفسها في بعض الحالات، لكي يساعدوا المجتمع على تجاوز هذا الخطر الداهم.

السيدات والسادة..

لقد صار واضحاً أن الاجتثاث الكامل لفيروس كورونا لن يكون ممكناً في الأجل المنظور.. وإنه سيكون علينا في المستقبل التأقلم مع قدر من التعايش مع هذا الفيروس وما يفرضه من تغير في النظم الحياتية.. وفي العادات الصحية والاجتماعية.

إن العالم يعبر في هذه الآونة إلى المرحلة الثانية في التعامل مع الوباء باحتوائه وتطويقه من خلال الأمصال واللقاحات.. وهي مرحلة دقيقة وحاسمة حتى بالنسبة للمجتمعات التي لا تشهد نسباً عالية من الإصابة أو الوفاة.. لأن اللقاحات تُمثل السبيل الأقصر إلى إعادة النشاط الاقتصادي وفتح الحدود.. ويقتضي ذلك من الحكومات العربية، والقطاعات الصحية العمل بصورة حثيثة ومتواصلة من أجل تأمين وصول اللقاحات إلى أكبر عددٍ من السكان، في أقصر مدي زمني ممكن.. وهو تحدٍ كبير، ويقتضي استجابة على قدره.

لقد رأينا أن بعض الكتل الإقليمية -مثل الاتحاد الأوروبي- تُحرز نجاحاً في إجراءات الحصول على اللقاحات من خلال إجراءات تكاملية وتنسيقية.. وهو أمرٌ أتصور أن مجلسكم الموقر سيُعنى به ويلتفت إليه.. إن التكامل الإقليمي في السياسات الصحية يُمثل عنواناً مهماً في السنوات القادمة.. إذ ثبت أن لا دولةَ قادرة على مواجهة التحدي الذي تمثله الجائحة بمفردها.. الأمر الذي يقتضي تفكيراً إبداعياً في مجال التكامل في السياسات الصحية العربية.. بداية من نظم الإنذار المبكر وتبادل المعلومات، ونقل الخبرات وأفضل الممارسات، وليس انتهاء بتنسيق السياسات الدوائية، انتاجاً واستثماراً وتفاوضاً مع الشركات العالمية.

وفي هذا السياق، أود إحاطتكم علما أنه خلال اجتماع  مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري الذي انعقد حضوريا بداية هذا الشهر.. تحدث بعض الوزراء عن الرغبة في وضع استراتيجية عربية للحصول على لقاحات كورونا لدعم وتوحيد الجهود المبذولة لضمان التوفير والتوزيع العادل للقاحات على الدول العربية.. ونظراً لأهمية الموضوع فقد ترون اتخاذ الإجراءات المناسبة للعمل على صياغة هذه الاستراتيجية الهامة التي ستتولى الأمانة الفنية للمجلس الموقر متابعة إعدادها بالتنسيق والتعاون مع وزارات الصحة.

السيدات والسادة،
إنني أغتنم هذه المناسبة للترحيب بقرار مجلس الامن الذي اعتمد بالإجماع حول الاتاحة العادلة للقاحات في مناطق الصراع… ونؤكد هنا على أن مكافحة فيروس كورونا تقتضي توحيد الجهود الدولية والإقليمية والانصاف في توزيع اللقاحات حول العالم.. فلا يُمكن ان يُهزم فيروس كورونا في أي مكان من دون أن يُهزم في كل مكان.
وفي هذا السياق، فإنني أثمن ما يجري من تنسيق بين الجهود العربية ومثيلتها على الصعيد الدولي في المجالات الصحية… خاصة مع كلٍ من الجانبين الصيني والأمريكي… وأيضا مع الجانب الأوروبي.
لقد تابعت نتائج الاجتماع المشترك الأول الذي انعقد في فبراير الماضي بين اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية.. ونأمل في أن يحقق هذا التعاون استفادةً أكبر من الخبرات الأمريكية في المجالات الصحية وتوفير الأمصال واللقاحات ونقل التكنولوجيا المتطورة في الصناعات الدوائية.
كما أتمنى التوفيق والنجاح لأعمال الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي الصيني في المجال الصحي لعام 2021، والتي ستستضيفها جمهورية مصر العربية.
اسمحوا لي في الختام أن أتقدم لمعاليكم وللسادة الوزراء الجدد الذين يشاركون في اجتماعات مجلسكم الموقر لأول مرة بالتحية والتقدير.. إننا نشد على أياديكم جميعاً.. ونُقدر جهودكم.. ونتمنى لكم ولأعمال مجلسكم الموقر كل التوفيق والنجاح. وأخص بالشكر والتقدير السيدة فائقة الصالح وزير الصحة بمملكة البحرين ورئيسة المجلس في دورته السابقة  والتي عملت باجتهاد ووفاء لصالح الشعوب العربية.
شكراً لكم

to top