رستم عبدو –
“وما المركز الديني خراب رشكي- كوبكلي تبه، سوى كعبة عصره, تقصده القبائل التي تعيش الاستقرار والترحال بنحو متداخل منذ آلاف السنين… إننا نتعرف هنا على وجود ثقافة وطيدة تكونت قبل الحضارة السومرية المدنية بآلاف السنين. كما وتواجهنا في الحجار المنتصبة هناك أمثلة الكتابة الأسبق ظهوراً من أولى حروف الكتابة الهيروغليفية. إن نحت تلك الحجارة قبل اثنتي عشرة ألف عام، وتحويلها إلى كتابة شبيهة باللغة الهيروغليفية الرمزية، يعد مرحلة تاريخية نفيسة”.
هذه الكلمات التي جاءت على لسان عبد الله أوجلان بخصوص موقع «خراب رشكي- كوبكلي تبه» في كتابه مانيفستو الحضارة الديمقراطية- المجلد الخامس, دفعتني إلى اجراء دراسة صغيرة حول هذا الموقع وذلك بالرجوع إلى تقارير ومقالات البعثة الألمانية والباحثين العاملين هناك وربطها بما ورد في مجلدات مانيفستو الحضارة الديمقراطية لأصل إلى النتيجة التالية:
يقع كوبكلي تبه أو خراب رشكي جنوب شرق الأناضول ضمن أراضي ميزوبوتاميا العليا، في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، على الأطراف الشمالية لهضبة حرّان. ويبعد عن مدينة أورفا2 حوالي 18كم شمال شرقاً.
يعد كوبكلي تبه أحد المواقع النيوليتية الأكثر سحراً في الشرق الأدنى والعالم، حيث الهلال الخصيب – البقعة الأكثر ملائمة للقيام بالزراعة وتدجين الحيوان بسبب ظروفها المناخية المناسبة وخصوبة أراضيها وكثرة أنهارها وينابيعها وتنوع غطائها النباتي، إذ كانت شاهدة على استيطان النوع البشري الأول منذ مئات آلاف السنين – كما يعد كوبكلي تبه موطناً لأقدم المراكز الدينية والروحية (المعابد) في الشرق القديم والعالم(Debertolis et al., 2017) وأول معبد بُني في آسيا (Kurt and Göler, 2017)؛ ومركزاً لأقدم قبيلة أو عشيرة (اوجلان 2014: 84) ويذهب بعض الباحثين إلى اعتباره أول جامعة فلكية في التاريخ(Elke, 2015) بسبب طبيعة البناء الدائري والأعمدة المركزية فيها وكذلك الرسوم الحيوانية المدونة على هذه الأعمدة التي تمثل الأبراج والكواكب والنجوم, كذلك يعد من أوائل المواقع التي حصل فيها الانتقال من حياة التنقل والصيد والالتقاط إلى حياة الاستقرار والزراعة والعناية بالحيوانات وتربيتها، أي من مرحلة جمع القوت إلى مرحلة إنتاج الطعام.
تبلغ المساحة الإجمالية للموقع حوالي 9 هكتارات (طول 300م وعرض 250)،(صورة .1) ويرتفع عن سطح الهضبة المحيطة بها حوالي 15م، اكتشف الموقع عام 1963م، خلال المسح الأثري الذي قامت به جامعة أمريكية بالتنسيق مع جامعة استنبول, حيث أصدرت أولى التفاصيل أو النتائج بخصوص الموقع عام 1980م.
بدأت التنقيبات النظامية في الموقع عام 1995م، من قبل معهد الآثار الألمانية DIA بالتعاون مع المتحف الأثري في شانلي أورفا بإدارة الباحث كلاوس شميدت Klaus Schmidt.
استوطِن الموقع خلال الألفين العاشر والتاسع قبل الميلاد(“The Tepe Telegrams,” 2018), من قبل مجموعات بدائية صغيرة قادمة من جبال كردستان (جنوب شرق تركيا الحالية), حيث قوس الهلال الخصيب المتمثل بسلاسل جبال طوروس وزاغروس التي وصفها أوجلان “بالعش المهيأ لفقس وتفريخ التطور الحضاري في تاريخ البشرية”، كما وصف شعوبها ” بالعابرين المقدسين على دروب الآلهة المتربعة على عروشها في قمم تلك الجبال الشاهقة ” ( أوجلان 2014: 28), وكانوا ينتمون إلى ثقافات متعددة من مجتمع الصيادين المتواجدة في غرب آسيا (Colins, 2014).
-روناهي