جوتيار تمر
لقد وضع انتشار فيروس كورونا الجديد أو الحديث (COVID-19) العالم في مختلف أنحائه في موقف لا يحسد عليه، وعلى الرغم من ان الفيروس كما تصفه المواقع المختصة بالصحة بأنه يتكون في الاصل من مجموعة كبيرة من الفيروسات التي يمكن ان تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء، حيث تسبب أمراض الجهاز التنفسي سواء الخفيفة منها مثل نزلات البرد او الشديدة مثل الالتهاب الرئوي، الا انها في الاصل قد امتداد طبيعي لطبيعة الامراض الاخرى التي سبق وان وانتشرت في العالم بصورة عامة ، الانفلونزا الاسبانية 1918، الانفلونزا الاسيوية 1975، وانفلونزا الخنازير 2009، ولكن فيما يخص كورونا ففي الفترة بين 2002-2003 ظهر فيروس سارس ( المتلازمة التنفسية الوخيمة) والذي كان مثالاً على فايروس كورونا الذي انتقل من الحيوانات إلى البشر، كما ظهرت في الشرق الأوسط في عام 2012 سلالة اخرى بارزة واحدث من فيروس كورونا تسمى MERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، والتي بحسب المختصين أنها انتقلت من ” جمل ” إلى إنسان وانتشرت بعدها بين البشر.
ولان كورونا أصبحت مهددة لغالبية دول العالم فيما يتعلق بالعدوى، فقط أطلق عليها جائحة فيروس كورونا، والجائحة تعني وباء ينتشر على نطاق شديد الاتساع يتجاوز الحدود الدولية، ومنظمة الصحة العالمية قسمت حدوث الجوانح إلى ستة مراحل، تبدأ مع فيروس يصاب به على الأغلب الحيوانات، ثم حالات قلة لانتقال العدوى إلى الإنسان، ثم مرحلة انتقال المرض بين البشر من فرد لآخر مباشرة، فيتحول الى جانحة مع انتشاره عالميا و ضعف القدرة على السيطرة عليه، ولا يصنف مرض ما على أنه جانحة بسبب انتشاره الواسع وقتله للعديد من الافراد، انما لابد ان يكون معديا ويمكن انتقاله من شخص لآخر ، و جانحة كورونا اعتبر جانحة عالمية لكونه جارية لمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد – 19) والذي يحدث بسبب كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة، وكما هو معلوم اكتشف المرض في ديسمبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين وصنفه منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020 جانحة، ويعتقد بأن الفيروس نشأ لدى الحيوانات البرية وانتقل إلى البشر من خلال الاختلاط بالحيوانات المصابة، وبدأ ظهور الحالات المصابة في الدول الأخرى بسبب نقل الفيروس من خلال السفر، والمتتبع للأحداث سيجد أنه بعد ظهوره في الصين لاسيما في مقاطعتي ووهان وهوبي، فإن معدل انتشار المرض اظهر لامبالاة الدول الاخرى، وعدم جاهزية الإنسان لتقبل مثل ذلك الوباء على الصعيدين الوعي والصحة معاً، فمن 13 يناير / كانون الثاني إلى 31 يناير انتقل الفيروس إلى 25 دولة في كل من قارة اسيا واوربا وامريكا، وأصبح الفيروس يهدد العالم في جميع البلدان والأماكن، وبحسب المنظمة العالمية للصحة أن سرعة انتشار الفيروس كان مرتفعا جداً بحيث أثار قلق العالم باجمعه.
والغريب في الأمر أن كل الجهود التي بذلت من أجل توعية الناس بخطورة الفيروس استقبلت باللامبالاة في البداية وحين باتت تلك الدول وشعوبها تحت مقصلة الفيروس اصبحت تترنح بين الاسى واطلاق الحملات الدعائية من اجل الزام الناس بالبقاء في بيوتهم وعدم الاختلاط وعدم المصافحة والحذر من التجمعات ومن الأشخاص الذي تظهر عليهم بعض الأعراض كالكحة والحمى ومشكلات التنفس، وغيرها من الأعراض حيث باتت الإعلانات منتشرة بشكل واسع في جميع وسائل الإعلام المرئية وحتى السمعية حيث باتت تركز على بث النصائح والتعليمات والإجراءات اللازمة اتباعها للحد من الإصابة بالفيروس.
ونحن في اقليم كوردستان العراق وفي العراق بصورة عامة، وقعنا تحت مقصلة اللامبالاة الايرانية، التي اخفت عن وسائل الاعلام اصابة العديد من الأشخاص في ” قُم ” والتي تحولت بين عشية وضحاها الى مصدر أساسي لتصدير الفيروس الى كل من الإقليم وبغداد، لان الاقليم كان يعتمد تجاريا واقتصاديا وحتى صحياً على كل من إيران وتركيا بالدرجة الاساس، فقط تعرض الكثيرين ممن كانوا في ايران للاغراض المذكورة سابقاً للفيروس دون علمهم، وعادوا الى الاقليم والى بغداد وما لبثت ايران ان اعلنت عن الإصابات في غالبية مدنها، وبذلك تحول الأمر إلى صراع ومعركة لا نهاية لها ضد تفشي الفيروس بين الناس، ولذلك نجد تصاعدا رهيبا للاصابات في كل من الإقليم لاسيما في السليمانية المتاخمة لإيران وصاحبة المعبر الرئيسي معها، فضلا عن الزوار الذين يتوافدون على بغداد والنجف وكربلاء من اجل اقامة الشعائر الدينية.
ومن خلال تتبع تزايد أعداد الإصابات يمكن التوقف على عدة ملاحظات، منها أنه على الرغم من كل الاجراءات الحكومية في الاقليم مثلا للحد من انتشار الفيروس ولتوعية الناس بخطورة الأمر ” حيث قامت بغلق المعابر الحدودية مع ايران، وتدريجيا أوقفت رحلات الطيران مع غالبية الدول المصابة ، ومن ثم علقت نهائيا، كما أغلقت المعابر مع بغداد وسوريا وتركيا، واغلقت المدارس والجوامع والكنائس والمعابد ومنعت التجمعات الكبيرة والغت الحفلات والتعازي، والغت الاحتفالات برأس السنة الكردية ” نوروز ” ومن ثم قررت منع التجوال بين المدن، ومن ثم بين الاقضية ومراكز المدن، ومن ثم داخل المدن والاقضية، وأطلقت حملة دعائية قوية في جميع الوسائل الاعلامية كما ان سيارات الشرطة جابت الشوارع والمحلات لتوعية الناس بعدم الخروج الا للضرورة القصوى، والبقاء في البيوت، وظهر رئيس الوزراء ورئيس الاقليم ووزير الصحة والداخلية في أكثر من مرة على الشبكات الفضائية وطالبوا الناس بالالتزام بالتعليمات واتباع الإجراءات الوقائية اللازمة .
وان اللامبالاة ستعرض الناس للخطر..”، إلا أنه من الغريب جدا أن قلة الوعي وصل بالكثيرين الى حد المتاجرة بأرواح الناس من خلال إدخال البعض بصورة غير قانونية الى الاقليم وحين بدأ هؤلاء بالاختلاط بعوائلهم وبالناس فتحوا ممراً للفيروس الى داخل المدن الكردية، ناهيك عن اشخاص اخرين استغلوا موقعهم الإداري واستطاعوا تجاوز الفحوصات وباتوا يشكلون تهديداً خطيراًوحقيقياً على المجتمع بصورة عامة.. وبذلك اثبت هؤلاء انهم لاينتمون الى البشر وانهم اشبه بآفات معدية داخل الافة نفسها، اي وباء داخل وباء، والملاحظ أنهم لم يستوعبوا خطورة الأمر وبدا الاستهتار واضحا من افعالهم واقوالهم، وتصرفاتهم حيث أجبروا الحكومة على اتباع إجراءات صارمة تجاههم، ومن غرائب الدلائل التي أظهرت انعدام الوعي لدى البعض أنهم جاؤوا من إيران ولم يعرضوا انفسهم للفحوصات وذهبوا بين عوائلهم واختلطوا مع الناس وكأن شيئاً لم يحدث، هذا الأمر خلق تذمرا واضحا بين العديد من الفئات داخل المجتمع، وكذلك شكل تهديداً لإجراءات الحكومة الحازمة تجاه خطر تفشي الفيروس، وبالتالي تحولت مدننا في الإقليم من حالة الاحتراز والاحتياط الى مرحلة المواجهة ، ليس فقط مع المسافرين العائدين من إيران والدول الاخرى المصابة مثل ألمانيا كما حدث مع الحالة الوحيدة التي ظهرت في ” دهوك ” باعتبار أنها نقلت من ألمانيا من قبل شخص لا واعي لامبالي غير مسؤول ومتهور ومستهتر، وفي باقي المدن كانت اغلبها من ايران ومن ثم انتقلت من الشخص لأفراد عائلته وبذلك تفشى المرض.
أما في بغداد فالامر اشبه بمعركة مذهبية فعلى الرغم من القرارات التي صدرت من قبل الحكومة بمنع التجوال وكذلك اغلاق الجامعات والمدارس والمساجد ومنع التجمعات العامة والاختلاط المباشر وفرض حظر التجوال، إلا أن قرارات الحكومة اصطدمت ببعض اللامباليين وبعض ناقصي الوعي حيث قاموا بتأسيس القرارات وجعلوها في إطار مذهبي ، وتحدوا تلك القرارات من خلال استمرار وفود الزوار على المراقد الشيعية بالذات في كل من بغداد والنجف وكربلاء، ناهيك عن الحالات الاخرى من خلال تهريب الناس من الحدود داخل المدن العراقية والتي أدت إلى تفشي المرض في جميع مدن العراق الا ما ندر، والغريب في الأمر أنه مازال هناك من ينظر الى الأمر بابنه مؤامرة من قبل الدول الغربية لفرض هيمنتها على العراق،وعلى موارد العراق والى غير ذلك من الأمور التي تنم عن قلة وعي من حيث هو وعي وقلة الوعي الصحي لدى هؤلاء، فضلاً عن الصيحات التي تطلق بين الفينة والاخرى من قبل سياسيين تابعين لإيران فكرياً ومذهبيا ًومصلحوياً بعدم إغلاق المنافذ مع إيران وزوارها.
لقد اثبت فيروس كورونا ان العقل البشري مازال يحتاج الى صدمات اقوى كي يستفيق من غيبوبته، تلك الغيبوبة التي ادخل فيها جراء التصارع بين الجهل واللامبالاة، والتي نتج عنها شعباً مستهتراً بالعلم والوقائع والإحصائيات والمقابر،فتحولوا من بشر إلى آفات بشر، كل ما يملكون هو العودة إلى أمجاد الماضي والتي هي بنظر التاريخ والواقع الإنساني ليست إلا رخام ممتزج بأقدام لا تنتمي إلى قوم واحد، إنما هي وليدة أقوام تشاركوا الأرض والأنهار والحدود، ولكن مع ذلك لم يزل هؤلاء الجاهلين المستهترين بالارواح يملؤون رؤوس العامة البسطاء بتلك الترنيمات الكاذبة التي لا تقيهم من الأوبئة وآخر تلك الأوبئة ” فيروس كورونا ” ، والذي يتابع شبكات التواصل الاجتماعي سيجد ضالته من الظلالة التي يقومون بنشرها بشكل يتعدى المنطق والعقل البشري الواعي.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت