الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

كيف أَذَلَّ كورونا “نظام التفاهة” الرأسمالي؟

فيروس متحول من سلسلة الفيروسات التاجية التي تعتبر من أضعف الفيروسات الموجودة، ضرب بيد من حديد البنية الاقتصادية والاجتماعية للأنظمة الرأسمالية، وأظهر مدى غفلتهم في مواجهة الخطر الحقيقي الذي يهددهم.

الفيلسوف الكندي آلان دونو، هو دكتور في الفلسفة بجامعة كيبيك الكندية؛ أَلَّفَ كتاباً بعنوان “نظام التفاهة”، يتحدث فيه عن النظام العالمي السائد الغير آبه بمصائر الشعوب ويصف في كتابه، القوى السياسية الحاكمة بـ “القوى السياسية التي تجمع ما بين التفاهة والكليبتوقراطية”.

ويعني مصطلح الكليبتوقراطية، حكم اللصوص المتنفذين المتغلغلين في مؤسسات الدولة، الذين يكونون شبكاتهم ومؤسساتهم التي تهدد وجود الدولة الفعلي وتماسكها العضوي الوحدوي.

ومصطلح “نظام التفاهة” كما يشرحه المؤلف، هو جوهر أنظمة الاستبداد العسكرية والأيديو دينية، وتدين بالوجود والامتداد لثقافة الاستهلاك التي تدعمها الليبرالية المتوحشة، والتي تتفوق على كل الأجهزة الحاكمة، فالمديوقراطية “mediocratie ” أي  حكم التافهين هو الذي يتزعم الموقف، ويقود المجتمعات نحو هاوية السطحية والضحالة واللا معنى.

إذ كتبت الدكتورة مشاعل الهاجري في مقدمة الكتاب “ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافهٍ آخر. معاً، يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كلٌّ منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع. ما يهمّ هنا لا يتعلق بتجنّب الغباء، وإنما بالحرص على إحاطته بصور السّلطة“.

كما تشرح الدكتورة مشاعل الهاجري مصطلح ” المديوقراطية” بأنها كلمة جديدة على القاموس الفلسفي نسبياً، فلم تظهر إلا حوالي عام 1825، وهي تعني النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المُسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين، أو الذي تتمّ فيه مكافأة التفاهة والرداءة عوضاً عن الجدية والجودة… وبشكل عام “نظام التفاهة” مجرد مقاربة تتعلق بوصف نظام اجتماعي يراد نصبه كنموذج، كما هي الحال مع الديمقراطية والتكنوقراطية مثلا“.

يرى مؤلف الكتاب الفيلسوف آلان دونو أن نظام السوق هو السائد والمتحكم الآن، وكل ذلك يتم تحت عنوان ” الحوكمة ” التي تحاول إفراغ مفهوم السياسة من قيم مرتبطة بأفكار الحق والواجب والعمل والالتزام والصالح العام، واستبدالها بمفاهيم الإدارة والشراكة والخصخصة وتحقيق الربح، ومن ثم تتحول الدولة إلى محض شركة تجارية، فمنطق الحوكمة الصرف، يقرّر أن “الكل يجب أن يتكيّف فيصبح تابعا لمنهج الأعمال التجارية”.

كما يوجه الكاتب نقداً قاسياً إلى ما بات يعرف بالنخبة أو التكنوقراط الذي يصفهم بـ “الخبراء المنقذون”، ويعتبر مهمتهم تثيبت دعائم النظام الرأسمالي المحكوم من قبل الأقلية المسيطرة على الاقتصاد السياسة، إذ يقول ” مَنْ هم في مواقع السلطة يبحثون عن الإنسان التافه الذي فقط من خلاله يستطيعون نقل تعليماتهم، بما يسمح لترسيخ نظامهم”.

ويضيف أيضاً ” كلما تراجعت الأوليغارشية إلى عاداتها السيئة مثل “الفساد، التدليس، التفاهة” سارع الخبراء المعاونين مع السلطة الذين يتقاضون منها رواتبهم، إلى إنقاذها“.

وبحسب وجهة نظر دونو، فرض نظام التفاهة سيطرته على المشهد الثقافي أيضاً، حيث يقول ” يقدم نفسه كجهاز رسمي ورمزي، يقود الناس المرؤوسين والمُسيطر عليهم من قبل النُّظُم الليبرالية إلى تحويل طاقاتهم الروحية باتجاه دعم هيكل اجتماعي مصمم ومنفّذ من قبل الطّبقة المسيطِرة“.

ويقول الفيسلوف الكندي دونو ” أن الديمقراطية لم تعد مهددة، بل جميع التهديدات تمت تنفيذها فعلياً؛ نستطيع الحديث اليوم عن البلوتوقراطية ( حكم الأثرياء) أو الأوليغارشية ولكن لا يمكن الحديث اليوم عن الديمقراطية.”

وبالنظر إلى الوضع الذي تعيشه الأنظمة الحاكمة في أوروبا وأمريكا، في ظل خطر انتشار هذا الفيروس؛ يمكن القول أن هذا الفيروس الذي ذَلَّ كبرياء الأنظمة الشمولية والديمقراطية والاقتصاديات العالمية، قد يكون بوابة لإعادة التفكير في المدخلات التي أنتجت نظام التفاهة.

حيث وجهت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية سؤلاً إلى اثني عشر خبيراً ومختصاً في العلاقات الدولية؛ كيف سيكون العالم بعد زوال خطر فيروس كورونا المستجد (Covid-19

حيث انحصرت الأجوبة في دائرة صعود الشعبوية، والعودة إلى مركزية الدولة واحتمالية ضعف العولمة، واحتمالية صعود النموذج الصيني وزيادة التنافس الاقتصادي بين الصين وأميركا، والتنبؤ بأزمة تهدد الاقتصادي العالمي؛  في حين لم يتنبأ لنا أحد باحتمالية إعادة التفكير بالقيم التي أنتجتها الرأسمالية.

فهذا الفيروس الذي ذل كبرياء الأنظمة الشمولية والديمقراطية والاقتصاديات العالمية، قد يكون بوابة لإعادة التفكير في المدخلات التي أنتجت نظام التفاهة، إذ تعلمنا من التاريخ أن العالم والأفكار لا يتغيران إلا بعد أن تقع الكارثة. أو يبقى سؤالنا كما ذكره الفيلسوف الفرنسي ألبير كامر في الصفحات الأخيرة من رواية الطاعون: “إذا كان ممكنا التفكير بأن الطاعون لن يغير شيئا في المدينة، وأن كل شيء سيعود كما كان من قبل، أي كما لو أن شيئا لم يحدث… إن ما كان يعنيه، هو أن يعرف إذا كان النظام نفسه لن يتغير”.

 

المصدر: الحرة… بتصرف

to top