أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا في 13 كانون الثاني/يناير 2020م، تحت الرقم A/HRC/43/CRP.6، تقريراً مفصلاً عن أوضاع الأطفال السوريين؛ والذي بدأ بموجز ومقدمة عن معاناتهم والانتهاكات التي استهدفتهم خلال الفترة من عام 2011 إلى تشرين الثاني/أكتوبر 2019، وفي بند «القانون المنطبق» يوضح التقرير القوانين والاتفاقيات والقرارات التي يتوجب الالتزام بها أثناء الأزمات والحروب في التعامل مع الأطفال، مثل «القانون الدولي لحقوق الإنسان، القانون الدولي الإنساني، اتفاقية حقوق الطفل، القانون الجنائي الدولي، قراري مجلس الأمن 1261(1999) و 1325 (2000)»؛ كما عرض التقرير انتهاكات حقوق الأطفال تحت عناوين فرعية (قتل وإصابة الأطفال، تجنيد واستخدام الأطفال في الأعمال القتالية، الهجوم على التعليم، الأطفال في الاحتجاز، العنف الجنسي ضد الأطفال) وسرد وقائع وأحداث حقيقية ووضعها في سياقها وقيَّمها؛ وفي بندٍ بعنوان «تأثير النزاع على الأطفال» يوضح التقرير مدى تأثير الظروف القاسية وتغيرات الوقائع الميدانية والدمار والتشرد على سلوك الأطفال ونفسيتهم وشخصيتهم وتعليمهم وصحتهم، واستمرار المعاناة في ظل تحديات عديدة تعترض العودة المستدامة للمشردين داخلياً واللاجئين، وخلص التقرير إلى استنتاجات مهمة:
يظل الأطفال في سوريا معرضين بصورة حادة للعنف والاعتداء، ويستمر حرمانهم من الحماية التي يستحقونها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتعرَّض الأطفال السوريون للقتل والتشويه نتيجة الهجمات على المدنيين والهجمات العشوائية واستخدام الأساليب التي لا تتفق مع مصالح الطفل الفضلى، مثل أساليب الحصار.
وفي العديد من الهجمات الجوية والبرية استهدفت القوات الحكومية المدارس وتسببت في دمار واسع الانتشار في المؤسسات التعليمية، وبالتالي ارتكبت جريمة الحرب المتمثلة في تعمُّد استهداف أعيان مدنية وتعمُّد الهجوم على المدنيين.
وقامت القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها، من خلال عمليات واسعة ومنهجية من الاعتقال والاحتجاز تستهدف المدنيين الذين يعتبرون بصورة عامة من مؤيدي مجموعات المعارضة، باحتجاز الأطفال واخضاعهم للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي.
وهذه الأفعال، تبلغ حد جرائم الحرب المتمثلة في القتل والمعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي والاعتداء على الكرامة الشخصية. وتُشكل هذه الأعمال جرائم ضد الإنسانية أو غير ذلك من الحرمان الشديد من الحرية البدنية انتهاكاً للقواعد الأساسية للقانون الدولي، والاختفاء القسري والأفعال اللاإنسانية الأخرى.
وارتكبت القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضد الفتيات والأولاد معاً. تُشكل هي الأخرى جريمة حرب، بما في ذلك التعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية. وبالإضافة إلى ذلك، تبلغ هذه الأعمال حد الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان…
وقد تم تجنيد الأطفال واستخدامهم للمشاركة بنشاط في الأعمال القتالية. وكانت القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها مسؤولة عن استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في الأعمال القتالية، وهو ما قوَّض من حمايتهم في النزاع المسلح وعرضهم لمزيد من المخاطر على حياتهم. وقامت المجموعات المسلحة بتجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة واستخدامهم في الأعمال القتالية، مما عرضهم لمخاطر إضافية على حياتهم. وعندما يكون هؤلاء الأطفال دون سن الخامسة عشرة فإن من يقوم بتجنيدهم إلزامياً أو طوعياً، أو يستخدمهم للمشاركة فعلياً في أعمال القتال قد يكون مسؤولاً بصفته الشخصية عن جرائم حرب بموجب القانون الجنائي الدولي.
وشنت المجموعات المسلحة أيضاً هجمات ضد المدنيين، كانت عشوائية بطابعها في كثير من الأحيان، وبذلك ارتكبت جريمة الحرب المتمثلة في شن هجمات
عشوائية أسفرت عن وفاة أو إصابة المدنيين. وكانت الهجمات على المدارس واستخدام المرافق التعليمية بمعرفة المجموعات المسلحة يمثل خطراً آخر على حياة الأطفال ويعرقل فرص الوصول إلى التعليم أمام عشرات الأطفال الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وكانت المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة، أثناء احتجازها للأطفال، مسؤولة عن التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة. وعندما تُرتكب هذه الأعمال في سياق نزاع مسلح غير دولي فإنها تُشكل جرائم حرب تتمثل في الاختطاف والمعاملة القاسية والتعذيب.
و بارتكاب الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي فإن المجموعات المسلحة تكون قد ارتكبت جرائم حرب تتمثل في الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، بما في ذلك التعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية. وتنتهك هذه الأفعال القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية وأمن الشخصي والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. ويمكن أيضاً أن يبلغ الزواج القسري حد الجرائم ضد الإنسانية.
وعانت الفتيات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين من هيئة تحرير الشام من أضرار نفسية شديدة بسبب تقييد حركتهن وقواعد الملبس الدينية التي فرضتها هذه المجموعة. وكانت الفتاوى الصادرة رسمياً إلى السكان الذين يعيشون تحت سيطرة هيئة تحرير الشام تؤثر تأثيراً غير متناسب على المراهقات وأثبتت المعاملة التمييزية على أساس الجنس، مما يمثل خرقاً للقواعد الدولية الأساسية لحقوق الإنسان.
وفي الفترة بين 2013 و2016، قام الإرهابيون من تنظيم الدولة بإعدام أطفال في الساحات العامة وبذلك ارتكبوا جريمة الحرب المتمثلة في القتل. وأرغم تنظيم الدولة الفتيات من سن لا تزيد عن الرابعة عشرة على الزواج من مقاتلي المجموعة. ويُشكل الزواج القسري عنفاً جنسياً ويبلغ حد جرائم الحرب المتمثلة في المعاملة القاسية كما يبلغ حد الاغتصاب في حالات كثيرة. وعندما ترتكب هذه الجريمة في إطار هجوم واسع أو منهجي ضد المدنيين، فإن الزواج القسري قد يبلغ أيضاً حد الجريمة ضد الإنسانية. وتُشكل هذه الأعمال أيضاً اعتداءات خطيرة على حقوق الإنسان الدولية للنساء والفتيات بما في ذلك الحق في حرية اختيار الزوج وعدم عقد القران إلاّ برضائهن الحر والكامل.
وقد سبق للجنة أن أبلغت عن نقل الفتيات والنساء الأيزيديات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة في الجمهورية العربية السورية. ولم يسمح تنظيم الدولة لأعضائه الذين ”يملكون“ الأيزيديات ببيع الأطفال الأيزيديين بصورة منفصلة. وتغيَّرت هذه القاعدة في منتصف عام 2016 وكان من نتيجة ذلك فصل الأطفال عن أمهاتهم وبعد ذلك بدأ بيع صغار الأولاد للعمل كخدم في البيوت، وبيع الفتيات في سن لا تزيد عن التاسعة كرقيق جنسي. وأُعطيت أسماء إسلامية لهؤلاء الأطفال في كثير من الحالات. ولا يزال التعرف على أصولهم يمثل مشكلة.
وختمت اللجنة تقريرها بتوصيات إلى أطراف النزاع والحكومة السورية، وتدعوها للالتزام بمقررات القانون الدولي حيال الأطفال، ومنح الحماية الواجبة لهم، وضمان مصالحهم وحقوقهم، والتوقف عن تجنيدهم، وتأمين الرعاية الصحية لهم، وتحديد الأطفال الذين ولدوا في أماكن الاحتجاز والمحرومين من الحرية وتجميعهم مع أمهاتهم وتزويدهم بالوثائق، وتحديد المسؤولين عن سوء معاملة الأطفال وتعذيبهم والاعتداء عليهم، وتحديد الأطفال الذين ماتوا في أماكن الاحتجاز وإبلاغ وقائع وفاتهم إلى أسرهم، وعلى الحكومة السورية إنفاذ القانون الدولي المدمج مع القانون المحلي فيما يتعلق بحقوق الأطفال، وتُصدق على البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل؛ وعلى جميع أطراف النزاع إعادة الأطفال غير المصحوبين بأسرهم إلى بلدان جنسيتهم ولم شملهم، واتخاذ تدابير لإنهاء حالات انعدام الجنسية، وفيما يتعلق بقتل وإصابة الأطفال الامتثال إلى أبعد حد بمعايير ومبادئ القانون الدولي الإنساني وتوفير الخدمات لذوي الإعاقة من الأطفال، وعدم تجنيد الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة، والتوقف عن استهداف المدارس والمرافق التعليمية وعن استخدامها عسكرياً وإعادة البنية التحتية إلى السلطات التعليمية، وإيلاء الأهمية للحق في التعليم، وإعادة إدماج المدرسين والعاملين في المجال التعليمي المبعدين من قبل الحكومة السورية منذ 2011.
وعلى أطراف النزاع إطلاق سراح جميع الأطفال المحتجزين، وتنفيذ برامج للتعافي البدني والنفسي وللإدماج الاجتماعي، ومعاملة جميع الأطفال بداية باعتبارهم ضحايا وليس باعتبارهم جناة، والسماح للمراقبين والمنظمات الإنسانية بالوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز، والتوقف عن ارتكاب العنف الجنسي والجنساني ضد الفتيات والأولاد وتوفير الخدمات للناجين منهم، واجراء التحقيقات والملاحقات القضائية ضد الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية جنائية عن ارتكاب أعمال الاغتصاب والعنف الجنسي ضد الأطفال، وإعادة إدماج الأطفال الذين عانوا من العنف الجنسي، وتنفذ الحكومة السورية التوصيات المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة؛ وعلى أطراف النزاع أن لا يُحتجز الأطفال المشردين داخلياً أو يُحبسون في مخيمات إلا إذا كان ذلك ضرورياً بصورة مطلقة.
والسماح للمنظمات الإنسانية المتخصصة بالوصول إلى الأطفال النازحين، وتكفل عودة الأطفال غير المصحوبين في حالات النزوح إلى مناطقهم الأصلية، وأن يحصل جميع الأطفال الذين يعيشون في سوريا والأطفال اللاجئين الذين يرغبون في العودة على الوثائق الرسمية دون مقابل، وتنفذ الحكومة إجراءات تسجيل الأحداث الحيوية مدنياً، وتتخذ البلدان الأصلية للمقاتلين الأجانب خطوات تسجيل مواطنيها المولودين في سوريا، وأن تشمل أي عملية سلام على العدالة وتلقي الجرائم ضد الأطفال الاهتمام الملائم وفي حالات المقاضاة أمام المحاكم الدولية أو المحلية، وإقامة آليات دعم الاحتياجات من الصحة العقلية لدى الأطفال والشباب المتأثرين بالنزاع، والتركيز على مصالح الطفل الفضلى واحترام حقوقهم، وتمكين الشباب من المشاركة في العملية السياسية، وأن يطلب مجلس الأمن من جميع الأطراف احترام حقوق الأطفال، وأن يولي مجلس حقوق الإنسان أولوية واضحة للتحقيق في الجرائم التي تشمل الأطفال وانتهاكات حقوق الأطفال وتوثيقها في ولايات وقرارات آليات المساءلة.
بإمكانكم الاطلاع على التقرير كاملاً من خلال الصفحة الإلكترونية الخاصة باللجنة.
* جريدة الوحـدة – العدد 317 – شباط 2020م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).