الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

لماذا يخشى أعداء مصر من توجهها نحو التنمية ؟!

الحدث – القاهرة – بقلم المفكر المصري والكاتب السياسي / وليد وفيق

ان أهم ما يميز مصر عن غيرها من الدول والأمم هو موضعها الجغرافي الفريد على مفترق قارات العالم القديم وبحاره، وهذا الموضع الجغرافي فرض عليها لديمومة حياتها أن يكون لها موقعا سياسيا تدور في فلكه، والذي من خلاله اكتسبت دورها التاريخي والحضاري، ولما كانت المنطقة العربية ومصر في القلب منها على مر التاريخ مطمعا استراتيچيا لكل الدول الإقليمية الكبيرة في المنطقة والقوى الدولية والامبراطورية نظرا لأن المنطقة كأقليم غنية بالثروات الطبيعية، وعقدة مواصلات العالم قديما وحديثا، وذات بعد ديني وتاريخي ثري وبالذات مصر التي هى قلب المنطقة، لذلك ظلت مصر على مدار تاريخها هى الجائزة الكبرى في أي خطط للسيطرة على المنطقة وثرواتها، ومن هنا تحديدا أيقنت مصر أن قوتها الحقيقية للوقوف في وجه الاطماع تكمن في أن تكون قوية من الداخل وان هذه القوة الداخلية تكسبها قوة ردع وريادة في المنطقة وفي الاقليم الشرق اوسطي وأنها بدون هذه القوة تكون بمثابة لقمة سائغة تنهشها الأفواه الجائعة والمتعطشة لاحلام السيطرة والهيمنة من القوى الطامعة فيها ، ومن أجل هذا كانت التنمية في الداخل اهم مقومات ومعطيات القوة لمصر سواء كانت قوة ناعمة متمثلة في الحضارة بكافة أشكالها من اقتصاد أو فنون أو علوم الى اخر مقومات القوة الناعمة، أو قوة عسكرية تجعل من أعدائها يفكرون مرات كثيرة قبل الإقدام على اي حماقة قد تكلفهم الكثير، وبنظرة تاريخية على صراعات مصر القديمة والحديثة نجد أنه كلما انخرطت مصر في حرب التنمية في الداخل كلما زاد الطلب على تركيعها وازدادت حدة الصراع لكسر إرادتها لان مصر القوية لابد أن تمارس دورها وريادتها في المنطقة تحت تأثير دورها التاريخي، أما عندما تكون مصر ضعيفة وهى دوما مطلوب ويراد لها أن تكون ضعيفة فإنها تنكفيء على نفسها ويتداعى عليها الطامعين والغزاة ويفرض عليها العزلة والانسلاخ عن موقعها السياسي ومحيطها الاقليمي، لتظل حبيسة حدودها الجغرافية دون ممارسة دورها التاريخي في المنطقة، ولكن ما لا يفهمه أعداء مصر هو شخصيتها الفريدة .
إن ما قد يحتار فيه العدو والخصم، أنه كيف لمصر بعد أن حققت فائضا في قوتها العسكرية وأسست معادلات للردع قادرة علي لجم التحركات العدائية وتوجيه الضربات الاستباقية،كيف لها ألا تقع فريسة إغراء الطمع، ولا تتحرك وتجول بالقوة القادرة العسكرية، وتسطو علي مقدرات الشعوب الضعيفة في محيطها، بل العكس هو الذي حدث فرغم جائحة كورونا وتداعياتها على اقتصاديات دول المنطقة نجد أن مصر لم تتأثر كثيرا بهذا، بل مدت يد العون لمعظم دول العالم في أوروبا وآسيا وأفريقيا بل حتى لأمريكا أكبر قوة اقتصادية في العالم دون أن تتأثر كثيرا بمضاعفات الجائحة، وحتى بعيدا عن جائحة كورونا نراها وقد مدت يد العون لكل من لبنان في نكبته إثر انفجار مرفئها وما ترتب على ذلك من ازمات في الداخل اللبناني وكذا فعلت مع السودان الشقيق في أزمة السيول والفيضانات التي اجتاحتها، وغيرها من الأمثلة التي ضربتها مصر في التعامل مع الأصدقاء والأشقاء أثناء الأزمات والنكبات التي عصفت بهم، ولولا أن مصر في ظل القيادة السياسية الحالية كانت حريصة اشد الحرص في الحفاظ على معدلات تنمية لم تشهدها في تاريخها من قبل ما كانت أقدمت على مثل هذه الاختراقات في المحيطين الاقليمي والدولي بل الاعجب من ذلك هو كيف للقوات المسلحة المصرية الا تقع في فخاخ المعارك العسكرية المعدة لها بعناية، رغم إغراء محصلاتها، لماذا لم تتورط مصر بقواتها المسلحة في طاحون حرب عصابات بليبيا؟ وكيف حققت الدولة المصرية هذه النجاحات في معارك شرق المتوسط دون أن تطلق رصاصة واحدة على أحد، في الحقيقة تبدوا أسئلة العدو وجيهة، لكنها تحمل قدرا معتبرا من الجهل بالشخصية المصرية.
حينما تنجب مصر قوات مسلحة قوية وقادرة، فإنها لا تعتدي، هذه الحقيقة ليست بشعار فارغ المضمون، بل حقيقة كالشمس، إنه شئ من المسلمات وشئ في جينات هذه البلاد، نادرا ما تحركت مصر بقواتها لتعتدي علي أحد، منذ عصر الملوك المحاربين بواقع سبعة آلاف عام انطلقت مصر صوب أطراف حدود النيل الجنوبية دفاعا وليس هجوما لتأمين نهر النيل، وحتى عندما طردت الهكسوس وطاردتهم إلى حدود ما بعد سوريا كان هذا لدحرهم ومن بعدها لم تقم للهكسوس قائمة وتوارى اسمهم كحفرية تاريخية عفا عنها الزمن وبقيت مصر تمارس حياتها ودورها وحتي في يونيو 1967، قامت مصر بالتحشيد لردع اسرائيل وامتصاص تهورها ومن ثم رد الصاع صاعين في اكتوبرعام 1973
أعداء مصر لم يتغيروا عبر الزمن، بل إزدادوا فرقا وربما القاسم المشترك بينهم هو عدم الإلمام بمكنونات الشخصية المصرية المتفردة، التي تجعل من محاولة التنبوء بتحركاتها مهمة صعبة، يشوبها الغموض .
تجود الدراما التاريخية، بوقائع مماثلة لكن النموذج المصري يحظي بتفرد مثير للتأمل، بلد صامتة، لا تتاجر بالشعارات، مثقلة بالهموم وربما المآسي، لا ترد الاهانات اللفظية، تمتص الضربات ، تتألم وتئن بكرامة، تحزن بصخب، وتنتصر دون أن تسوق لانتصاراتها، وكأن مكتوب علي هذه البلاد ان تنجز الأنتصارات في صمت، لكل هذه الأسباب تحظى التنمية في مصر بأولوية هامة لدى القيادة السياسية لأنها هى مفتاح ازدهارها وقوتها، كما أنها الباب الطبيعي لممارسة الدور السياسي الذي تلعبه مصر الان بإقتدار في المنطقة للوقوف في وجه الأطماع والمخططات المعدة لها .

to top