الخميس 26 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلى موسي تكتب: اللجنة الدستورية.. خطوة نحو الأمام أم استنساخ لسابقاتها؟

الحدث – القاهرة

أعرب المبعوث الأممي الخاص بسوريا السيد غير بيدرسون عن تفاؤله أثناء عقده للمؤتمر الصحفي بتاريخ 17 أكتوبر 2021 في مقر الأمم المتحدة بجنيف؛ بالخطوات المتقدمة التي بذلها على مدار تسعة أشهر من المفاوضات بين الأطراف السورية المتصارعة؛ في محاولة منه للمضي قدماً في مسار اللجنة الدستورية، حيث تكللت تلك الجهود على حد وصفه باتفاق الرئيسين المشاركين على التحضير والبدء في صياغة الإصلاح الدستوري.

ففي خطوة متقدمة بحسب زعمه، توجت بالاجتماع الذي جمع السيد بيدرسون للمرة الأولى، وبشكل مباشر مع الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية كل من السيد أحمد الكزبري من قبل الحكومة السورية، والسيد هادي البحرة من طرف المعارضة، بإجراء مناقشات وقيمت بالجوهرية والصريحة حول كيفية المضي قدماً في الإصلاح الدستوري، وكيفية التخطيط للأسبوع المقبل. وفي الوقت نفسه أعرب عن أمله في مواصلة الاجتماعات خلال الأسبوع المقبل “بنفس الروح”.

بالرغم من تفاؤله بالجولة السادسة للجنة الدستورية؛ إلا أنه لم يخفِ قلقه وتردده، حول ما ستؤول إليه اجتماعات اللجنة خلال الأسبوع المقبل، معرباً عن أمله الالتزام بالوعود المتفق عليها من قبل الأطراف المشاركة.

استئناف الجولات الحوارية للجنة الدستورية تأتي بعد تسعة أشهر من التعطيل؛ هذه اللجنة والتي تندرج ضمن بنود القرار الأممي 2254 الخاصة بالأزمة السورية لعام 2015، في وقت كانت المعارضة تسيطر على ما يقارب 70% من الجغرافية السورية، ولكنها فُعِلت لأول مرة في كانون الأول يناير 2018 كنتيجة من مخرجات مؤتمر سوتشي؛ بإشراف روسي وتركي من محور آستانا. وقد اجتمعت اللجنة لأول مرة بتاريخ 30 تشرين الأول 2019.

خمس جوالات سابقة لم تحقق أي تقدم في مسار عمل اللجنة الدستورية؛ لأنها بالأساس مخالفة للقرار الأممي 2254؛ والذي من المفترض أن يضم مختلف أطياف الشعب السوري. في الحقيقة هناك إقصاء ممنهج لبعض الأطراف على سبيل المثال الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومجلس سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ثلث المساحة الجغرافية، وحالة الخلاف حول آلية العمل ما بين الحكومة التي تصرّ على تعديل دستور 2012 المعمول به، وإصرار المعارضة على صياغة دستور جديد للبلاد، وتمسك كل طرف بموقفه وعدم وجود الرغبة والجدية لدى الطرفين؛ ولأن كل طرف مرتبط بأجندات دول متدخلة في الأزمة السورية في الوقت الذي تعاني تلك الدول من تناقضات وصراعات حادة.

لتأتي الجولة السادسة في وقت تعاني منها هيئة التفاوض – وهي الجهة المخولة الوحيدة بتعيين المعارضة في اللجنة الدستورية- من تشرذم وخلافات حادة؛ حيث وجهت كل من هيئة التنسيق، ومنصة القاهرة، و منصة موسكو،  رسالة للمبعوث الأممي، تحدثت فيها المنصات الثلاث، عما أسمته تعطيل من قبل طرف الهيئة، وذلك بعملية إقصاء للأطراف الثلاثة عن الاجتماعات؛ خلافاً للقرار الأممي 2254، مطالبين بيدرسون بالتدخل للحفاظ على وحدة “اللجنة الدستورية” واستمرارها. خلافات دفعت السعودية إلى تعليق عمل موظفي هيئة التفاوض في مقرها بالعاصمة الرياض.

كما أنها تُعقد بالتزامن وسوريا في أحرج مراحلها من حيث التدهور الاقتصادي والمعيشي حيث وصل مستوى الفقر إلى أعلى مستوياته بما يقارب 90%  والبنية التحتية مدمرة بنسبة 80%، وتداعيات قانون قيصر، وانتشار جائحة كورونا، وقضية اللاجئين ( 13 مليون داخلي وخارجي) التي لم تر النور بعد، والمعارضة المدعومة تركياً محصورة في 10% من الجغرافية السورية والمعرضة للعودة إلى سيطرة النظام عقب معركة أدلب المنتظرة؛ بمشاركة سوريا وروسيا وايران. والتهديدات التركية المستمرة، والقصف المستمر على بعض المناطق؛ واستمرارية احتلالها للعديد من المناطق السورية، في وقت الذي مازال فيه حل الأزمة السورية ليس مدرجاً ضمن أولويات الدول الفاعلة في الأزمة السورية؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

فحسب المعطيات الموجودة أن هذه الجولة لن تأتِ بشيء جديد؛ لكن ربما يكون هناك المزيد من التنازلات من قبل المعارضة؛ التي فقدت أوراقها واحدة تلو الأخرى، نتيجة ارتهانها لدولة الاحتلال التركي. وبعد تجميد الدعم العربي لها بعض الشيء، والنظام السوري في أضعف مراحله رغم استعادة سيطرته على حوالي 60% من الجغرافية السورية، لكن في الحقيقة لم يكن ذلك ليحصل لولا الدعم الروسي والإيراني.

بالرغم من أهمية اللجنة الدستورية وإسهامها في إيجاد مخرج للأزمة السورية؛ إلا أنها لم تستطع تحقيق أي تقدم بمفردها، وهذا ما عبّر عنه السيد بيدرسون صراحة ” اللجنة الدستورية السورية تعد مساهمة مهمة في العملية السياسية، لكن اللجنة بحد ذاتها لن تكون قادرة على حل الأزمة السورية. لذلك، نحن بحاجة إلى العمل معاً، والقيام بعمل جاد بشأن اللجنة الدستورية، ولكن أيضا معالجة الجوانب الأخرى للأزمة السورية”.

وأي تقدم في مسار اللجنة الدستورية يجب أن يكون متوافقاً مع القرار الأممي؛ ويتطلب تقارب وتوافق دولي وإقليمي بين الدول والقوى والجهات الفاعلة بشكل مباشر أو غير مباشر في الأزمة السورية؛ وهو ما لم يتوفر إلى هذه اللحظة. بالإضافة إلى تمسك الحكومة السورية بنهجها المتعنت والرافض للتغيير. والموقف الأمريكي من الحكومة السورية، والذي صرح به وزير خارجيته انتوني بلينكن “ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل السيد الأسد، أو رفع أي عقوبة مفروضة على سوريا أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سوريا قبل إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي نعتبره ضرورياً وحيويا”.  أمام هذه المعطيات والوقائع والمواقف؛ هل سنجد تقدماً في مسار عمل اللجنة الدستورية أم أنها ستكون نسخة مستنسخة عن سابقاتها؟.

to top