الجمعة 27 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلى موسي تكتب: لا بديل لسوريا عن اللامركزية

الحدث – القاهرة

من الذي دفع برأس النظام السوري الحاكم إلى هذا الطرح. حيث أن بعد عقد من الزمن يخرج الأسد عن تعنته الذي طالما أصر عليه. وأن المركزية السورية كانت العائق أمام القوى الرأسمالية والإمبريالية واستراتيجياتهم في المنطقة، وأن ما حدث في سوريا نابع من مؤامرة كونية استهدفت أمن واستقرار سوريا لتمرير سياساتهم واستراتيجياتهم في المنطقة، ونهب خيراتها لما تتمتع به سوريا من أهمية جيوستراتيجية.

السؤال الذي يطرح نفسه؛ ما الذي دفع الأسد الأبن بعد عقد من الأزمة السورية، وعقدين من حكمه بطرح نظام الحكم اللامركزي لسوريا المستقبل للخروج من أزمتها أثناء أداء أعضاء الحكومة الجديدة القسم الدستوري. هذا الطرح الذي شكل صدمة مفاجئة بعض الشيء للمراقبين للوضع السوري، كونه جاء بعد فترة وجيزة من خطابه للقسم الدستوري الذي يفتقد إلى أية بادرة توحي بالتغيير.

ما هو شكل النظام اللامركزي الذي يتحدث عنه؟

بالعودة بالإجابة عن السؤال؛ إذ، هناك عدة أسباب دفعت بالأسد الابن إلى طرح مفهوم اللامركزية كنظام حكم للبلاد بعد عقد من الصراع والحرب والأزمة التي تعيشها، هنا سنحاول إدراج بعد العوامل والأسباب التي كانت الدافع من وراء هذا الطرح:

  • حالة الاستنكار والاستياء الشعبي والإقليمي والدولي من خطابه الأخير بعد أداء القسم الدستوري وتوليه لفترة رئاسية رابعة، والذي لم يخلو من التعنت والمضي قدماً على ما هو عليه، وتخوين كل ما هو مخالف أو معارض له، وقطع الطريق أمام أي حوار يفضي إلى حلحلة الأزمة السورية.
  • تزامنت فترة رئاسته الجديدة، والتي كانت من المفترض أن يبدأ بخطوات نحو الأمام. في وقت خروج حركات احتجاجية من مدينة درعا السورية مهد الحراك الشعبي السوري الثائر على النظام القائم. كانت ضربة قوية للنظام ليجدد الشعب خطابه الرافض له. وأن تخرج المظاهرات والاحتجاجات من درعا لما تملكه من رمزية لتؤكد مرة أخرى أن كل ما يدعيه النظام على أنه انتصار واستعادة للجغرافيا السورية كان سراباً وضرباً من ضروب الخيال، ما لم يترافق ذلك بتغيير جذري وحقيقي ببنية النظام؛ الذي كان أحد الأسباب الرئيسية التي أوصلت البلاد إلى حالة الاستعصاء التي تعيشها الأزمة السورية.
  • ربما يكون لتهدئة الشارع كون تشكيلة الحكومة الجديدة لم تأتِ بالجديد، كونها احتفظت باستمرار على نفس الشخصيات في مناصبها باستثناء انضمام عدد بسيط من الأشخاص الجدد إليها. فالحكومة تفتقد بالإساس إلى الشرعية والمصداقية والرفض من قبل غالبية الشعب السوري، وبشكل خاص المعارضة، كونها لم تستجب لمطالب المرحلة.
  • وربما ما طرحه تكون حيلة لإنتاج نظامه المنهار، وعدم قدرته على تحمل الأزمات المعاشة، وتكون فرصة لإعادة إنتاج النظام المركزي بصيغة جديدة، وإعطاء انطباع مخادع لبدء خطوات إيجابية.
  • لربما تشكل بادرة حسن نيّة، تسهم في كسر عزلته العربية والإقليمية والدولية، التي طالما طلبت منه تغيير سلوكه ونهجه.
  • هناك احتمالية كبيرة أن تكون ضمن إطار تفاهم روسي- أمريكي للبدء بحلحلة الأزمة السورية، بالضغط على النظام وتمهيداً للبدء بالمرحلة الانتقالية، تأتي بعد تفاهم وتعاون بينهما على الصعيد الدولي، والذي كللّ بإصدار قرار 2585 من مجلس الأمن بتاريخ 9\تموز بخصوص تمديد مدة تفويض معبر باب الهوى لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
  • التطورات التي تسارعت في الآونة الأخيرة في العديد من دول الجوار، ربما دفع النظام إلى إعادة مراجعة سياساته، وأن فقدانه للقاعدة الشعبية والعزلة الدولية والإقليمية سيكون مصيره السقوط، كما حدث لحركة النهضة الإخوانية التونسية.
  • ربما يعود السبب إلى حفظ ماء الوجه أمام التحديات التي تواجهه، وعدم مقدرته إلى إعادة سيطرته على مناطق خارج سيطرته.
  • التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه سواء أكانت من حيث تدني الوضع المعيشي والخدمي، وظروف جائحة كورونا، وحالة الحصار والعقوبات المفروضة عليه من قبل أمريكا، وحالة عدم الاستقرار الإقليمي التي تشهده المنطقة من صراعات وحروب وقلاقل.

بالرغم من كل ما تم ذكره من الأسباب التي دفعت بالأسد الابن إلى طرح مفهوم اللامركزية لإدارة البلاد؛ يمكننا النظر إليها بإيجابية وجعلها بداية يبنى عليها الكثير، بما يحافظ على البلاد أمام المزيد من الدمار والخراب، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، رغم أن الطرح ليس بجديد.

حيث دعت إليها الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، ومجلس سوريا الديمقراطية مراراً وتكراراً منذ بداية الحراك السوري. وكما شاهدنا العديد من جولات المحادثات بين مسؤولي الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، ومجلس وسوريا الديمقراطية من جهة، والحكومة المركزية من جهة أخرى، إلا أنها لم تفضِ إلى خطوات ونتائج ملموسة ولم تترجم على أرض الواقع، بسبب عدم جدية النظام في المضي قدماً في هذا الخصوص. ولكن كل ذلك لم يثنِ أبناء الشمال وشرقي سوريا من المطالبة بتطبيقها كونها تجربة معاشة في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي حققت استقراراً وأماناً نسبياً مقارنةً مع المناطق السورية الأخرى، وحافظت على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي واكتفاء اقتصادي ذاتي، وتحولت إلى ملاذ آمن لعشرات الآلاف السوريين والعراقيين الفارين من أتون الحرب من المناطق السورية الأخرى.

يمكن للنظام الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية ومكتسباتها. وكسباً للوقت والجهد بتطبيق هذا النموذج في باقي المحافظات عبر إجراء حوار حقيقي ومشاركة واسعة من أطياف المجتمع السوري في العملية السياسية؛ وعدم الاختصار على اللامركزية بمفهومها المحلي الضيق، والذي يقتصر على الجوانب الخدمية وبعض الحقوق الثقافية لبعض المكونات وتهميش الآخر. العملية تتطلب رغبة حقيقية بإحداث التغيير، وترجمة الأقوال إلى أفعال والتعامل مع واقع الأزمة السورية بشكل موضوعي؛ وأخذ جميع المستجدات والتطورات بعين الاعتبار، حينها يمكنا إحداث خطوات ملموسة تخدم الجميع، وتكون بداية لاتفاق سوري- سوري، ودافعاً للمجتمع الدولي والإقليمي لحلحلة الأزمة السورية.وعكس ذلك سنبقى مرهونين للقرارات الخارجية والدولية وربما وليس ببعيد سيبقى الوضع السوري ليس بأفضل حال مما تعانيه دول المنطقة بشكل عام وما حصل في أفغانستان مؤخراً.

to top