الحدث – القاهرة
شهدت سوريا في الآونة الأخيرة أحداث وتطورات سواء أكانت على المستوى الشعبي أو على مستوى النظام و المعارضة بكافة تنوعاتها وأجنداتها ومشاريعها. منها أداء القسم الدستوري لولاية رئاسية جديد للسيد بشار الأسد، وتلاه خطاباً لا يحمل شيئاً جديداً عن الخطابات التي اعتدنا عليها منذ بداية الحراك الثوري؛ وإعلان تشكيل حكومة لم تكن يوماً محور اهتمام الشعب السوري؛ ولا تملك كفاءات وإمكانيات قادرة على الإتيان بشيء جديد يُخرج البلاد من أزماتها ومشاكلها، التي تعصف بالبلاد. وبالتزامن مع الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة شهدت بعض المناطق السورية احتجاجات وحراك شعبي، أعلنت من خلاله عن رفضها للنظام القائم مطالبةً باللامركزية لإدارة نفسها بنفسها، ولو في مناطق بعينها كدرعا والسويداء، وهو الوضع الذي لا يختلف أيضاً في مدينة إدلب.
أما على صعيد المعارضة المدعومة تركياً، فقد شهدت تعيين رئاسة جديدة للائتلاف وتمثلت بالسيد سالم المسلط؛ والتي كانت أولى إنجازاته لفترة توليه لرئاسة الائتلاف تكريم المدعو أبو عمشة؛ متزعم ما يسمى فصيل ” فرقة السلطان سليمان شاه”؛ والمعروف بارتكابه لجرائم العدوان، وجرائم ضد الإنسانية، والإتجار بالممنوعات، وكذلك اللقاء بالمدعو ” أبو شقرا”، والذي أُدرج مؤخراً مع فصيل أحرار الشرقية على لائحة العقوبات الأمريكية.
بعد عقد من الصراع والحروب والإرهاب، مازال النظام ماضياً قدماً في استراتيجياته وسياساته التي لم يعتريها أي تغيير، أو أي تعامل مع التطورات والمتغيرات، فسار بنفس النهج والعقلية، كما المعارضة السورية المدعومة تركياً، التي أثبتت بأنها لن تأتِ بشخصية أفضل من ” أبو عمشة”.
الطرفان بممارساتهما تلك إزاء الأزمة السورية؛ شكلا حالة من اليأس والاستنكار من قبل الغالبية العظمى من الشعب السوري والمجتمع الدولي؛ بل أسهما إلى تفريغ الثورة من مضمونها، وتعميق وتجذير الأزمة أكثر فأكثر.
أمام هذه المعطيات في المشهد السوري وبالتزامن معها شهدنا العديد من التطورات على الصعيد الإقليمي والمتمثل بالإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب؛ وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، وتولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد وغيرها من الإجراءات، وتم بذلك إزاحة حركة النهضة الإخوانية بعد عشر سنوات من حكمها وبعد عقد من الثورة التونسية؛ وكل هذا يندرج في إطار إعادة النظر والترتيب لتصحيح مسار الثورة.
الشعب والجيش والرئاسة التونسية لما يتمتعون به من مكانة رمزية على صعيد انطلاقة ثورات ربيع الشعوب بإجراءاتهم الأخيرة؛ أكدوا بأن ما يتم في الشرق الأوسط من اسقاط أنظمة واستبدالها بأنظمة جديدة لا تنم عن دراسة موضوعية وحقيقة وجدية لحاجة وطبيعة المتغيرات التي يحتاجها الشرق للتخلص من أزماته.
وما يحدث في سوريا ليس بالبعيد عما شهدته مصر أيام الإخوان وتونس أيام النهضة من تغيير في الشخصيات والمهام سواء على صعيد الحكومة المركزية أو المعارضة –الائتلاف- المدعومة تركياً.
بالمقابل ما تقدمه المعارضة الوطنية السورية وبشكل خاص كتجربة معاشة على أرض الواقع محققة مكتسبات وانجازات ومحافظة على جوهر وحقيقة الثورة التي انطلق من أجلها الشعب السوري. حيث أن الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، رغم مما تتعرض له هذه الإدارة من تهديدات وحصار واقصاء من العملية السياسية من قبل العديد من الدول المتدخلة في الأزمة السورية وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي، إلا أن الإدارة الذاتية تمضي قدماً نحو المزيد من التقدم ونيل الشرعية من المجتمع الدولي. حيث شهدت زيارة لوفدي الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية إلى فرنسا بدعوة رسمية من الرئاسة الفرنسية، كما تم مؤخراً افتتاح ممثلية للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا في مدينة جنيف السويسرية؛ وزيارة العديد من الدول والحكومات لمناطق شمال وشرق سوريا بشكل علني ورسمي لاستلام رعاياهم من أطفال ونساء عناصر داعش.
فهذه المعارضة وما تملكه من مشروع علماني ديمقراطي لا مركزي؛ تملك الكثير من الفرص لتلبية تطلعات الشعب والخروج من الأزمة السورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، وبات انموذجاً لتطبيقه في باقي المحافظات السورية، وهي فرصة للحكومة المركزية بإعادة النظر في سياساتها والانفتاح على هذه المعارضة؛ والعمل معاً لإيصال سوريا إلى بر الأمان؛ وتحرير الأراضي المحتلة والحفاظ على البنية التحتية أمام المزيد من الانهيار للنسيج الاجتماعي؛ وتأسيس سوريا مستقبلية تعددية لا مركزية.
وإن أصر النظام على عقليته حينها سيكون لسوريا مصير ينتظرها ليس بأفضل حال عما يعيشه العراق وأفغانستان. خاصة أن المنطقة مقبلة على تغييرات ورسم خرائط جديدة. وليس ببعيد أن تكون لسوريا فيها حصة الأسد، وفي العديد من المناطق السورية بشكل خاص المحتلة من قبل الاحتلال التركي؛ أو المدارة من قبل ما تسمى حكومة الإنقاذ، المدعومة تركياً، والممولة قطرياً، التي تحولت إلى ملاذ آمن للإرهاب ومدارس تفريخ أجيال يحملون فكر التطرف والإرهاب، وثقافة الكراهية، و لما لذلك من تداعيات على أمن وسلم المنطقة والعالم.