الحدث – القاهرة
شهدت مناطق شمال وشرق سوريا في الآونة الأخيرة تطورات وأحداث متسارعة على كافة الأصعدة؛ فرفعت دولة الاحتلال التركي وتيرة تهديداتها بشن عملية عسكرية احتلالية جديدة للمنطقة في إطار استكمال مشروعها الاحتلالي التوسعي للمنطقة والمتمثل بالميثاق الملي؛ تهديدات مترافقة مع هجمات وقصف مستمر على بعض المناطق؛ في إطار عملية على خلاف سابقاتها من مسميات كدرع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام. وهي العملية التي لم تتلقى الضوء الأخضر حتى الآن، مما دفعتها إلى الإعلان عن تأجيلها مرجحة السبب لعدم تهيئة الظروف الدولية.
تهديدات وجدت بها روسيا فرصة سانحة لتجديد طرح لعب دور الضامن للحوار والتفاوض بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية ؛ دعوة قيّمتها كل من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية بالخطوة الإيجابية، التي يمكن البناء عليها وخاصة أنها تأتي من صلب المشروع الوطني الذي يتبناه كلٍ من مسد والإدارة منذ تأسيهما على الحوار السوري- السوري.
فسرعان ما دفع ذلك الترحيب من قبل مسد والإدارة إلى التحريف والحرب الإعلامية من قبل العديد من القوى والدول لإخراجها من محتواها؛ في إطار ممارسة الحرب الإعلامية على شعوب ومكونات شمال شرق السوريا وخلق حالة من الخوف والذعر والفوضى ودفعهم إلى الهجرة وتشويه صورة الإدارة لدى الرأي العام والمحلي؛ واتهامها بالخيانة والعمالة والضعف والانهيار؛ الأمر الذي يمهد لتأليب الشارع عليها من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى استغلالها من قبل بعض القوى لابتزاز وممارسة الضغط حيال القوى الأخرى، وخاصة أن هناك إجماع من قبل المجتمع الدولي بضرورة إشراك الإدارة ومسد في العملية السياسية لإنجاحها، بعد أن تم اقصائهما بشكل ممنهج على مدار عقد من الأزمة السورية.
فالمعارضة السورية والمتمثلة بما تسمى بالائتلاف؛ لم تتوقف منذ انطلاق الحراك السوري عن استهدافها لمشروع الإدارة ومسد؛ كونها تحولت إلى أداة وظيفية لخدمة أجندات خارجية؛ وبالأخص المصالح التركية في المنطقة، بعد أن ارتهنت لدولة الاحتلال التركي بشكل كامل، وفقدت جميع أوراقها التي كانت بحوزتها؛ وبات دورها لا يختلف عن الدور التي تؤديها أية مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني؛ ناهيك عن حالة الضعف والهشاشة التي تعاني منها وانحسار وجودها في مدينة إدلب السورية؛ وليس ببعيد احتمالية إعادتها إلى سيطرة النظام السوري في ظل الحديث عن عملية إدلب المرتقبة، إلى جانب إدراج العديد من الفصائل المسلحة المتطرفة؛ التي تقاتل تحت مظلتها على قوائم الإرهاب في المنظور القريب، بالإضافة إلى امتعاض المجتمع الدولي من المرتزقة السوريين الذين سخرتهم دولة الاحتلال التركي في حروبها الخارجية مثل ليبيا وأرمينيا وغيرهما؛ حيث باتوا يشكلون عبئاً على المجتمع الدولي، فالدولة التركية بسياساتها تلك –ارتزاق السوريين- حولتهم من قضية تحظى بدعم ومساندة دولية ومجتمعية إلى حالة من الامتعاض والنبذ.
وقد مُني الائتلاف بالكثير من الخسائر والهزائم التي دفعته للتغطية عليها عبر محاربة الإدارة، ومحاولته تأليب الشارع عليها وتشويه صورتها عبر التلاعب بتصريحات المسؤولين والقادة للإدارة ومسد؛ وكان أخرها الحوار الذي أجراه موقع نداء بوست التابع لها مع السيد رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية.
أما النظام السوري والذي لم يتوان للحظة عن خطاباته الغوغائية؛ وتصوير نفسه بموقف القوي ؛ بتصوير ما حدث في سوريا، لم يخرج عن كونه مؤامرة دولية، متناسية بأنه مستمر إلى اليوم بفضل التدخل الروسي والإيراني ويعود لهما الفضل بإعادة سيطرته على الجغرافية السورية بعدما ما كان وجوده ينحصر في أقل من 10% من المساحة الاجمالية، فبدلاً من الترحيب وتهيئة الأجواء لبدء حوار جدي وحقيقي مع الإدارة ومسد للخروج من الأزمة ومعالجة تداعياتها ؛ روجت بأن الترحيب من قبل مسد والإدارة بالطرح الروسي ما هي إلا حالة نابعة من الضعف والارتماء بحضن النظام السوري، وأن مناطق الإدارة تسلم شيئاً فشيئاً له؛ ونشر بعض الفيديوهات القديمة والمفبركة، لكن في حقيقة الأمر وبالرغم من أهمية الحوار والتفاوض وتعويل كل من مسد والإدارة عليهما كخيار استراتيجي ؛ وكسبيل للخروج من الأزمة؛ والتمسك بهما والإصرار على حدوثها حتى الآن هي في إطار الطرح؛ حيث لم يحدث حتى اليوم أي تطور وتقدم في هذا المضمار ؛ وكل ما يشاع من عمليات تسليم تندرج في إطار الحرب الإعلامية لا أكثر.
أما الحكومة الروسية ولتعزيز حضورها وفعاليتها أكثر مما هي عليه في الأزمة السورية؛ وبعد تأكيدها من بقاء القوات الأمريكية في سوريا وجدت من الأهمية لعب دور الضامن بين الحكومة السورية حليفتها والإدارة الذاتية، والطرح الروسي لم يكن بجديد؛ وسبق أن قدمت مسودة مشروع لدستور فيدرالي لسوريا، وإجراء العديد من المباحثات الحوارية بين وفود من الإدارة ومسد والحكومة السورية؛ إلا أنها لم تحقق أي تطور بسبب تعند النظام وتمسكه بنهجه وهو العودة بالبلاد إلى ما قبل 2011م، وعدم حيادية الروس وانحيازها الصريح للحكومة السورية واستغلالها للوقت لتمرير استراتيجياتها في سوريا، ولكن ربما تكون هذه المرة على خلاف سابقاتها بإحراز تقدم في مسار التفاوض؛ عبر دفع بالنظام إلى التقرب من الحوار بجدية؛ وأخذ المعطيات والحقائق المعاشة على أرض الواقع بعين الاعتبار.
فهذه الخطوة تأتي في ظل التوافق الروسي الأمريكي بعدم السماح لتركية بشن عملية جديدة في إطار رغبة دولية في حلحلة الأزمة السورية؛ وذلك بالقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والحفاظ على مناطق خفض التصعيد والالتزام باتفاقيتي سواء التي عقدت بين بوتين وأردوغان ؛ أو أردوغان وأمريكا عقب عملية ما تسمى بنبع السلام، والتفاوض بين كل من الإدارة والحكومة السورية ربما تشكل تحالفاً لتحرير الأراضي المحتلة؛ والأهم من كل ذلك الإدراك أن حقيقة مشروع الإدارة من الصعب أن لم نقل من المستحيل تغاطي الطرف عنه؛ وضرورة إشراكها في العملية السياسية. لذا كان من الأهمية بالمكان القبول بالحقيقة الموضوعية وبالبدء بحوار جاد بين الإدارة والحكومة السورية ودفع النظام للتنازل عن مواقفه الرافضة لأي مشاركة والاستمرار بالقيادة السياسية الأحادية لسورية المستقبلية والتصرف بحسب المعطيات المعاشة على أرض الواقع.
من جهة أخرى الروس لم يكن حالهم أفضل من الائتلاف والنظام بتحريف تصريحات قيادات الإدارة حيث قامت أحد وسائلها الإعلامية بتحريف تصريح لأحد مسؤولي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتحريفه تلك ربما يندرج ضمن إطار ممارسة الضغط على الأتراك لتقديم تنازلات قبل اللقاء المرتقب بين كل من بوتين وأردوغان.
أما الدولة التركية وعداءها لمكونات شمال وشرق سوريا منذ بداية الحراك الثوري السوري تأتي في سياق كونها لم تتمكن من تحقيق وتنفيذ مشاريعها الاحتلالية للمنطقة بسبب لأملاكهم لمشروع وطني قائم على التعايش المشترك والسلم الاجتماعي ومشاركة كانت المكونات والمعتقدات، والذي اتخذ من مبدأ الدفاع المشروع نهجاً لحماية مناطقها في مكافحة الإرهاب والتطرف ونبذ ثقافة الكراهية على عكس الائتلاف التي ارتهنت نفسها لتركية، لذا نجدها بين الفينة والأخرى وتحت حجج وذرائع واهية تطلق تهديدات وتتوعد بشن حملات عسكرية، حيث يبدو هذه المرة على غير سابقاتها الظروف الدولية غير مهيئة وأفلست دبلوماسياً للحصول على دعم ومساندة إقليمية ودولية نتيجة سياساتها الخارجية والقائمة بالدرجة الأولى على دعم ومساندة الفصائل الإرهابية المتطرفة بمختلف تسمياتها يرهق المجتمع الدولي، هناك ضرورة ورغبة دولية جادة للجم الدور التركي؛ وربما يندرج عدم السماع لها بشن عملية عسكرية أخرى في سوريا ضمن هذا الإطار حيث بات واضحاً للمجتمع الدولي كيف تحولت المناطق السورية الخاضعة للاحتلال التركي إلى بؤر للإرهابين ؛ وتفريغ ثقافة التطرف والتعصب، إلى جانب عدم إمكانية المجتمع السوري والبنية التحتية احتمال المزيد من العمليات العسكرية وغيرها من الأسباب التي تدفع الدول الفاعلة في الأزمة السورية من منع أطلاق تركيا لعملية جديدة. لكن ذلك لم يشكل ردعاً للسلوك التركي العدواني والضارب لجميع الأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط، باستهداف المنطقة وسكانها من المدنيين والقادة والمؤسسات بطائرات بدون طيار؛ وكانت أخرها استهداف الشخصية الوطنية يوسف كلو البالغ من العمر خمس وثمانين عاماً وحفيديه عبر استهداف سيارته أمام منزله الكائن في حي الهلالية الآهل بالمدنيين العزل.
أما استهدافات الدولة التركية تأتي من إفلاس سياساتها خارجياً والقطيعة التي تعاني منه إقليماً ودولياً وداخلياً في ظل تراجع شعبيته وخوفه من خسارة السلطة في الانتخابات المقبلة.
وهي فرصة على السوريين بكافة أطيافه – معارضة ونظام – وللظروف الدولية الداعمة للراغبة في إنهاء الأزمة؛ والبدء بعملية انتقال سياسي، كأرضية مناسبة عبر اطلاق حوار جدي ونابع من حس وطني بعيد عن المصالح والأجندات الضيقة؛ والخروج من عباءة الدول وخاصة التركية، بحيث تكون الإدارة الذاتية هي الجسر وممر الآمن للتفاوض مع المعارضة والنظام؛ وتكون البداية لتحالف وتكاتف سوري – سوري لاستكمال مسيرة مكافحة الإرهاب وتحرير الأراضي المحتلة، وقيادة سوريا عبر تبني مشروع وطني لا مركزي، يضمن وحدة وسيادة سوريا شعباً وأرضاً؛ وبمشاركة كافة أطياف المجتمع السوري.
يوم واحد مضت