الحدث – القاهرة
ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث تراجيدية متسارعة تسير بها من سيىء إلى أسوأ، بينما تقف غالبية شعوبها مكتوفة الأيدي وعاجزة عن استيعاب ما يحدث، والعيش في حالة من الذهول الدائم؛ ملتجئين إلى فطرتهم الغريزية، ومستخدمين آلياتهم الدفاعية عند مواجهة المخاطر بالهروب من الواقع، والبدء برحلة البحث عن الأمن والاستقرار في بلدان أخرى، أو الانكفاء على الذات مغيبين دور العقل والمنطق، ومتناسين مواجهة المخاطر والأزمات وإزالة مسبباتها في بيئتها.
ردة الفعل تلك والاستجابة غير المتكافئة والفعّالة حيال الأحداث المثيرة والمهددة للأمن الوجودي، تكون الوسيلة الأكثر نجاعة بإبقاء هذا العالم في دوامة حروب وصراعات لم تصنعها وتبتكرها، ويكون هذا العالم بكل ما يحتويه من البيئة والطبيعة والإنسان ضحية تلك الصراعات والحروب.
والأسوأ من كل ذلك في الكثير من الأحيان يتحول الفرد إلى أشد المدافعين عن السياسات والاستراتيجيات؛ التي حيكت وتحاك على المنطقة للحفاظ على ما هي عليها خشية من حدوث الأسوأ، وذلك بحسن نية، كآلية دفاعية لحماية الذات محققاً هدوءً وهمياً للعالم الداخلي وطمأنينة سيكولوجية متغلبً بها على القلق والشكوك التي تراوده لما يحمله الغد المجهول، بدلاً من البحث عن أسباب ومآلات الواقع وابتكار وطرح حلول تساهم في انتشال البلاد من مستنقع ما خلفته الحروب والصراعات والأزمات جراء اخضاعها لاستراتيجيات وأجندات قوى الهيمنة العالمية.
فلعنة الشرق تنبع من غناها بكل ما تحتويه من موقع جيوستراتيجي، وثروات باطنية وزراعية وحيوانية ومائية وبشرية، فبدلاً من أن يخلق هذا التنوع تكامل بما تحتويه الطبيعة من تنوع وغنى تكاملاً مع الإنسان نجد العكس يعيش تمزقاً وفقراً وجهلاً.
الشرق ذنبه غناه وامتلاكه لجميع مقومات تؤسس لحضارة تغذي البشرية بكل ما تحتاجه وعلى كافة الأصعدة. ولم يكن من الممكن تحقيق الاستراتيجيات للقوى المهيمنة إلا عبر اخضاع الشعوب الشرق الأوسطية عبر خلق منظومة فكرية وفلسفية وايديولوجية تسهم في خلق نماذج وصور نمطية عن الشرق وشخصياتها؛ محققين تكاملاً بين الطبيعتين البشرية والبيئية بخلق نتاجها فرد مهزوز الثقة ومشلول الإرادة وسهل الاقناع بما يتم وصفه من نعوت، وحتى يتحول الفرد الشرق الأوسطي مع مرور الزمن إلى حامل لتلك النظريات والرؤى والايديولوجيات مبرمجاً تصوراته وأفكاره ورؤيته لذاته والعالم الذي ينتمي إليه؛ ويعمل بكل أمانة للحفاظ عليها وتوريثها للأجيال اللاحقة، حتى بات مغترباً عن جوهره وذاته وينتمي إلى عالم ليس بعالمه.
وباتت شعوب الشرق الأوسط نتيجة تلك التصورات والرؤى مقتنعةً بأن عالمها هو العالم الثالث على حد وصف– قوى الهيمنة- المتخلف والجاهل؛ متخلفاً عن ركب الحضارة، وأدنى مرتبة من أخوته في الإنسانية حيث لازمته عقدة الدونية هذه إلى يومنا. وكأنها قدرية الشرق بأن يبقى متخلفاً وجاهلاً وموطن للتناقضات والصراعات والحروب، وأن الجنة والنعيم موجودة في بلدان أخرى يتمتع ناسها بالحكمة والعقل والإبداع، وأن الشرق الهرم بات عاجزاً عن الانتاج والإبداع، ومحكوم عليه أن يعيش مستهلكاً و الإبقاء عليه في حالة اجترار تام.
بتلك النظريات والأفكار والتصورات المخالفة لطبيعة البشرية أسهمت في خلق نماذج لشخصيات نمطية مستهلكة وفاقدة الإدارة والإرادة في غالب الأحيان؛أصبحت قناعتهم أنّ بيئته هي اللعنة الأبدية والأزلية، وأنّ الخلاص لن يكون إلا عبر الهروب إلى بيئة توفر مساحات للخلق والإبداع وتدفق الطاقات والإمكانيات، وجعله في حالة انقطاع روحي مع بيئته ومحيطه وفي انتظار أول فرصة سانحة له للهروب.
ساعين من وراء تلك السياسات والرؤى إبقاء الشرق مهد الحضارة الإنسانية لقمة سائغة لاحتكاره واستغلاله ونهبه، عبر خلق شخصيات تعيش منفصلة عن أوطانها؛ وأن وجودها في الوطن ليست سوى مسألة وقتية لا أكثر.
ومقتنعاً بأن وجوده وأمنه مرهوناً بوجود قوة أخرى. وما شاهدناه من أحداث في أفغانستان خير دليل على تساقط شعب بمجرد انسحاب الجنود الأمريكان الذين لا يشكلون أجزاء بسيطة من تعداد الأفغان. طبعاً هذا الانسحاب كان كفيلاً بإحداث قلق ورعب في المنطقة برمتها.
هذه السياسات لم تكن من الممكن أن تأخذ مداها؛ بدون تكاملها مع عامل داخلي عبر تنصيبهم –قوى الهيمنة-لحكام مستبدين وديكتاتوريين أوفياء لتنفيذ تلك السياسات بأدق تفاصيلها عبر تطبيق التعنيف الممنهج وسياسة التجويع على شعوبهم، وتغيب الحوكمة والإرادة.
تكامل العلاقة الجدلية بين التصورات والرؤى لخلق صور نمطية للشخصية، وحكام مستبدين انتجت شرق مهزوز ومقهور يكون عند الطلب؛ وبيئة خصبة وسلسة لاختراقها، وإعادة تشكليها بما تتوافق متطلبات استراتيجيات وسياسات قوى الهيمنة العالمية.
فالشرق مهد الحضارة الإنسانية بكل ما يحتويه من علم وفلسفة وأخلاق وإبداع لابد من استعادة دوره الريادي واستعادة ما تم تغيبه عنه؛ وذلك عبر تطبيق الحوكمة الرشيدة التي تحقق التنمية المستدامة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والبشرية؛وتساهم في خلق شخصية قوية مؤمنة وواثقة بقدراتها وذاتها. وكذلك تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة البناءة لجميع الأفراد، الأمر الذي يزيد من فرص الثقة بين الحكومات والأفراد، والمساهمة في زيادة انتماء الفرد للوطن بما يضمن أمنه الإنساني أولاً ومن ثم أمنه الوطني.وفتح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني للانخراط في العمل، وتقليل فرص الفساد والبطالة والفقر والتخلص من المستبدين، بالإضافة إلى القضاء على كل ما من شأنه يشكل بيئة خصبة لتكريس التناقضات، وتسهيل تدخل الآخر في الشؤون الداخلية عبر اللعب على وتر الطائفية تارة والقومية تارة أخرى والتشكيك بقدرات الفرد وإمكانياته.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت