الحدث – القاهرة
شبح الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، يطارد الديكتاتوريين والاستبدادين حتى في أحلامهم، لذا انصب جل اهتمامهم في ابتكار وتطوير وسائل وأدوات المواجهة لمنع تحقيقها، وبالمقابل حلت لعنة مقارباتهم الخاطئة على شعوبهم دفعوا فاتورتها باهظة التكلفة.
ما أشبه اليوم بالأمس، حين انتفض الشعب العراقي على الاستبداد والديكتاتورية، وقدم تضحيات عظيمة من أجل التغيير والتحول الديمقراطي، ومن بينهم تمكن المكون الكردي الذي نال نصيبه على مدار عقود من الاضطهاد والاستبداد الذي استهدف هويته وتاريخه وثقافته وشتى أنواع الإبادات الجسدية والثقافية والتهجير والنزوح من استنشاق نسائم الحرية.
بدأ رحلة ذلك الشبح يطارد سلطات دمشق لمنع انتقال تلك التجربة إلى سوريا، طالما مارس شتى أنواع الاضطهاد وأكثرها حدة الإبادة الثقافة بحق الشعب السوري والمكون الكردي على وجه الخصوص.
تارة تحت يافطة مقاومة الاحتلال الأمريكي أرسل وبشكل ممنهج الجهاديين إلى العراق، ولتأديب الشعب الكردي في سوريا ومنعه أن ينحو منحى أشقائهم في العراق تارة أخرى. وبلعبة استخباراتية محنكة افتعل أحداث 2004 مباراة بين فريقي الجهاد قامشلو وفريق الفتوة في دير الزور عبر تحشيد مشاعر الكراهية والحقد لدى القومجيين العرب، تحولت المباراة المقامة في قامشلو إلى ساحة للحرب والصراع وافتعال فتنة كردية –عربية راح ضحيتها العشرات من المدنيين الكرد العزل.
وما أن انطلق الحراك الثوري السوري في 2011 عاد غالبية ما تم إرسالهم بدفع من سلطات دمشق إلى العراق تحت مسمى الجهاد منظمين ضمن صفوف القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين، وعلى مدار اثنتي عشر عاماً يقدم الشعب السوري فاتورة الإرهاب وستمتد لعقود قادمة في ظل تقاعس المجتمع الدولي والتدخلات الإقليمية.
واليوم مقاربات سلطات أنقرة ما يحدث في سوريا نسخة مستنسخة من مقاربات سلطات دمشق من الأحداث العراقية. حيث دعمت الإرهاب بشتى الوسائل لإفشال التجربة الديمقراطية الوطنية الوليدة في مناطق شمال وشرق سوريا، ووأدها في مهدها. وأن تمكنت من تحقيق جزء مما تصبو إليه، ولكنها فشلت من وأد التجربة الوطنية والتي أصبحت أمر واقع.
وفشل سياسات العدالة والتنمية الخارجية، والتي تسببت بإحداث قطيعة مع العديد من البلدان، ألقت تلك السياسات على الداخل التركي منها تردي الأوضاع الاقتصادية والحريات وحقوق الإنسان، متسببة في تراجع شعبية حكومة العدالة والتنمية. لتزيد كارثة الزلزال الطين بلة وكشف حقيقة الفساد المستشرية داخل السلطات وعجز السلطات مما زاد من الغضب الشعبي والمزيد من الانحسار في القاعدة الشعبية.
وما إصرار تلك السلطات على إجراء الانتخابات في موعدها خشية من زيادة فرص الخسارة، وتفاقم تداعيات كارثة الزلزال وعجزها في المواجهة.
حيث بات الداخل التركي مهيأ لأحداث ربيع على غرار ربيع الشعوب التي هبت على البلدان المضطهدة من قبل سلطاتها. افتعلت الاستخبارات التركية أحداث مباراة شارك فيها فريق أمد سبور، كخطوة استباقية لتأديب الكرد ومنعهم من أي حراك ثوري وجعلها خريفاً، وخاصة أن تركيا مقبلة على انتخابات مصيرية. حيث قبل البدء بالمباراة تم منع مشجعي نادي (آمد سبور) الكردي من دخول الملعب والسماح فقط لمشجعي نادي بوصه سبور واستفزاز اللاعبين من (آمد سبور) بالإضافة للقلة من المشجعين الذين استطاعوا الدخول للملعب. وشاركت الشرطة، المسؤولة عن حماية اللاعبين والمشجعين، أيضاً بنشاط في محاولات الاعتداء ضد كل من اللاعبين والمشجعين من آمد سبور.
سلطات دمشق تمكنت بالتأثير على دفع القومويين المشحونين بمشاعر الكراهية لتنفيذ أدواتها، ولكنها لم تتمكن من تمزيق نسيج السلم الأهلي المعمر منذ آلاف السنيين والذي يجمع مكونات الشعب السوري بمختلف مكوناته وطوائف ومذاهبه وكانت النتيجة في عام 2014 التأسيس لإدارات ذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا ودورهم المنشود في مكافحة الإرهاب والتطرف وحماية الأمن والسلم الدوليين.
ولكن هناك حقيقة أن سوريا تحولت إلى منبع ومصدر للإرهاب حول العالم، هل سنشاهد في الأعوام المقبلة تجربة مشابهة في تركيا كما في سوريا. وأن كان دعم سلطات دمشق للجهاديين بشكل مستتر إنما التركي مشروعها الاحتلالي التوسعي الخارجي قائماً وبشكل فاضح على التنظيمات الإسلاموية الإرهابية بمختلف مسمياتها ذات الجذر نفسه، إلى جانب العمل على المزاوجة بين القوموية والإسلاموية في الداخل التركي.
يبدو حتى الرياضة وما تتمتع به من روح لتقريب بين الشعوب، وحتى بات يطلق عليها في وقتنا الراهن بالدبلوماسية الرياضية ليس لتقريب بين الشعوب بل، وأيضا لتذليل الخلاقات بين الحكومات والدول لم تسلم من إرهاب وتدنيس الاستبداد والديكتاتوريات لإرهاب شعوبها.