الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : المرتزقة حصان طروادة الطغاة

الحدث – القاهرة

منذ انطلاق الثورة السورية لم تكف القوى والجهات والدول المتدخلة في الأزمة السورية بالتلاعب بها وتحريفها عن مسارها من مطلب شعبي منادياً بحياة كريمة تسودها الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، قبل أن تصل إلى مستوى يتلائم و أجندات ومصالح القوى الإقليمية والدولية؛ وهذا ما كان له أن يتحقق لولا البعض من السوريين أنفسهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه من هؤلاء السوريين؟
بين الفينة والأخرى نشاهد لمعان أسماء بعض الشخصيات على صدارة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي كقادة عسكريين في غالب الأحيان وقلة قليلة كسياسيين.
وعند مراجعتنا لسيرة هؤلاء الناس قبل الثورة، نجد أن هؤلاء لم يكن لهم أية مكانة اجتماعية يحظون بها من قبل غالبية الشعب السوري؛ وينتمون إلى بيئات فقيرة ومهمشة، ويعملون بمهن في غالب الأحيان تكون غير مقبولة اجتماعياً، كالتهريب وبيع الممنوعات. وهم بالأساس أناس منبوذين اجتماعياً ويفتقدون إلى الحكمة والمعرفة التي تؤهلهم لتحقيق انسجام وتأقلم وتعايش مع ثقافة وقيم مجتمعاتهم.
خلال الحروب غالباً ما تقوم القوى والدول والجهات الخارجية باستثمار هذه الفئات من الناس كحاضنة اجتماعية للتغلغل في أي مجتمع؛ عبر اشباع غرورهم وغرائزهم وتأمين مايلزم لهم، ومدهم بالدعم المالي والشهرة والسلطة، وتعويض ما كانوا يحلمون به، وخاصة إذا كانت تلك الفئة تفتقد إلى المعرفة والحكمة، وتقودها الغريزة والعاطفة والهمجية غير المنظمة عقلياً.
يكفي منح هؤلاء حفنة من المال وتنصيبهم كقادة على مجموعة عبيد لتمرير كافة أجندات ومصالح تلك القوى؛ هنا سنورد ما يحدث في مدينة عفرين من قبل بعض هذه الشخصيات السورية على سبيل المثال وليس الحصر.
ففي السنوات الأخيرة من الأزمة السورية وبعد الاحتلال التركي لمدينة عفرين السورية عام 2018م، لمع وظهر بشكل مكثف أسماء بعض القادة العسكرين في العديد من المناسبات، وتصديرهم بشكل خاص وبدعم وتوجيه من الاستخبارات التركية كشخصيات حاملة للواء وطموحات الثورة السورية، و بنفوذ كبير وصل لتنظيم استعراضات عسكرية مهيبة.
ثمة الكثير من الأسئلة التي تراود الإنسان من قبيل من هم هؤلاء القادة، وماذا حققوا للدولة التركية، ولماذا يعول الأتراك على هكذا نماذج من الشخصيات وما الفائدة منها، وهل هكذا شخصيات هي استراتيجية بالنسبة إلى الأتراك، أم هي أداة لمرحلة تكتيكية لتمرير أجندات أو استراتيجيات؟
الدولة التركية وبعد احتلال لعفرين عبر مؤامرة سيئة الصيت مع الروس وصمت دولي، ولكي تتمكن من المضي قدماً في مشروعها الاحتلالي التوسعي والمتمثل بالميثاق الملي لضمان بقاءها بالمنطقة وضمها لحدودها السياسية المصطنعة في الأساس؛ كانت أولى خطواتها ممارسة إبادة ثقافية وعرقية بحق المنطقة عبر إجراء عمليات تغيير ديمغرافي، واستهداف تاريخها وقيمها الحضارية والإنسانية وهويتها الثقافية الأصيلة. وهذا ما لم يمكن تحقيقه إلا عبر هكذا نماذج من الشخصيات، الذين يفتقدون إلى القيم الأخلاقية والإنسانية والحكمة والمعرفة، ولا يتعدى تفكيرهم أبعد من اللحظة التي يعيشون فيها ودعمهم بالثروة والنساء والسلطة، واطلاق يدهم وإباحة جميع ممارسات الترهيب، وتخويف الناس من خلال ممارسة التعذيب ونهب وسرقة الممتلكات، وعمليات الاختطاف وطلب الفدية وفرض الإتاوات والاستيلاء على الأراضي والبيوت وتشريد سكانها واعتقالهم، واغتصاب وسبي النساء، وهدم المقابر، واستهداف الرموز الدينية، وفرض أيديولوجية مغايرة ومناهضة لقيم وثقافة المنطقة، وفرض ديانة وفق منطقهم، وسرقة الآثار وتغيير ديمغرافية المنطقة والقائمة تطول.
جميع هذه الممارسات كان هدفها الأخير تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين وتوطينها بسكان آخرين بعضهم فرض عليهم عبر عملية تبادل بين النظام السوري والأتراك برعاية روسية، والغالبية الأخرى من الإخوان الذين يدينون لقائدهم ومرشدهم العالمي أردوغان.
ولأن الدولة التركية تعلم عين اليقين بأن هذه نماذج من الشخصيات لن يكون تواجدها في سورية إلا بشكل مؤقت؛ وخاصة بعد ارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان، ما يضعه أمام مطالبات ومحاكمات من قبل جهات حقوقية دولية. وحتى تستفيد منه إلى أقصى حد في محاولاتها لتصديره على أنه أبو الفقراء وحامي المظلومين، شاهدنا كيف أن بعض من هذه القادة العسكريين يوزعون المساعدات الإنسانية على فقراء الكاميرون، ويحارب إلى جانب السراج ضد المشير حفتر. ففي مثال كاميرون يمكننا في المستقبل مشاهدة كيفية مد هؤلاء أردوغان وحكومته بمرتزقة سوريين في توسعاته وحروبه الخارجية في القارة السمراء مثلما فعل في ليبيا وناكورنيكرباغ. والإبقاء على حالة الفوضى في مجتمع مليء بالتناقضات وتغذيتها عبر اللعب على الوتر الطائفي والديني من جهة، وعلى الوتر القومي من جهة أخرى. وهذا ما فعلته تركيا في عفرين عبر توطين العرب السنة من خلفيات إخوانية، وبعض من التركمان في عفرين ذات الغالبية الكردية والتي كانت نسبة الكرد فيها قبل الاحتلال التركي ما يزيد عن 96% من المجموع الكلي، وحالياً يشكل نسبة الكرد فيها 25% فقط. وبهذا الشكل تحقق تركيا مشاريعها من خلال ضرب الكرد عبر العرب وخلق حالة عداء وصراعات بينهم تمتد تداعياتها لعدة أجيال ولمئات السنوات. ولم تكتفِ عند هذا الحد فحسب، بل وقامت بتوطين لاجئين من أصول فلسطينية في عفرين حتى تتمكن من توسيع نطاق الصراعات والأزمات بين شعوب المنطقة متجاوزة بذلك الحدود السياسية لدولة معينة. ولا يمكن أن نستثني من ذلك خلق عداء بين الشعب السوري والليبي عبر إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا، والعبث بأمنها واستقرارها حتى بات شبح فوبيا المرتزقة السوريين وانتشارهم في دول عدة موضع قلق دولي. وكما قامت تركيا بنشر الإسلام ذو النموذج الأردوغاني البعيد كل البعد عن حقيقة وجوهر الإسلام على سكان المنطقة، وبشكل خاص على الكرد الايزيديين والعلويين والأرمن.
وبهذا الشكل تسعى إلى خلق حالة من اليأس وفقدان الأمل والعجز لدى السوريين وايصالهم إلى وضع الرضوخ والانصياع لجميع السياسات والأجندات التي تفرض عليهم مقابل إنهاء الأزمة وآلة القتل والدمار.
بالإضافة إلى إطالة عمر الأزمة السورية لأطول فترة ممكنة لتمرير أجنداتها ومصالحها، وفرض واقع جديد على المناطق المحتلة عبر تتريكها، وبالتالي إجبار المجتمع الدولي على القبول بالأمر الواقع. وبهذا الشكل تحقق تركيا مصالحها مع النظام السوري من خلال اثبات صحة نظرية النظام السوري، بأنّ ما حدث عبارة عن مؤامرة استهدفت أمن واستقرار المنطقة، وأن من يدعون أنهم من المعارضة والثوار ما هم إلا حفنة من المرتزقة، بالمقابل تتنازل لتركيا عن بعض المناطق كما حصل في لواء اسكندرونة.
تصدير هكذا شخصيات من خلال أوراق تمتلكها في مراكز صناع القرار على حساب إبعاد الشخصيات الوطنية التي تجسد حقيقة الثورة السورية، وبالتالي في حال نجاح تركيا ضمان بقاءها في الحكومة السورية المستقبلية سيضمن لها السيطرة على القرار السياسي في سوريا المستقبل، وبالتالي الضمان للمضي قدماً في تحقيق أجنداتها.
ويمكننا القول بأن الدولة التركية بقيادة السيد أردوغان هي خير مثال لمقولة ابن خلدون: “والله لو خيروني بين القضاء على العبيد والطغاة، لاخترت القضاء على العبيد لأنهم هم من يصنعون الطغاة”.
دائما وأبداً السلطات وخاصة المركزية الشمولية سواء كانت ذات خلفية قومية أو دينية وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط تعمل بكل امكانياتها على الإبقاء على الشعب أن يكون عبيداً خانعين عبر تسليط عبيد عليهم يكونوا أعلى مرتبة منهم. وما نشاهده من مظاهر في منطقة عفرين المحتلة تصدير بعض الشخصيات كقادة ذوات نفوذ وثروة وسلطة محاطين بحاشية من الجنود عند الطلب، وهو ما يناقض مطالب الشعب السوري في الثورة التي انتفض لأجلها.
“أن الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب . والثورة التي يغدق عليها المال تتحول إلى ثورة لصوص ومجرمين. وعندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر الوطنيون. الجنرال فون نجوين جياب بطل الثورة الفيتنامية
هؤلاء الشخصيات كأدوات مصيرهم سنوات معدودة لحين الانتهاء من دورهم؛ وبعدها قد تقدمهم تركيا للعدالة الدولية وذلك لتبييض صفحتها في مجال حقوق الإنسان، أو اغتيالهم والتخلص منه حتى لا يكون وثيقة تثبت تورط الأتراك بدعم الإرهاب في سوريا.
هكذا نماذج من الشخصيات مصيرها مهما طال ستكون في مزبلة التاريخ. لذلك يتطلب من الشعب السوري الشرفاء والوطنيين التكاتف والحفاظ على مسار الثورة، والشعب السوري على مرّ التاريخ كانت له كلمته رافضاً العبودية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الحفاظ على القيم المجتمعية وثقافتها الأصيلة ونسيجها الاجتماعي وأخوة الشعوب ونشر ثقافة المحبة والتآخي ونبذ ومحاربة ثقافة الكراهية والعبودية.

to top