الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : المعارضة السورية الإسلاموية نحو المزيد من الإفلاس

الحدث – القاهرة

استطاعت الدولة التركية بقيادة حكومة العدالة والتنمية، التدخل في الأزمة السورية عبر خطابها الغوغائي مستخدمة تكتيكات ووسائل متنوعة ومتقلبة وغير ثابتة، من خلال سياسة برغماتية انتهازية بحتة، مستفيدة من ضعف الانتماء الوطني لدى شريحة من الشعب السوري، التي كان ورائها عقود من السياسات التعسفية العنصرية الشوفينية الاقصائية التي مارسها نظام مركزي مستبد من جهة، ومن جهة أخرى استغلال الشعور بالمظلومية لدى شريحة واسعة من الإسلامويين السوريين؛ وبشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين.
وكما عملت الدولة التركية على استغلال التناقضات الدولية وتسخيرها لمصالحها على حساب الجغرافيا والدم السوري.
كما هو معلوم لجميع المتابعين للأزمة السورية، كيف كانت الخطابات شبه اليومية لرأس النظام التركي أردوغان بنصرة الشعب السوري؛ والحديث الدائم عن إسقاط رأس النظام السوري الحاكم بشار الأسد، والترويج لخطاباته الغوغائية عبر أبواقهم الإعلامية التركية والقطرية؛ إلى جانب بعض السوريين المأجورين ممن يدعون على أنهم معارضة.
تمكن أردوغان عبر مرتزقة وإرهابيين من مختلف أصقاع العالم؛ وسوريين إسلامويين راديكاليين متطرفين من السيطرة على مساحات شاسعة من الجغرافية السورية؛ وصلت إلى 70% من المجموع الإجمالي سواء بيد المعارضة الإسلاموية المسلحة؛ بما تسمى بـ” الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، أو ما يعرف بـ ” حكومة الإنقاذ الوطنية”، أو بيد داعش ربيبتها.
وبات سقوط بشار الأسد أيام معدودة بحسب الادعاءات التركية وأتباعها؛ هذه الانتصارات المتسارعة وبوقت زمني قياسي، زاد من ثقة المعارضة السورية المتطرفة بالحكومة التركية، ودفعها للارتماء أكثر في الحضن التركي، لأن المعارضة الإسلاموية تلك لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً حقيقياً سوى الصراع على السلطة وإسقاط النظام الحاكم، فكانت بمثابة ورقة قوية بيد تركيا لتحكم بها.
بكل بد؛ وبتوسع رقعة سيطرة المعارضة على الجغرافية السورية، وارتهان المعارضة نفسها لتركيا، أصبحت ورقة ضغط قوية تمتلكها تركيا في بازارات التفاوض خدمة لاستراتيجياتها التوسعية الاحتلالية وتدخلاتها الخارجية عبر عمليات المقايضة. فسلسلة عمليات المقايضة بدأت بعد دخول الروسي إلى سوريا؛ بناء على طلب الحكومة السورية 2015، وتساقط المنطقة تلو الأخرى بيد الحكومة السورية، إلى أنْ تكلل الاتفاق بين الروس والأتراك والإيرانيين بمباحثات آستانا 2017، والمقايضة بين الروس والأتراك بتسليم منطقة مقابل الأخرى.
وبعد سلسلة من المسرحيات بتسليم منطقة تلو الأخرى؛ وكانت البداية من تخلي تركيا عن مدينة حلب السورية للنظام والروس؛ وبالمقابل الحصول بموجبها على الضوء الأخضر للقيام بعملية ما سُمي بـ ” درع الفرات”، والتي تم بموجبها تسليم داعش كلٍ من الباب وإعزاز وجرابلس لدولة الاحتلال التركي عام 2016؛ عبر مسرحية مفبركة، وكان الهدف الأساسي من خلفها إيقاف عمليات تحرير الأراضي التي كانت تقودها قوات سوريا الديمقراطية؛ بدعم ومساندة التحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي؛ وخاصة بعد النجاح الساحق الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية بتحرير مدينة منبج.
لأن من مصلحة تركيا وقتها كانت تكمن بالبقاء على وجود التنظيم والفصائل الراديكالية المتطرفة لتمرير مشاريعها وأجنداتها؛ لذا سارعت بإطلاق عملية درع الفرات للإبقاء عليهم في مناطق تواجدهم.
وفي عام 2018 وكأحد مخرجات آستانا وسوتشي تمت عملية مقايضة بتسليم الغوطة للنظام؛ بالمقابل السماح للأتراك باحتلال مدينة عفرين تحت مسمى عملية ” غصن الزيتون” بالتزامن مع عمليات التحرير التي كانت تقودها قوات سوريا الديمقراطية في منطقة دير الزور؛ آخر جيوب داعش ميدانياً وجغرافياً في سوريا.
وبعد أن قضت قوات سوريا الديمقراطية على ما تسمى بـ ” دولة الخلافة” في آخر جيوبها ببلدة الباغوز التابعة لمدينة دير الزور في أذار 2019؛ والاستمرار في ملاحقة ومكافحة خلايا التنظيم الإرهابي، وتحقيق المزيد من الاستقرار والأمن في المنطقة، سارعت تركيا بموجب اتفاق بينها وبين الروس، وتواطئ من ترامب باحتلال كل من مدينتي سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) تشرين الأول 2019.
كمحاولة من دولة الاحتلال التركي بعرقلة مساعي قوات سوريا الديمقراطية بالعمل على استتباب الأمن والاستقرار واستكمال رسالتها بحماية المنطقة والإنسانية من الإرهاب والعمل على تجفيف منابعه.
الأجندات الروسية وعمليات المقايضة التي تقودها مع الدولة التركية ليست حكراً على إعادة سيطرة النظام السوري على كامل الجغرافية السورية وحدها؛ بل تحمل أجندات عديدة أخرى منها جر تركيا إلى محورها وكذلك المصالح المشتركة بين الطرفين في العديد من الدول الأخرى؛ التي تعيش أزمات وصراعات وشراكات اقتصادية.
والاستراتيجية التي تتبعها روسيا في سوريا منذ قدومها هي إعادة كامل الجغرافية السورية لسيطرة النظام الحاكم؛ وكانت آخرها ما شهدته مدينة درعا السورية من عمليات تسوية عبر تسليمها للنظام والعودة إلى ما كانت عليه قبل 2011، بالرغم من دعوات أهالي درعا بالهجرة الجماعية إلى الأردن أو تركيا، هذه المرة لم نسمع أي خطاب أو دعوة تركيا للاستجابة لمطالب أهالي درعا دليل على تنسيق وموافقة بكل ما تقوم بها روسيا.
مع تعرض العديد من مناطق إدلب آخر جيوب تواجد لقوى المعارضة الإسلاموية المرتهنة لدولة الاحتلال التركي للقصف؛ ربما ستكون تمهيداً لعمليات عسكرية كبرى، إذا ما رفضت بعض الفصائل الانصياع للأوامر التركية، أو ستكون عملية تسليم كما المناطق الأخرى، مع ظهور الكثير من التصريحات الإعلامية عن لقاء مرتقب بين علي مملوك وحقان فيدان.
بالتزامن مع القصف المستمر من قبل دولة الاحتلال التركي وفصائلها المرتزقة لمناطق عين عيسى وريف تل تمر والشهباء؛ مستفيدة من انشغال العالم بالتطورات والمستجدات التي تشهدها أفغانستان، والعمل على تعبئة الإسلاميين ضد مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
ولتمهيد الشعب وتهيئته للقبول بحكم أمر الواقع قبل إسقاط إدلب بيد النظام السوري؛ بسقوطها سيكون سقوطاً كلياً لما يسمى بـ ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” و ” حكومة الإنقاذ الوطنية”؛ كون ما تبقى من المناطق الأخرى محتلة بشكل مباشر من قبل دولة الاحتلال التركي؛ وليس من المستبعد تخلي النظام عن المناطق المحتلة مقابل البقاء على كرسي السلطة.
بأن التفاوض والتنسيق الأمني والاستخباراتي بالرغم أنه ليس بجديد وموجود منذ البداية يأتي لخدمة الشعب وبأن النظام أقل خطورة أمام تواجد الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية قسد؛ وهذا الشيء يحمل بعض أوجه الحقيقة ليس لأن الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية خطيرة في حقيقتها؛ إنما فوبيا تركيا من قيام كيان ديمقراطي ومشروع وطني على حدودها الجنوبية من انتقال هذه التجربة إلى الداخل التركي؛ وهي تعلم عين اليقين بأن تركيا من الداخل هشّة ووصلت إلى ذروتها نتيجة لحجم التناقضات التي تعيشها. لذا وجود نظام مركزي مستبد على حدودها يخدم سياساتها الديكتاتورية المستبدة على شعوبها.
بما أن الإدارة الذاتية هي النموذج الأفضل والأمثل التي حافظت على تطلعات الثورة التي انتفض من أجلها الشعب السوري؛ وهي مستمرة في تحقيق مشروعها الوطني بالتواصل مع جميع أبناء الوطن الواحد للعمل معاً بالوصول بسوريا إلى بر الأمان ووضع حد للأزمة السورية وتداعياتها الكارثية ربما ستستمر لعقود.
ففي الوقت الذي كانت البشرية جمعاء شاهدة على التضحيات التي قدمتها ومازالت قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الإرهاب بالتزامن كانت تركيا تفتح حدودها على مصرعيها أمام التنظيم ودعمه مادياً ولوجستياً وعسكرياً؛ وما زال الآلاف من عناصر التنظيم الفارين يعملون تحت أمرتها ومستلمين مناصب قيادية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومرة أخرى للتغطية على المتاجرة التركية بالثورة السورية خدمة لمصالحها وأجنداتها نرى أبواقها الإعلامية وأقلامها المأجورة من السوريين المرتهنين لها بدأوا بالتطبيل والتزمير مباركين الخطوات التي يقوم بها أردوغان بأنها تخدم وجود الشعب السوري، ووجود النظام يخدم الثورة ويحافظ على السيادة السورية أرضاً وشعباً، وهو ما يخالف ويناقض الحقائق والمعطيات الموجودة على الأرض.
مستندين على تصريحات ومقاربات غير صحيحة، وهي مطلقية الانسحاب الأمريكي من مناطق شمال وشرق سوريا، كما فعلت في أفغانستان متجاهلين الاختلاف بين الوجود الأمريكي في كل منطقة وأسباب تواجده، والطبيعة الجيوستراتيجية والاجتماعية والسياسية في كل بلد.
والأهم من كل ذلك هو الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية لم تكن تعول وتراهن على الوجود الأمريكي في يوماً من الأيام؛ حيث أنها أسست إدارتها وحررت العديد من مناطقها قبل التواجد الأمريكي والتحالف في المنطقة.
وأية سيادة تتحدث عنها المعارضة، وتركيا تحتل بشكل مباشر كل من الباب وإعزاز وجرابلس وعفرين ورأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي) وهذه المناطق تعرضت وما زالت لعمليات تغيير ديمغرافي شبه تام؛ بالإضافة إلى عملية تتريك كاملة من حيث التعليم باللغة التركية، وتداول العملة التركية وتجنيس سكانها بالجنسية التركية، وتسمية المناطق والمدن بأسماء ورموز تركية..إلخ.
حان الوقت بأن يسحب الشعب السوري البساط من تحت الفصائل المرتزقة وداعميه ودولة الاحتلال التركي؛ للكف من التلاعب بمصير الشعب ومستقبله؛ ومد أيديهم إلى البقية من أخوتهم من الشعب السوري للعمل معاً على تحرير ما تبقى من المناطق المحتلة من دولة الاحتلال التركي؛ وعدم الانجرار للسياسات التركية الفاشية، والتي مازالت تعمل باللعب على وتر القوميات، وانشغال الشعب السوري ببعضهم البعض بدلاً من محاربة الإرهاب، والعمل على تغيير بنية النظام الحاكم عبر التوجه نحو اللامركزية؛ وعلى وتر المعتقدات وديباجة الانفصال والعمل مع الأمريكان، وتركيا نفسها ثاني أكبر جيش في حلف الناتو وتعمل تحت أمرتها.
كما عول مجلس سوريا الديمقراطية منذ بداية تأسيسه وإلى الآن بأن الحل سيكون عبر حوار سوري – سوري سواء بين المعارضة أنفسهم؛ أو ما بين المعارضة والحكومة السورية، وكل ما عدا ذلك ما هو إلا كسب للوقت لإطالة الأزمة، وتحقق المصالح خدمة لأجندات تخدم الجميع، باستثناء الشعب السوري.

to top