الأربعاء 25 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : تركيا ومغزى التواقيت

الحدث – القاهرة

لطالما استمدت تركيا استمرارية أمنها الوجودي في المنطقة وسوريا على وجه التحديد؛ بناءً على علاقتها العضوية مع تنظيم داعش الإرهابي، تلك العلاقة التي تشبه الحبل السري الذي يربط الجنين بالأم؛ بقطع ذلك الحبل يموت الجنين والأم تحرم من حلم الأمومة.
منذ إعلان تنظيم داعش الإرهابي عن تأسيسه وحتى يومنا الراهن؛ كانت ولازالت – داعش- طفل تركيا الذي تمده بجميع أنواع الدعم اللوجستي والمادي والمعنوي، ذلك الطفل المدلل سيكون السبيل باستعادة حلمها العثماني الأردوغاني البائد.
لذا في كل مرة يتلقى هذا التنظيم ضربات تنذر بنهايته؛ تتسارع تركيا بشتى الوسائل للإبقاء عليه وتنشيطه وتغذيته؛ لمنعه من الانهيار والزوال، لأنها تعتمد على الإرهاب المتمثل بالجماعات الإسلاموية المتطرفة وأعتى تلك التنظيمات والجماعات داعش، وبالتالي فإن قطع علاقتها مع هذه الجماعات؛ سيكون السبيل لوضع حد نهاية لمشروعها الاحتلالي التوسعي؛ والمتمثل بالميثاق الملي ذلك الحلم الذي طال انتظاره.
الجميع يذكر عندما اقتربت قوات سوريا الديمقراطية من الإعلان عن تحرير منبج من إرهاب تنظيم داعش؛ تسارعت تركيا وعبر مسرحية مفبركة باستلام مناطق إعزاز والباب وجرابلس من تنظيم داعش بموافقة ومقايضة روسيا والنظام السوري؛ عبر التخلي عن مدينة حلب لصالح النظام بالمقابل احتلال المناطق المذكورة أعلاه لقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية في حملتها بتحرير باقي المناطق السورية من تنظيم داعش.
بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تلاحق عناصر تنظيم داعش الإرهابي وتحاصره في الباغوز بديرالزور؛ كآخر معاقل التنظيم في سوريا، مرة أخرى شنت تركيا عملية واسعة لاحتلال مدينة عفرين بمقايضة مع الروس والنظام عبر التنازل عن الغوطة السورية.
وبعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية بمساندة ودعم من التحالف الدولي القضاء على ما تسمى دولة الخلافة في بلاد الشام والعراق في آخر معاقله في بلدة الباغوز ميدانياً وجغرافياً، سرعان ما زادت دولة الاحتلال التركي من تهديداتها باجتياح مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ وبموجبها تم احتلال كل من سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) بضوء أخضر روسي والرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.
ففي كل مرة تحتل منطقة تتحول إلى ملاذ آمن لعناصر التنظيم وتسليحهم ودعمهم؛ في محاولة من تركيا للإبقاء على التنظيم حياً وباقياً ؛ وتوجيههم متى تشاء.
الدولة التركية لم تتوقف لبرهة منذ الأحداث السورية من استهداف مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ وفي كل مرة تكون استهدافاتها عبر أدواتها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وحين تشل قوى تلك التنظيمات تتدخل بعتادها وجيشها مباشرة كما حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض ؛ حيث القصف المستمر على بعض المناطق كالشهباء وريفي تل تمر ورأس العين؛ لإعطاء متنفس لتلك التنظيمات باستعادة قواها ولملة شتاتها.
وما تشهده أحداث سجن غويران منذ ليلة البارحة والمصادف في 20 كانون الثاني المصادف لذكرى هجومها لمدينة عفرين 2018، وبالتزامن مع ذكرى تحرير مدينة كوباني المصادف 26 كانون الثاني 2015 في ذكراها السابعة؛ والذي منها بدأ انكسار داعش ولحقها بعدها ضربات واحدة تلو الأخرى.
وبكل بد ما تقوم به داعش من استهداف لسجن بالتزامن مع القصف التركي بالطائرات المسيرة لقيادات عسكرية لوحدات حماية شنكال ؛ لم يكن منفصلاً عن بعضهما وهذا ما يؤكد مدى عمق العلاقة العضوية التي تربطهما وكل منهما يستمد أمنه الوجودي من الأخر.
ربما المساعي التركيا تأتي أيضاً في وقت يتعرض فيها المعارضة السورية المتمثلة بالإئتلاف للانهيار بعدما رهنت نفسها للدولة التركية بشكل مطلق؛ فبعدما كانت تحظى بدعم عشرات الدول وبالشرعية الدولية اليوم؛ لم يبق إلا ثلاثة دولة فقط من تدعهما وهي تركيا وقطر والسعودية التي ستوقف الدعم عنها نهاية الشهر بحسب ما صرح به رئيس الإئتلاف سالم المسلط، ففي وقت تسعى فيها الدول الفاعلة في الأزمة السورية بإعادة تشكيل جسم للمعارضة بديل عن الإئتلاف الإخوانية؛ وغالبية الفصائل المنضوية تحت مظلتها إسلاموية ؛ ومدرج قسم كبير منها على قوائم الإرهاب، وبالتالي بزوال الإئتلاف سيحجم التدخل التركي في سوريا.
لذا نشاهد تركيا في كل مرة تصر وبقوة على انتعاش داعش وإعادة ترميم صفوفه بعد التشرذم والضعف التي حل به للإبقاء على الأزمة والفوضى في سوريا للحفاظ على مكتسباتها والمضيء قدماً في استكمال مشروعها الاحتلالي التوسعي للمنطقة.
وحتى في شنكال بعدما فشلت مساعيها بضرب إدارتها الذاتية؛ وإعادتها على ما كانت سابقاً قبل 2014 قبل العملية الانتخابية العراقية ماضية في ضربها للمدنيين وقياداتها العسكرية؛ التي لعبت دوراً كبيراً في تحرير شنكال والقضاء على التنظيم.
فرمزية التوقيت لدى تركيا تحمل معاني كثيرة وفي كل مرة تقوم بعمليات اختيارها لتوقيت يكون بشكل مدروس؛ وأولها كانت 2016 باحتلالها لمدينة جرابلس وهي نفس التاريخ 1516 انتصارها في معركة مرج دابق بالقرب من جرابلس على المماليك، واستهداف سجن غويران رسالة لشعب عفرين؛ بأنها ماضية في سياساتها ودعهما للإرهاب ذلك اليوم الذي خرج شعوب شمال وشرق سوريا وفي الكثير من الدول رافضين الاحتلال التركي.
كما أن ليس من مصلحة تركيا إبقاء العناصر في قبضة قوات سوريا الديمقراطية؛ حينها سيسود الأمن والاستقرار وسلم المنطقة؛ كما أن إخضاع تلك العناصر لمحاكمة دولية ستتعرى سياساتها المعادية أكثر فأكثر للمنطقة والإنسانية. لذا مادامت حكومة العدالة والتنمية مستمرة في سياساتها هذه، داعش سيبقى نشطاً ولن تكف عن نشاطاته عبر خلاياه النامة فمكافحة ومناهضة داعش تبدأ عبر تحجيم الدور التركي وتدخلاتها في المنطقة؛ والإسراع في إجراء محاكمة دولية لهؤلاء الإرهابيين؛ وتقديمهم للعدالة مع من يقف ورائهم.

to top