الحدث – القاهرة
الدولة التركية عملت جاهدة على استغلال موقعها الجيوستراتيجي بكامل حذافيره مع بوادر حرب العالمية الثالثة، والتي كانت بداياتها مع انطلاقة ما يسمى الربيع العربي -ومن الأصح تسميته بربيع الشعوب كونه شملت كافة الشعوب بمختلف قومياتها وأثنياتها ومذاهبها- وبشكل خاص حدودها الجنوبية مع سوريا والتي تقدر بـ (911) كم2، أي تشمل كامل الحدود الشمالية السورية.
ومع انطلاقة الحراك الثوري السوري في بدايات 2011م، تسارعت حكومة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى اطلاق شعارات تنادي بنصرة الشعب السوري وإسقاط النظام واحتضان المعارضة وفتح حدودها الجنوبية لدواعي إنسانية على مصرعيه لاستقبال اللاجئين السوريين.
حيث أسهم تعامل النظام مع الحراك باللغة العسكرية، والخطاب الغوغائي لأردوغان وحكومته إلى دفع بالشعب السوري إلى الهجرة والنزوح، وكانت لدولة التركية النصيب الأوفر من اللاجئين السورين من بين الدول التي استقبلتهم والذين تقدر بحوالي ثلاثة ملايين ونصف.
وكما هو معلوم ذهنية الحكومات التركية المتعاقبة المبنية على الغزو كاستراتيجية وأن اختلفت أساليب وأدوات هذه الحكومات على مرّ الزمن إلا أن مضمونها كان واحداً، وهي استخدام الشعوب خدمة لأجنداتها السياسية البراغماتية التوسعية، وكانت الأزمة السورية أحدى الفرص التي وجدت ضالتها فيها.
الدولة التركية على خلاف الدول الأخرة التي احتضنت واستقبلت اللاجئين، حيث استخدمتهم كورقة ضغط تارة لابتزاز بعض الدول وتارة في وجه معارضيه وتارة خدمة لمشاريعها التوسعية الاحتلالية، حيث بالإمكان إيجاز سياسة أردوغان بالتعامل مع ملف اللاجئين السوريين على الشكل التالي:
فكما هو معلوم ومنذ بداية الأزمة السورية والدولة التركية ترعى وتدعم الجماعات الراديكالية المتطرفة مثل داعش وأخواتها من القاعدة وجبهة النصرة وأحرار الشام والإخوان والجيش الوطني، إلى جانب قيامها بتجنيد شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين ضمن هذه الجماعات المتطرفة، لذلك في كل مرة تقوم بابتزاز الأوروبيين وتهديهم بفتح الحدود أمامهم وإرسالهم إلى أوروبا، للحصول على تنازلات ومكاسب سواء كانت مخصصات مادية أو غض الطرف عن سياسات تركيا الخارجية والداخلية وعدم التدخل في انتهاكاتها لحقوق الإنسان سواء في الداخل بحق معارضيها أو في الخارج بحق الشعوب الأخرى.
استخدام هؤلاء اللاجئين كمرتزقة في مشاريعها الاحتلالية التوسعية عبر إرسالهم إلى ليبيا وأرمينيا والعراق وغيرها من الأماكن.
اللاجئين السورين وفرة لها يد عاملة رخيصة وبذلك كانت إسهاماً جيداً في تنشيط الاقتصادي التركي الذي يعاني من الهشاشة بالأساس.
بعدما خسر أردوغان وحزبه قاعدته الشعبية وحلفائه بسبب سياساته الانفرادية والهمجية والتي أوصلت البلاد إلى عزلة مع محيطه الإقليمي والدولي، وأنهى جميع مظاهر الحياة السياسية والحقوق والحريات الفردية في البلاد، وملأ السجون بالسياسيين والمعارضين، وأضعف مؤسسة الجيش عبر مسرحية انقلاب 2016م وذلك عبر تصفية واعتقال كبار الضباط والاستعاضة عنهم بالمرتزقة، وتراجع الليرة التركية، فكان لتواجد اللاجئين فرصة ذهنية لكسب أصواتهم في الانتخابات المقبلة عبر تجنيسهم ومنحهم المواطنة التركية.
استغلال المخصصات المادية للاجئين من الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة في دعم وترويج وتنفيذ مشاريعها الخارجية.
استخدام ورقة اللاجئين في فرض سياستها لإقامة “مناطق أمنة” بذريعة تأمين وحماية اللاجئين ولكنها في الحقيقة تندرج ضمن إطار تطبيق مشروع الميثاق الملي عبر احتلال مناطق من شمال سوريا، والتي استطاع من خلالها تحقيق جزء من مشروعه من خلال احتلال كل إعزاز وباب وجرابلس بحجة محاربة الإرهاب، هذه الحجة التي لم تنطلي على أحد، عبر مسرحية استلام وتسليم بينها وبين داعش، وكذلك احتلالها لكل من عفرين وسري كانيه وكري سبي بضوء أخضر روسي وتواطئ الحكومة السورية والإيرانية وصمت دولي، وهذه المناطق تحولت حقيقة إلى منابع وبؤر لتصدير الإرهاب والارتزاق، وبؤر لإنشاء مستوطنات جديدة بهندسة ومنهجية محبكة لتغير ديمغرافية المنطقة.
استخدام اللاجئين لإجراء عمليات تغيير ديمغرافي ومحو الهوية الثقافية الأصيلة للمنطقة من خلال توطينهم في مناطق غير مناطق سكناهم الأصلية وهي ما حدثت عبر الصفقة السيئة الصيت بين أردوغان والروس بتوطين أهالي الغوطة وغيرها من المناطق السورية الأخرى في عفرين وسري كانيه وكري سبيه، كما يسعى أردوغان من خلال هذه العمليات إلى عزل كرد غرب كردستان عن كرد شمالها من خلال توطين المتطرفين الراديكاليين من عرب السنة، والسعي من خلال هذه السياسات الإبقاء على حالة النزاع والصراع بين القوميات والمعتقدات وتغذيتها كخاصرة رخوة لتدخل فيها متى ما شاء عبر اللعب على وتر الطائفي أو القوموي أو العقائدي.
إجراء عمليات التغيير الديمغرافي عبر استخدام اللاجئين السوريين لم تكن حكراً علي المناطق السورية فحسب، بل يجريها أردوغان والدولة التركية داخل الأراضي التي استحوذت عليها عبر اتفاقية سايكس بيكو لإفراغها من سكانها الأصلية لضمان بقاءها تحت سلطتها، شمال كردستان نموذجاً.
اتباع سياسة “التتريك” وذلك من خلال العمل على صهر الشعوب السورية الخاضعة لاحتلالها عبر فرض اللغة والجنسية التركية وتسمية المناطق بأسماء ورموز تركية وتداول العملة التركية، وكما هو معلوم غالبية هذه الشعوب والتي تلطخت أيديهم بدماء السورين يفضلون البقاء برعاية وحماية أردوغان في حال حصول أية تسوية سياسية أو حلحلة للأزمة السورية هنا يأتي الدور التركي بطرح فكرة الاستفتاء تحت ذريعة حق تقرير المصير وبالتالي من المؤكد ستكون النتيجة محسومة من قبل هذه الشعوب ببقاء تحت الاحتلال التركي.
إذا تركية بسياساتها البراغماتية العدائية التوسعية حولت آمال الشعب السوري من قضية شعب مطالباً بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويحظى بدعم وتعاطف مجتمعي وإقليمي ودولي إلى قضية مرتزقة تباع في بازارات الارتزاق وإلى فوبيا يخشاه العالم على كافة الأصعدة المجتمعية والإقليمية والدولية.
ولكبح جماح أردوغان وسحب ورقة اللاجئين منه يتطلب اجماع دولي للوقوف على قضة اللاجئين وضرورة فصل المرتزقة عن اللاجئين المدنيين عبر الاسراع في حل الأزمة السورية والعودة الآمنة والطوعية وبرعاية وضمانات دولية إلى مناطق سكناهم الأصلية أو بالإمكان استقبالهم في بعض المناطق التي تحظى باستقرار نسبي مثل مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث أبدى الجنرال مظلوم عبدي والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في أكثر من مناسبة استعدادهم لذلك عبر دعم هذه الإدارة مادياً ولوجستياً وأمنياً وأنهاء الاحتلال التركي لمناطق الشمال السوري لحين تسوية الأزمة السورية وعودته إلى مناطقهم الأصيلة بشكل طوعي.
أما في حال البقاء على ما عليه سنكون أمام تهديداً كبير للأمن المجتمعي والدولي والإقليمي عبر تغذية أردوغان وحكومته لمنابع التطرف والإرهاب وغزوها للعالم، وربما حينها نكون أمام تنظيمات أكثر تطرفاً وراديكالية من داعش والقاعدة منبعها الأراضي التركية أو المحتلة من قبلها، وسنكون وجهاً لوجه أمام أفغانستان وتورابورا جديدة والتي أنتجت وصدرت القاعدة أو عراق التي انتجت داعش.